التصوف وما ادراك ما التصوف

التصوف وما ادراك ما التصوف
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد الانبياء والمرسلين
قال ابو القاسم القشيري رحمه الله تعالى تسمى الأفاضل الذين رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصحابة ومن بعدهم بالتابعين،ومن بعدهم بتابعي التابعين، ووقفت التسمية وبعد ذلك قيل للفضلاء من أهل الدين،الزهاد والعباد،ثم ظهرت    طائفة سموا بالصوفية بعد تمام المئتين من الهجرة.
ان التعريفات للتصوف كثيرة ومتعددة ،فصاحب الحلية يوصلها الى ثمانمائة تعريف ،فكلما ترجم لصحابي أوتابعي الا ويذكر معها  تعريفا للتصوف . وكذلك فعل البادسي صاحب (المقصد الشريف في التعريف بأولياء الريف)              اما محتسب الصوفية الشيخ زروق فقد أوصل هذه التعريفات الى ألفين يقول “…قد حد التصوف ورسم بوجوه حول ألفين ترجع كلها لصدق التوجه الى الله …”  وهذا الاختلاف في الحقيقة يدل على بعد إدراك حقيقة التصوف وكثرة الأسماء تدل على فضل المسمى .
ويقول ابن ليون التجيبي الاندلسي ( ت سنة 750) إن أول من تكلم في علوم التصوف علي بن ابي طالب،وبعده أصبح التصوف مجرد سلوك إسلامي”،
ويجمع معظم الباحثين والمؤرخين القدماء والمعاصرين على أن التصوف ظهر في القرن الثاني الهجري وهو وليد حركة الزهد والنسك في الإسلام التي كان عليها الصحابة والتابعون رضوان الله عليهم.‏
ويوضح ذلك ابن خلدون عند كلامه على نشوء علم التصوف قائلاً: (وكان ذلك عاماً في الصحابة والسلف فلما فشى الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية والمتصوفة) ويعد القرن الثالث الهجري مرحلة هامة بلغ فيها التصوف النضج والكمال،وأصبحت له قواعد معروفة. كما شكل الفقهاء وأصحاب الحديث علم الحديث والمذاهب الفقهية المشهورة.‏
الى أن جاء القرن الرابع حيث أصبح علما مستقلا وألف السراج الطوسي المتوفي سنة 378 هــ كتابه اللمع وهو أول كتاب يصنف لهذا العلم.

قال معروف الكرخي: التصوف الأخذ بالحقائق واليأس مما في أيدي الخلائق

و عرَّف سحنون التصوف بما يلي حين سُئل عنه فقال:  التصوف هو أن لا تملك شيئاً ولا يملك شيء

وعرّف ابو الحسن الشاذلي التصوف فقال:التصوف تدريب النفس على العبودية وردها لأحكام الربوبية .
وقال اخر التصوف علم يعلمك الاقبال والادبار(الاقبال على الله والادبار عما سواه)

وقد أصاب محتسب الصوفية حين قال: فللعامي تصوف حوتـه كتب المحاسبي و مـن نحا نحوه وللفقيه تصوف رامـه ابن الحاج في مدخله، وللمحدث تصوف حام حـوله ابن العربي  المعافري في سراجه(سراج المريدين)،وللعابد تصوف دار عليه الغزالي في منهاجه، وللمتربض تصـوف نبه عليه القشيري في رسالته، وللناسك تصـوف حـواه القوت والإحياء،وللحكيم تصوف أدخله الحاتمي في كتبـه، وللمنطقي تصـوف نحا إليه ابـن سبعين في تأليفه، وللطبائعي تصوف جاء به البوني في أسراره، وللأصولي تصـوف قام الشاذلي بتحقيقه، فليعتبر كل بأصله مـن محله انتهى (قواعد التصوف) .                                        تعددت الطرق والغاية واحدة. والطرائق على عدد انفاس الخلائق.
ولضعف همة السالكين تحول التصوف من سلوك شخصي الى تنظيمات أصبحت تدعى الطرق الصوفية ووحدوا صفوفهم وراء شيخ واحد واذكارواحدة وتربية واحدة : مدارس تربوية اخلاقية. ومن هنا ظهر المدعون والمتمشيخون والمتطفلون على المقامات وكثر مدعو القطبانية والغوتية ،واطلق نعت العارف بالله على كل من اطال لحيته وعلق في العنق سبحته وخرج بطريقة له، يوصل الى الله ،وهو لم يصل الى معرفة نفسه.
  
فالتصوف او علم الحقائق هو الوصول الى معرفة الله واسمائه وصفاته ومعرفة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .المهم الوصول،ولاوصول لمن ليس معه محصول . التصوف يوصلك الى الباب ويقول لك : ها أنت وربك.
التصوف يعبر عن البعد الباطني للإسلام و إنه ليس مجرد حركات يقوم بها المسلم 5 مرات في اليوم ،وصوم، وزكاة ،وطواف وسعي إنه سبيل الى معرفة الله. فهو نصيبك من الدنيا ” ولاتنسى نصيبك من الدنيا”.ولا يهمك من ينكر عن التصوف ويرميه بكل النعوت الغير لائقة فلا يضر السحاب نبح الكلاب وظلال الاشجار في الانهار لا تعوق السفن من التسيار.
وللأسف همة السالكين ضعفت
واعلم ان طريق القوم دارسة == وحال من يدعيها اليوم كما ترى
ان موضوع التصوف هو من اشد المواضيع واكثرها تعقيدا واثارة للجدل
وهناك جماعة من الدخلاء على التصوف نسبوا أنفسهم إليه شوهوه بما أدخلوا عليه من بدع ضالة وأفعال منكرة تحرمها الشريعة الإسلامية ….فلم يعد التصوف عملية لتطهير القلب والتخلي عن الرذائل والتحلي بالفضائل بل صار سهرات أنس لتسلية النفوس.
أما الخيام فإنها كخيامهم == وأرى نساء الحي غير نسائها.
فكل شخص ادعى التصوف ومال عن السنة النبوية (ولو في لبس نعله) فهو مبتدع ومبتعد عن طريق التصوف الذي هو مقام الإحسان وعلم السلوك إلى حضرة ملك الملوك. فهذا الشخص مبتدع ومسؤول عن نفسه جاهل ،ضال، يجب أن يوزن بميزاه الشخصي لابميزان التصوف وكذا إن كان بطريقة صوفية ما،بدع فلا انتماء لها الى التصوف
وقد انشد بعض الصوفية أبياتا يقول:
ليس التصوف لبس الصوف ترقعه == ولابكاؤك ان غنى المغنونا
ولاصياح ولا رقص ولا طرب==ولا تغاش كأن قد صرت مجنونا
و إن ترى خاشعا لله مكتئبا == على ذنوبك طول الدهر محزونا
لذا ينبغي التفريق بين التصوف والصوفي، فليس الصوفي المنحرف (وأذكر كلمة صوفي هنا تجاوزا فقط وإلا فالصوفي لا يمكن أن يكون منحرفا) ممثلا للتصوف كما أن المسلم بانحرافه لا يمثل الإسلام ومما يؤسف كذلك أن بعض أدعياء العلم من تلبيس إبليس عليهم تهجموا على التصوف ولم يميزوا بين أصحاب البدع المنحرفين(المتشبهين بالصوفية) وبين الذاكرين السالكين المتبعين لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحاب الحقيقة القلبية. ولانجد شيخا  احل حراما او حرم حلالا.

وحُكي عن ابو يزيد البسطامي  أنه وُصفَ له رجل بالولاية فأتى إلى زيارته وقعد ينتظره، فخرج الرجل من داره وتنخَّم في اتجاه القبلة فرجع أبو يزيد ولم يجتمع به، وقال :هذا رجل غير مأمون على أدب من آداب الشريعة فكيف يؤمن على أسرار الله .
وأختم بقول الجنيد رحمه الله: الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا من اقتفى أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم واتبع سنته ولزم طريقته.

وصلى الله تعالى على سيدنا ومولانا محمد وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

ابن المبارك

1٬187 : عدد الزوار