إني جاعل في الارض خليقة

نفحات في قوله تعالى إني جاعل في الارض خليقة

بسم الله الرحمان الرحيم وصلى الله على سيدنا ونبينا ومولانا محمد .
قال تعالى﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾الخليفة هو من يخلف غيره،ويقوم مقامه وينوب عنه,ولا تَـتِمُ إلا بكون الخليفة حاكيا للمُسْتَخلِف في جميع شؤونه الظاهرة,والباطنة وآثارها وأحكامها فيما استخلف عنه،وفي إطار الدوائر التي رسمها له المستخلِف.وهذا إخبار من الله تعالى للملائكة قبل خلق آدم ,أنه جل شأنه جاعل من يَخْلُفه,ويتحلى بأسمائه ,ويتصف بصفاته ,وينطق بكلامه الموحى إليه, ويكون واسطة بينه وبين خلقه ,وتكون مبايعته عين مبايعته,فمن أطاعه فقد أطاع الله, ومن استجاب لهفقد استجاب لله,ومن أحبه فقد أحب الله. والحق جل جلاله غني عن العالمين من حيث ذاته ,وارتباط العالم به هو من حيث اسمائه وصفاته.فلا الطاعة تنفعه ولا المعصية تضره.﴿ قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء,وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾,استبعدوا أن يكون خير وصلاح في من خُلق من العناصر الأربعة ,التراب,والماء ,والنار, والهواء ,كما استبعدوا أن يكون الفساد من مقتضى بالأسماء الإلهية﴿ قلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً﴾ لأنهم ما عرفوا الحق إلا من شؤونه الجمالية,وصفاته التنـزيهية ,والجلال يُرى في عالم الأمر والنهي,وهم مجبولون على الطاعة فلم يعرفوه بالجبار والضار ولا غيرهما من الأسماء. كأنهم يقولون أتجعل فيها من يفسد فيها ,وتترك أن تكون ا لخلافة منا, ونحن المسبحون بحمدك ,المقدسون لك.﴿ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ أعلم أن لا شئ خارج عن قضائي وقدري ,و أن الكون لا يقع فيه ما هو مخالف لإرادتي ,وأعلم أن الموجودات حسية أو معنوية ,ظاهرة أوباطنة ,إنما هي تجليات أسمائي وصفاتي ,فأنا الفعال لما أريد وأنا المبدئ والمعيد, وأنا الخالق المختار, وأنا الذي بيده ملكوت كل شئ.ولم ينف عن الخليفة الفساد ولا سفك الدماء.﴿ وعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا﴾ علَّمَ آدم مقتضيات اسمائه الجمالية والجلالية,عَلَّمه الاسم والمعنى ، وعلمه الدال والمدلول عليه,فعَلِم آدم أن الأسماء روح,والمقتضيات جسدها، وأنها هي المسيرة للكون المدبرة لشوونه ,القائمة على استمرارية وجوده ,هي الخزائن والموازن , هي ما يفتقر إليه حسا ومعنى ,هي العطاء والمنع ,هي العصا والحية.وأداة “كل” تفيد أنه لم يبق شئ يمكن تعلمه في عالم الامر والنهي إلا وقد تعلمه هذا الخليفة .﴿ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ لو كان الضمير في ” عرضهم ” راجع على الاسماء لقال تعالى ثم عرضها .والضمير “هم” لا يستعمل في اللغة إلا للجمع العاقل وعلى هذا المساق جرى قوله تعالى﴿ قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم ﴾وكذلك قوله تعالى ﴿أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء﴾ فإسم الاشارة “هؤلاء” يستعمل للحي العاقل الحاضر.عرض عليهم مقتضيات أسمائه, وطلب منهم أن يُرجعوا كل مقتضى للإسم المدبر له.أي على من تقع مقتضيات أسمائي ؟ إن لم يكن في الارض من يذنب فأغفر له ,ومن يطلب الرزق فأزرقه ,ومن يطلب الشفا فأعافيه ﴿إن كنتم صادقين﴾فلم يكونوا صادقين ,لأنهم للمقتضيات منكرين ,وعلى سر الخليفة غير مطلعين. فجهلوه ولم يحيطوا بأمره خُبرا ولم يستنبطوا من شأنه أمرا . “ما عرفني حقيقة غير ربي” فالخلافة خص بها من هو على القالب فحاز على السورة لأنه خلق على الصورة .ولما خرج آدم من القالب ,خرج وهو مكتوب فيه الاسماء 99 والتي من مقتضاها الوجود الهيكلي ,وبقيت تلك الاسماء مرسومة في كف الآدميين كلهم, دالة على أن الخلافة, والإمامة منهم.﴿ قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾.فعَجَزوا وأقروا, أن لا علم لهم إلا ما علمهم العليم الحكيم .لم يكونوا على علم بجميع الاسماء والصفات ,ولم تكن لهم معرفة بعموم التجليات, فهم جمال محض لا يستطيعون قرءاة الآيات الجلالية, إلا جبريل بعد الضم 3 مرات متتالية.لم تكن لهم معرفة بأول العابدين ,ولا بالنور المتقلب في الساجدين, ﴿ قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ فهو تعليم لآدم ,وإنباء للملائكة .فتعلم آدم بدون وَسَاطة من بساط الربوبية ومن صاحب الأولية,علوما أعجز بها كل الخلائق الوجودية, وأنبأ من الأَنباء بالغيب أي أطلعهم على ما استترعنهم من جهة حقائق الاسماء ومقتضياتها .وأنبأهم بأسمائهم هل هي من مقتضيات الأسماء فحسب ؟ أو من مقتضيات الأسماء والصفات ؟ فملائكة النار ﴿غلاظ شداد ﴾ وحملة العرش ﴿ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا ﴾ هم الصافون, وهم المسبحون, مكلفون بقبض الارواح وتوصيل الارزاق , منهم الحفظة, ومنهم رسل, كل له مقام معلوم… ,فكان الخليفة واسطةً بين الله والملائكة .﴿ وأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾ أعلم ما تبدون من تسبيح وتقديس ,وأعلم ما كنتم تكتمون من الجهل بهذا الخليفة .وأعلم من أمر هذا الخليفة ما لا تعلمون, فهو الذي سَيُظهر اسمائي وصفاتي وبه تتم معرفتي. ” ورد في الحديث القدسي “فخقلت الخلق فبي عرفوني “.فكان آدم على علم بالاسماء الإلهية ومتقتضياتها ,فظهرت بذلك للملائكة خصوصيتة ,وتفوقه في العلم والمعرفة, وغابت بشريته ونشأته المتكونة من أخلاط غير متجانسة.﴿وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ﴾ أي بما ظهر لكم من علوه, وتقطبه عليكم في المعرفة بأسمائي, اسجدوا له.تفوق بالمعرفة وتميز بالقالب فسجدوا له سجود احترام,و تقدير ,وتعظيم ,لا سجود عبادة, وسُخِّرت الملائكة لخدمته وبنيه.قال تعالى ﴿وَلَقَدْخَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ﴾ (الاعراف),فالسجود هو لحقيقة سيدنا محمد . قال مولانا رسول الله “كلكم من آدم ,وآدم من تراب ” ولم يقل كلنا . وما دور إبليس في كل ما ذكرناه ﴿ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ هذا الخطاب إبليس لم يكن على علم به, إذ هو ليس من جنس الملائكة, كما لم يكن له علم بالمناظرة التي كانت بين آدم والملائكة ,والتي انتهت بتفوق الجنس الآدمي على الجنس الملائكي, بحصة ثقيلة بعدد الأسماء الإلهية ,والتي لا حصر لها. إنما أُحضر عند الأمر بالسجود ,فأبى .ربما رأى أن الخطاب موجه للملائكة وهو من الجن. ربما رأى أن السجود لغير الله لا يصح ,وعلى أي ِّ،فقد غلب عليه تكبره﴿ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾ وعنصر النار أفضل من عنصر الطين[حسب نظره] عنصر النار يطلب العلو, والتراب يطلب الحضيض , عنصر النار علوي ,وعنصر التراب سفلي , وإبليس كان عابدا لله ,وآدم لم يسبق له عمل يستوجب الافضلية. فاحتجبت عنه رؤية الحقية في الخلقية بالطينية ,وغاب عنه ما يتلأ لأ في جبين أب البشرية ,وهو نور الحقيقة المحمدية. قال تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ﴾ (الاعراف) فنفى عن الملائكة التكبر, وأثبت لهم السجود. ألا ترى الملائكة لـمَّا لم تَـعْصَ أمر الله أجابها الله في ما سألته فيه ,حتى إن العبد إذا وافق في الصلاة تأمينه تأمين الملائكة غفر له, بخلاف ابليس أثبت له التكبر ونفى عنه السجود لهذا لم يجبر سهو الصلاة بغير السجود لأنه يَـحْزِن المطرود فلا هو امتثل الأمر﴿ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ ﴾ ولا هو اقتدى بالملائكة ﴿إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ ﴾ فجمع بين الإباية والإستكبار والكفر ﴿ِإلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ فحقت عليه اللعنة,ووجب عليه الطرد, وخسر الخسران المبين,وإبليس لم يشك في وحدانية الله إنما كفره,جحد, وعِـنَاد, وقضاء وقدر. لاراد لوقوعه (فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ)(الحجر) كلهم بدون إستثناء ,وأجمعون أي سجود جماعي﴿ قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ﴾ (ص) فالملائكة سجدوا عن آخرهم مما يدل أن العالين ليسوا من جنس الملائكة ,وأن هؤلاء العالين غير مأمورين بالسجود يا ترى من هم ؟ قال تعالى ﴿قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ﴾ وقوله تعالى ﴿وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾وقال “كنت نبيا,وآدم منجدل في طينته “وقوله ” كنت أول الناس في الخلق ” وقوله صلى الله عليه “أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر “وقال “إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ ” وفي حديث آخر” أول ما خلق الله العقل “ولا تنافي بين هذه الألفاظ لأنها جميعها تشير إلى حقيقة واحدة, أسماء صفات ,لتلك الحقيقة التي لها حيثيات مختلفة ومهام متعددة ,بحيث استحقت كل خصوصية اسما خاصا ينسجم مع تلك المهمة .أسماء يشير كل منها إلى هذه الحقيقة النورانية المتعددة الوجوه. فالمستنبط مما تقدم وجود سبقي زماني للحقيقة المحمدية. ومراتبها النور الأولي ,كالقلم الأعلى,وكالعقل الأول قبل كل شئ ,فالعالين إن شاء الله والله أعلم هم نبوة سيدنا محمد ,ومراتب ظهورها, ما علمنا منها وما لم نعلم “ما عرفني حقيقة غير ربي” خصوصا وكلمة العالين كتبت بالالف الثابتة ,ولو كانت في حق الملائكة, لكتبت محذوفة لترمز إلى اختلاف وضائفهم, ومقاماتهم.ولو افترضنا أن هناك عالين من الملائكة لم يؤمروا بالسجود لقادنا هذا الافتراض ,إلى القول بوجود أعلى من النور المحمدي الإلهي, وخارجة عن نفود تدبيره ,وعن قيادته للكون الإلهي, وهذا محال لأنه من مقتضى الأحدية التي لا تقبل السوى ,ولو كان هناك عالين من الملائكة لكانوا على معرفة بحقيقة مولانا رسول الله وهم القائلون ﴿َلوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْراً مِّنْ الْأَوَّلِينَ َلكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾فبقي مجهولا عند العوالم كلها فلم يدركوا حقيقته ولم يحيطوا بكنهه ﴿وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً﴾” ما عرفني حقيقة غير ربي” .والملائكة مقامهم معلوم محدود ﴿ومَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ﴾,وإن كان هناك علو فهو علو مقيد ب﴿ وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى﴾.قال تعالى ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾والعالمين ما دون الله, ومن هو رحمة للعالمين يقتضي أنه أفضل العالمين ,وأعظم العالمين ,وأعلى العالمين ,فالعالين هم نبوة سيدنا محمد ومراتب ظهورها( والله اعلم). فهو من مقتضيين ومقامه” من رآني فقد رأى الحق ” واصطحب بالإسمين الاعلى والعلي فلا يمكن أن يكون أعلى منه .فهو سماء الجميع .الكل تحت نعليه الشريفتين ,ألم يكن جبريل ,وما أدراك ما جبريل ,رئيس الملائكة, وأمين الوحي في الاسراء ,خادما من خدامه ,وسادن أعتابه ,وهو القائل “لوزدت شبرا لاحترقت “.فجبريل, وإسرافيل, ومكائيل, وعزرائيل, ليسوا عالين هم من المقربين وكفى.﴿ لن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ﴾لذا عندما سأل الحق تعالى إبليس ﴿ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ﴾رد عن السؤال الأول بقوله ﴿ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾ فعبر عن تكبره . أما السؤال الثاني ﴿أم كنت من العالين ﴾ فبقي بلا جواب. فسيدنا محمد هو المقصود حقيقة بقوله تعالى ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾وآدم هو الموجود صورة .فحقيقة الخليفة مطلقة وهي نبوة سيدنا محمد ,فكان على الأرواح شاهدا﴿ إِنَّاأَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ﴾,وعلي الأشباح شهيدا ﴿ لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ﴾وصورته الآدمية قيدت بالأرض, وبالزمان ﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ .ووردت كلمة خليفة نكرة ومؤنثة لتكون رَحِمًا تضع حملها أنبياء ,ورسلا,وأولياء تُرْضِعهم من ثدييها ألبان المعرفة ولِـبَاء التوحيد. والخليفة هو المتولي الأمور القائم بشؤون من استخلفه, ولابد أن يكون فيه من نعوت من استخلفه من جهة العطاء,والمنع ,والرحمة ,والهداية…أي أن يكون متحليا بأسماء وصفات الحق, فيكون حقا من جهة ,وعبدا من جهة, فلولا ذلك ما سجدت الملائكة لآدم, فمن رأى الخليفة فكأنما رأى الله ” من رأني فقد رأى الحق ” فمعرفة الخليفة حق في الدنيا ,وحقيقة في الاخرة ” آدم ومن دونه تحت لوائي ” أنا سيد ولد آدم ولا فخر ” فمن عرف الاسماء والصفات الإلهية ومقتضياتها استحق بذلك أن ينال الخلافة الكونية والظهور على جميع البرية وأن يسمى غوثا,وختما,وأن تكون قدمه على رقبة كل ولي .و بنو آدم الذين وضعوا على القالب هم كذلك خُلاف ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ ﴾ أي خلائف القالب الأحمدي,والشكل المحمدي ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾أي العمران ,والسعي وراء الاسباب. قال تعالى ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ﴾فالقوالب الاخرى كلها خلقت قبل آدم للاستئناس بها ,ولو لم يخلق له ما في الارض جميعا لما صحت له الخلافة قال تعالى﴿ إنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ ظهر في آدم صورة القالب وفي عيسى سر القالب ,والقالب من مقتضى 99 .أما لما ظهر القالب الاصلي فالانبياء الذين كانوا أئمة صاروا مأمومين, لأن الإمامة الحقيقية هي لمن هو من مقتضيين, وتمم التوحيد وضوعف الآجر لأمته,بعشر أو بسبعمائة ضعف إلى ما لانهاية, فقوله تعالى ﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ ﴿قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ﴾﴿وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾وقوله ” أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر ” صفات اختص بها سيدنا محمد دون من سواه ,الأمر الذي يدل على أن هذه الأولية مزية خاصة كما ارتبطت بالرتبة,ترتبط بالزمان ,وتكشف عن افضليته المطلقة على باقي الانبياء,والمرسلين,وإنهم يستمدون من وساطته في الإفاضة عليهم,والتلقي من برزخيته وكذلك كل من تأخر من الاولياء وعلى كافة الناس اجمعين.
أما العناصر الأربعة فالتراب ورد في قوله تعالى ﴿ هو الذي خلقكم من تراب﴾ ثم الماء ﴿ وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين﴾ ثم الهواء و﴿ لقد خلقنا الانسان من صلصال من حمإ مسنون ﴾وأخيرا النار ﴿ خلق الانسان من صلصال كالفخار ﴾.والله اعلم.
.وصل اللهم على سيدنا محمد النور الأولي, والعبد الأزلي والخليفة الكلي ,وعرفني اللهم برتبه العظيمة ,وحضراته المنيرة يا الله، يا معطي ،يـا منعم ،يامتفضل، يا لطيف.
محمد بن مبارك
رمضان 1433الموافق لغشت 201ً2

139 : عدد الزوار