الدّيوانَّة في وقت ثبوت الفتح للذات المحمدية

الدّيوانَّة في وقت ثبوت الفتح للذات المحمدية المؤلّف: الشيخ الأكبر أبي الفيض محمد بن عبد الكبير الكتاني يتضمّن هذا الكتاب الرسائل التالية،إلى جانب (الدّيوانة): _ الكشف والتبيان عمّا خَفي عن الأعيان من سرّ آية (ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان). _ رسالة في أبُوّته صلى الله عليه وسلم للمؤمنين وأن كل نبيّ أب لأمّته. _ السانحات الأحمدية والنّفثات الرّوعيّة في مولد خير البرية صلى الله عليه وسلم.
==أورد الشيخ محمد الكتاني مصطلحي “الديوان” و”الديوانية” في بعض مؤلفاته،مثل كتابه (الأمالي في علم الأمهات). بالنسبة لمصطلح “الديوان” يقول: [ للقطب علامات،منها: أنه إذا نُصبت له صنعة القطبانية،وصارت جنود السماوات والأرض تدخُل عليه لتُبايعه على حسب ما يعلمه أهل الفتوح الكونية،فإنه بمجرد ما يدخُل الداخل عليه يُفتح عليه بعلم لم يكن عليه قبل..]،[وغاية محافظة القطب على ملازمة الحجاب الذي يعلم أن الحق وراءه،فيكون كالحاجب في العالَم يُنفّذ أوامره،فليس له دون الله إلا صفة الخطاب لأنه “صاحب الديوان الإلهي” لا صاحب الشهود،فلا يكون إلا من وراء حجاب إلى أن يموت..]،[ومن هاهنا كان لا تصرّف له في الأفراد،ولا يخرج لهم مدد على يديه،لأنهم أعلى في العلم به.]. أما مصطلح “الديوانة” فيقول: [فاعلم أنا قدمنا أن القطب هو بالنسبة لهذه المرتبة (رتبة الختم الأكبر) ككاتب “الديوانة”،فهو من وراء حجاب،بخلاف الختم فيُكشَف له عن الذات باعتبار صرافة الصّرافة من الذات بالذات للذات،فينمحق تحت سُرادقات كبريائها]. ويقول في كتابه (السانحات الأحمدية): [وقد ثبت في “ديوانة” الأزل أنه: [لا بد من التعريف والمُعرِّف والمُعرَّف].
رسالة (الدّيوانة في وقت ثُبوت الفتح للذات المحمدية) ==أما بعد: فيقول محمد بن عبد الكبير الكتاني نَسباً وطريقة،الأحمدي الإبراهيمي الصديقي الإدريسي الكتاني: إنه وقع بينه وبين بعض الخِلاّن،ممّن له المشرب الصافي في هذا الشأن،نزاع في وقت ثبوت الفتح لذاته صلى الله عليه،وزوال الحجاب بينها وبين الروح،هل من أول قِدم؟ أم بعد كمال الأربعين. فوقع لي إذن باطني في أن أسطّر ما به أخبر الراوي وهو “النون العرشي”،فقدمت بين يدي نَجواي مقدمة،وبعدها نشرع في المقصود،وسمّيته “الديوانة”.
==(حقيقة الرسول الإنسانية): سبحان من لم يجعل الدليل على نبيّه إلا من حيث الدليل عليه،ولم يعرف به إلا من أراد أن يعرفه به (من عرف نفسه عرف ربه)،ليست النفس غيره،إذ هي وجه الله المتلُوّ في (فأينما تولوا فثم وجه الله). قول الكتاني في كتابه (البحر المسجور في شرح الصلاة الأنموذجية): لأنه (أي: باطن الرسول الأحمدي) البرزخ بين بحر الحَقيّة وبَرّ الخَلقيّة،فلا يقدر أحد على التلقّي من الجناب الحقّي إلا بواسطته،وله الهيمنة على سائر الحضرات لأنه النسخة الذاتية،وما كانت نُسخة إلا لتَخلّقها بجميع المدلولات. اهـ].. وله ظهور وبُطون: فالأول: وجهه الظاهر الوحداني. والثاني: باطنه الفرداني المُعبّر عنه ب”النفس” في الحديث الصحيح المُصحّح. فمن عرف نفس حقيقته الإنسانية المحمدية حق يقين وأميطت عن سماء عقله سُحُب التقليد والتخمين،فقد عرف ربّه،كل على قدر القابلية المبسوط شُعاعها من أم الكتاب،الموصول بها شمس الإحاطة،الموسومة بسرّ الكتاب. وعن هذا السرّ أعرب التنزيل: (واذكُر ربك في نفسك) ضمّن “اذكُر” معنى “إشهَد”،أي: إشْهَد ربك،الذي هو مَجلى باطن سرّ أحمديتك،في نفسك التي هي محمديّتك أنت. أو تقول: إشهد مرآة ربّك،التي هي باطن أحمديّتك،في نفس وحدانية هُويّتك.
==(لي وقت لا يسعني فيه غير ربّي): المراد به: جنس الوقت،وهوكذلك،فكأنه يقول: قد تَجمّعت ظاهراً وباطناً في جميع أجناس الأوقات،لا يَسعني فيه غير ربي.والقوة شاهدة لذلك،فإنه باطناً دائم العكوف في محراب جمع الجمع العَيني الأحدي الصّرفي،لاإنسدال ولا غيبوبة. وجميع الأوقات أوقات خاصة،وقوته تحميه من سائر الطوارق. وما كان يتظاهر به من: إنصباب العرق عند نزول الوحي،وقوله (زملوني زملوني)،وربطه الحجر على بطنه من شدّة الجوع،وقوله (لا أدري حتى أسأل جبريل)،وسؤاله الدعاء من الخلق،وقوله لسيدنا عمر (أشركني من دعائك يا أخي).. وغير ذلك مما وقع منه مُدّة وجود هَيكله ظاهراً،إنما ذلك مما كان له من أنه كامل الروحية،كامل البشرية والمَلكية،فكانيُعطي البشرية حقّها من جميع ما تقتضيه..
==(ظهور الحقيقة الأحمدية):إعلم أن دوائر هذا الوجود كانت مكنوزة في طيّ الأزل،ومكنونة في اللوح الأول ــ وهو “لوح القضاء” السابق على “المحو والإثبات”،ويسمى أيضاً “لوح العقل الأول” ــ،وذلك لعدم مقتضيات الإسم”الواحد” وغَلبة مقتضى الإسم “الأحد” وهو لا يقتضي شيئاً زائداً عليه بحسب الظهور العيني لا الحُكمي. [الإسم “الواحد”: هو إسم الذات،وفيه تَظهر الأسماء والصفات مع مؤثراتها. والإسم “الأحد”: هو إسم الذات،ولا تظهر فيها شيء من الأسماء والصفات].
فلما أراد “الأنموذُج” أن يُعرف،أبرز القبضة الأحمدية منه إليه فيه. فظهورها منه هو المُعبّر عنه ب”الواحدية”،وهو ظهور إجمالي،وهوالتنزّل الثالث: من العَمى إلى الأحدية،ومنها إلى الواحدية. يقول الشيخ الكتاني في كتابه (الرقائق الغزلية): المُراد ب”الأنموذج” بحسب اللغة: هو صورة الشيء التي تنطبع فيه الأشياء. وكذلك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كل ما في الوجود من أشتات الكمالات المُتفرّقة،فقدإنطبعت فيه صلى الله عليه وسلم،ولا تكمُل له أفضليته على جميع الجواهر الإنسانية إلا بعد أن ينطبع فيه جميع ما فيهم،أعني: كالأنبياء والرسل والملائكة،وزاد عليهم بما هو مذكور في باطن القرآن المجيد بما يُصرّح به وما لا. والمُراد: أن صورته صلى الله عليه وسلم على صورة أنموذج الكمالات الإلهية التي هي مقتضيات الأسماء والصفات..]. فلما أراد التفصيل التفصيلي،بَسط شعاع القبضة الأحدية الحَقيّة فنَقش تلك الأشعّة في المَرائي المعدومة فأبرزت تفصيلاً. ويُعبّر عن هذه الحضرة ب”الألوهية”. وأول ما ظهر من الثالثة هو: “هيولى الإجمال والتفصيل”،والهَباء،والهيولى،والأرواح المجردة والمُهيّمة،وسائر البسائط والمركبات على التدريج بحسب الظهور. وهناك إنشقّت أسرار القبضة وإنفلقت في غيرها أنوار الكثرة منها،فلولا الوحدة التي هي عبارة عن القبضة ما ظَهر مكنون بُطون الكنزية،ولبَقيت شعشعانية “العَما” مُطلسمة مكنونة ظاهرة بذاتها لذاتها. فلما أراد إظهار صُبح حُسنها من دوائب دَياجي ليلها،أظهرت مقتضى “الواحدية”،فكانت ظهوراً إجمالياً تفصيلياً بالنسبة لما قبلها في الجملة،وهو محلّ (فأحببت) فافهم.. فكان بهذا المعنى “مُتّحداً” لظهور الكل وإخراج الكل من الكل بواسطة الكل،الأول الثاني،الرّاقِم مَباني التقييد في لوح المعاني، والمُظهر رقائق السبع المثاني في بساط بُلوج دوائر الحِسان الغواني،وهي المُعبّر عنه ب”الرحمانية”. ومن تلك المَهامه،وهو مُقيم في مُقابلة “الأحدية”،مُنبسط شُعاعها عليها (نور على نور). [“الحضرة” أو “الرُّتبة”،حسب تعبير المؤلف نفسه في مواضيع أخرى من مؤلفاته،تنقسم إلى خمسة مراتب،وهي: الأولى: مرتبة “العَما”. الثانية: مرتبة “أحدية أصل الجمع”،وفيها كانت الأرواح الجزئية مُنطوية. الثالثة: مرتبة “الألوهية”،وهي أول مراتب الظهور. الرابعة: مرتبة “الرحمانية”،وفيها وقع الإنتشار الكُلّي بنَعت (ورحمتي وسعت كل شيء). ولا شك أن الأرواح في هذه المراتب الثلاثة (الواحدية والألوهية والرحمانية) إنما كانت مُتّصفة بالإتّصال الكُلّي الذاتي حُكماً وعيناً. ويقول الكتاني: ولا غرو أن للحق من الحضرات ما لا تدخُل تحت حصر،أعني: باعتبار البطون وبُطون البطون وهلم جراً،والظهور وظهور الظهور وهلم جراً.اهـ.. وقد وقف الكتاني في كتابه (لسان الحجة البرهانية)على أربعين رُتبة من مراتب الموجودات ومناهل أوليات الأوليات..].
==(برزخية الحقيقة الأحمدية): فصارت هي الواسطة بين المُمِدّ،حقيقة بالأصالة،والإستبداد والمُمَدّ. لا يقدر أحد،كائناً من كان،على مُكافحة تلك الحضرات ولا الأخذ عنها مع مقاسات تلك الصدمات مباشرة إلا هو. ف”منه تخرُج الإمدادات،وعلى يديه تنبعث أشعة التقييدات والإطلاقات”. برزخ البحرين: الإمكان والوجوب،التحقّق والتخلّق،والحقية والخلقية. ومجمع الذاتين،وواحد أحدية ذات البَيْن والعين. [يقول الكتاني في كتابه (الطلاسم): لا يَصل شيء من الحضرة الإلهية إلا منه وعلى يَديه،كائناً من كان ذلك الواصل إليه المَدد،سواء كان نبياً أو رسولاً أو مَلكاً،فالكل تحت حيطته وما خرج عن الدائرة أحد.. اهـ.]. هذه الحقيقة الأحمدية تتطوّر وتتقلّب في كل وقت وحين على لون الماء،في نار الطور وفي السؤال والجواب،وفي نار الخليل،وفي بحر ظلمات بحر يونس،وفي كل شيء شيء هي عنوان صورة مادة حقيقته.. إلى أن آن وقت البُروز لعالَم الظهور وإدراج الحقيقة في الحقيقة،راج ريح القدرة بين والديه حتى تزوّجا.
==(إصطحاب الذاتين: الأحمدية والمحمدية): والحال أنه: لما كان مُلتحفاً بوحدات الذات،مُستوياً بقِدَم الأحدية على عرش الصفات،كانالحُكم لأحمديته المُقابلة لأحدية الأنموذج. فكما أن الأنموذج له إسم لا يقتضي الظهور أصلاً،كذلك الناموس له إسم لا يقتضي الظهور. وكما أن له إسماً يقتضي الظهور،كذلك له إسم يقتضيه. لكن هذا الإسم كان في طَيّ حُلَل الأحمدية مُنطوياً ومُنغمراً،بحيث إنما كان الحُكم لأحمديته فكانت هي الظهور،والمحمدية بحكم البطون.. ويُرشدك لهذا قوله: (فكوني محمداً)،وإنما لم يقل (كوني أحمداً) لأن المُراد الظهور،وهو لا يقتضيه. وهاهنا سرّ بديع فيه أيضاً،وهو أنه: لما قبض قبضة من نوره ــ وهي “الحقيقة الأحمدية” ــ قال لها: (كوني) أي: أيتها الحقيقة المُلتحفة بإزار العظموت والجبروت (كوني) أي: إلتَحفي بحقيقة الحقائق التي هي “الحقيقة المحمدية”. ولا شك أنها لا تَكُنْها إلا ب”الإصطحاب” المُعبّر عنه في هذا البساط..
==(نزول القرآن التفصيلي على الحقيقة الأحمدية): تقرّر عندنا أن الأحمدية لما كانت في دياج الصحاري،ألقِيَ عليها جميع الشؤون الإلهية،ومن جملة ذلك “القرآن التفصيلي”،يقول جل ذكره (وإنك لتُلقى القرآن من لدن حكيم عليم). والمُراد بالقرآن التفصيلي: اللفظ المُنزّل عليه،فكانثابتاً في حُلَل أحمديته. يقول تعالى (واتّبعوا النور الذي نُزّل معه) وهو القرآن التفصيلي،المتلُوّ عليه في محراب إلتقاء الشمسين. والمرادب”النّزول”: أنه لا زال مُصاحباً له بعد البُروز لعالَم الشهادة.
==(زوال الحجاب بين ذاته صلى الله عليه وسلم وروحه): ومن حين خَرج،لم يَبق بين روحانيته وجسمانيته حَرج،معثُبوت النبوءة له وكُمون الرسالة في حقيقته،إلى أن يأتي وقت الظهور بها.. فصار ما في الذات في الروح،وما في الروح في الذات،لاتدريجاً،بل قدماً قدماً. جميع الحُلل التي تُفرغ على الأحمدية تفرغ على المحمدية،بدون فاصل ولا زيادة،وإلا لزم عليه كون الذات غافلة جاهلة عما لم تتوجّه إليه. _ وقد ردّ الشيخ الكتاني على من ينفي الإصطحاب بين ذاته صلى الله عليه وسلم وروحه،ومن بينهم الشيخ عبد العزيز الدباغ الذي يقول: [الروح عالمة بالأشياء،مُطّلعةعليها،سواء توجّهت إليها أم لا،بخلاف الذات فإنها لا تُدرك إلا ما توجّهت إليه] ورتّب عليه سرّ سَهوه صلى الله عليه وسلم. فمن يقول: إن الذات لا تطلع على شيء إلا توجّهت له،بخلاف الروح. فهو لازم بأن يقول: في وقت عدم توجهها لإدراك ما ذكر من العلوم والمعارف والرّقائق،هي غافلة عنه وجاهلة به قطعاً. ونحن نقول: لا،بلجميع ما تَطّلع عليه الذات تطّلع عليه الروح بدون فرق،والترقّيات بينهما واحدة،تختلف باختلاف المقامات. فالذات تُملي على الروح والروح تُملي على الذات،للإزدواج الحاصل لهما من أول قدم،وذلك لأن نهاية جميع الرسل ذاتاً وروحاً هي بداية روحانيته وجسمانيته ظهوراً بلسان الفرق.. ولا نقول كما قال بعض النظار (عبد الكريم الجيلي): [إن نهاية أرواح الأنبياء هي ما بَلغ إليه جسمه الشريف،والروح من وراء ذلك]. لا،بل نهاية أرواحهم وذواتهم هي بداية له.. _ وقد أورد الشيخ الكتاني “مَسالك” تُوضّح إصطحاب روحانيته صلى الله عليه وسلم بجسمانيته: 1_ (المسلك الأول): من القرآن الكريم،من خلال الآية: (أحلّ لكم ليلية الصيام الرّفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن)،مُفسراً الآية تفسيراً إشارياً عرفانياً.. بيان الإصطحاب بين إسميه صلى الله عليه وسلم (أحمد ومحمد) من خلال الآيتين: (ومُبشراً برسول يأتي من بعدي إسمه أحمد)،(هل أتى على الإنسان حين من الدّهر لم يكن شيئاً مذكوراً)..
2_ (المسلك الثاني): أورد أدلّة معرفة الحقيقة الأحمدية (النبوة والرسالة): الدليل الأول: (سَقي الأنبياء والرسل من الحقيقة الأحمدية): سبب غبطة الأنبياء والرسل الكَوْن من هذه الأمة،هو أنهم فاتَهُم السّقْي من هَيكله ومَحتدّه في آن ووَقت ومَشهد واحد،فتَمنّوا الكون من هذه الأمة ليَقع لهم ذلك ببشريّتهم وروحانيتهم في الحياة المُتعارفة،لكنهم هُم أول من سُقوا منها لمّا بدَت لهذا العالَم وَحدها وهي مدّة الأربعين. يقول الشيخ محمد بن عبد الكبير الكتاني: [فروحانيته صلى الله عليه وسلم وروحانية كل نبي ورسول موجودة،فكانت الأمداد تأتي إليهم من تلك الروح الطاهرة بما يَظهرون به من الشرائع والعلوم في زمان وجودهم رسلاً وتَشريعهم الشرائع]..
الدليل الثاني: (ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان): إن هذا النّفي مُنصَبّ على الكينونة الماضَوية،وهي عبارة عن حال عَدمه،إذ له بداية. وهذا يُرشدك له قوله “كُنتَ” الدالّة على الماضي.. فكأن الحق يقول: إنك في حال عَدمك لا تدري الكتاب ولا الإيمان،واليوم أنت تدري الكتاب والإيمان،بل أنت الكتاب والإيمان،بل أنت مَبنى الفَواتح ومعناها ومكنون باطن الأمّ ومَغناها،وأنت الجامع لما بين الباء والسين (وكل شيء أحصيناه في إمام مبين)،لكن (لو نزلناه على بعض الأعجمين فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين)،كما كان قبلها بشاهد (وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم). [يرى الشيخ الكتاني في كتابه (تأليف في الروح): أن الهيكل المحمدي له روحان: روح كلية وروح جزئية. أما الروح الكُلية فلم يَقدر الهيكل الجامع على حَملها،لأنها من جانب الحق،فهيمُتّصفة بنَعت الإطلاق. وهذا مَنزع دقيق،وهوكشف صُراح.. والروح الكلية صَدرت من نفس الجوهر العَمائي حيث لا يوم اهـ. ويقول في تفسير قوله تعالى (ويسئلونك عن الروح): ليس المُراد بالروح عند الله هاهنا إلا الأرواح الكلية الهيولى القابلة لإرتسام جميع الأشكال والصور السارية في جُزئيات النّواسيت. اهـ..]. ولا يُقال: إن (ما كنت تدري) يعني: قبل نزول الوحي. لأنا نقول: “الوحي من لَوح أحمديته يَقرأ وعلى محمديته يُتلى”،وإنما أريد تشريف تلك الوسائط بمشاهدة ورؤية مُحيا ذلك الجمال،بل النبوة والرسالة كانتا حاصلتين له في تلك المدّة،أعني: قبل نزول المَلك.. [يقول الشيخ محمد بن عبد الكبير الكتاني: كل نبيّ تَقدّم على زمان ظهور الرسول صلى الله عليه وسلم فهو نائب عنه في بعثته بتلك الشريعة.. فنبوته ذاتية ودائمة،ونبوة المظاهر عَرضية مُنصرمة،إلا نبوة سيدنا محمد فإنها غير مُنصرمة،إذ حقيقته حقيقة الروح الأعظم وصورته التي أظهر فيها الحقيقة بجميع أسمائها وصفاتها،وسائر الأنبياء مظاهر ببعض الأسماء والصفات تَجلّت في كل مظهر بصفة من صفاتها وإسم من أسمائها،إلى أن تجلّت في المظهر المحمدي بذاتها وجميع صفاتها،وختم به النبوة. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم سابقاً على جميع الأنبياء من حيث الحقيقة،متأخراً عنهم من حيث الصورة..اهـ.].. ولك أن تقول: المراد ب”الكتاب”: المُجمل،أي: الوجود المطلق الحَقّي.. والمراد: ما كنت تدري الوجود الحقّي العيني الذاتي،وما كنت تدري ما الإيمان به،أي “المعرفة” على سبيل التفصيل في سائر المراتب الكُنهيّة،لقوله هو: (كلكم في ذات الله حَمقى)،ولسماعه ليلة الإسراء: (الله أكبر).. فالقرآن كان مقرؤاً وثابتاً عنده صلى الله عليه وسلم في مدّة الأربعين.
الدليل الثالث: (ثبوت النبوة والرسالة للحقيقة الأحمدية):أما “النبوة”: يقول صلى الله عليه وسلم (كنت نبياً وآدم بين الروح والجسد) حقيقة،إذ النبوءة والرسالة عبارة عن “إنبساط أشعّة الفيض الإلهي على العبد المُراد للتربية”،ولا شكّ أن هذا أمر من يوم لا يوم..
وأما “الرسالة”: يقول تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه). لا شك أن الإتيان حَصل في تلك الأعصُر الماضية لكل على حدته،بدليل (لتؤمنن به). ولا شك أنه وقع ما ذكر،فسماه “رسولاً” في تلك القرون الأولى.. إعلم أن حقيقته الأحمدية المعبّر عنها: ب”البرزخية” و”النّسخة الحَقيّة” و”حقيقة الحقائق” و”الأول الثاني” و”العقل الأول” و”الروح الأعظم” و”باطن النقطة” و”الوجود المطلق” و”عرش التجلّي”.. لها شَكل وهَيكل وصورة وتمثال في تلك المغارات وفي طَيّ هاتيك المفازات،وذلك لأن لون الماء لون إنائه. فكما أن الذات الأقدس ذات محسوسة لا تُدرك مُنفردة بالأضداد،كذلك ظاهرها الذي هو لون هُويّتها وماهيتها،ويحتمل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (خلق الله آدم على صورة الرحمن). المراد ب”آدم الأكبر”: الأول الثاني،العالم الكبير. والمراد ب”صورة الرحمن”: ما هو عليه من التفريد والتجريد،والجمع الفردي والضدّي الجمعي الفرقي. وخصوصية ذكر “الرحمن” على غيره: ما فيه من معنى الوُسْع والإطلاق والإحاطة،المُفادة من “الحاء” ومن تجويفها ومن خروجها عن شكل وضع الحروف.. فكأنه يقول: “خلق الله آدم الأكبر،المظهرالأجلى،على ما هو عليه من الحيطة والشمول وتفريد الضدّين، كالظهور في البطون وفي الظهور”..فكانت الحقيقة أولاً مُطلسمة بسُرادقات حُجب الكنزية،ومُلثّمة بنقاب بطون سرّ الهُوية،فلما أرادت التعرّف للغير أبرزت ما ذكر لما ذكر.. فمن يوم برزت النقطة الثَنويّة،وليس تَرقّيها بمقتضى الإصطحاب إلا أحدية الجمع الكُل المطلق الأصلي لها،لأنه لا إنفكاك عنه: فطَوراً تَرفُل في مظهر ثياب عظمتها،وآونة تَلتحف برداء كبرياء لُطفها ونقطة شَكلتها،وحيناً تروج في ميادين سُرادقات الأرواح، ووقتاً تتلذّذ بنعيم مَعين ماء مُدام الأقداح،وزمناً تَطير بأجنحتي القدرة في رياض مجال الجبروت مَخيطة العين بخَيط (وأنتم لباس لهنّ) في غيبوبة الرّغبوت والرّهبوت،وصباحاً قائمة الشكل في محراب جمع الجمع الجمعي سامعة بجميع جزئيات جواهرها.. وهذا شيء حاصل له من أول قَدم على ما جرى في القِدَم. وبمثل ما أجيب عن الآية (ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان)،يُجاب عن قوله تعالى (نحن نقصّ عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين). وأما في هذا العالَم فليس فيه شيء من الجهل والغفلة (وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم) أي: في كل وقت وآونة وطَور،تُلقّى أنت مجرّداً بدون واسطة بين الذاتين. وتَلقّيه هنا: إما كناية عن تلقيه ما فيه بدون سَفير،وإما كناية عن تجريد الذات.. فلما كان يأتي جبريل بالوحي،كان يَجده مكنوزاً في خزانة هُويته،فكان يُتلى عليه (ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه).
الدليل الرابع: (إحاطة الروح الأعظم بجميع مراتب عوالِم الإمكان): قال الله تعالى: (إنا أعطيناك الكوثر) فكأن الحق يقول: إنا أعطيناك الإحاطة بجميع دوائب كُرة العالَم،عُلويهاوسُفليها،باطنها وظاهرها،كثيفها ولطيفها،جملة وتفصيلاً،وعنه أفصح “الكاف”. ومع كَونك هكذا فليس فَيضك إلا من الوجود المطلق،وعنه أعرب “الواو”. ثمّ إنك وإن حَصل لك ما ذُكر،فلا تخرُج عن رقّ الحُدوثيّة والحدَثان،فليس فيك شائبة حُريّة بالنسبة لهذا المقام،لكن وإن كنت كذلك فالربّ والمربوب مُرتبطان إرتباط الألف واللاّم،وإليه الإشارة ب”الراء”.. على أن هذا أمر لا يصحّ لصاحب “فَلك القُطبية” الإتّصاف بهذا الإسم،إلا إذا كان العالم جملة وتفصيلاً في ظُفر إبهامه،ومنه وعلى يديه تخرُج الرقائق،كُلّ على قدر قابليته،حتى ما وراء الحُجب السبعين أو السبعين ألفاً. فكيف يُقال في “الآحاديين” ــ مرتبة فوق “الأفراد” وفوق “الكنوز الأربعة” الذين لم يذكرهم غيري ــ وهو مقام فوق “القطبية الكبرى”،ولا تصرّف للقطب فيهم،بل ربما يؤثّرون فيه. وقامهم في الديوان حجره صلى الله عليه وسلم أو جيبُه،فكسف بالصحابة على مراتبهم؟ فكيف بالأنبياء؟ فكيف بالرسل؟ فكيف بأولي العزم؟ فكيف بمن له الهيمنة على الكل،سَقاني الله من فيض سرّه المُقابل للكُلّ؟.. قال صلى الله عليه وسلم: (اللهم لا أحصي ثناء عليك): هو كلام خرج بلسان الفرق،بدليل الإتيان بهمزة المتكلم.. وأما باعتبار الجمعية أو جمعية الجمعية أو ما وراءها،فما ثَمّ إلا النداء من ذاته لذاته بذاته في ذاته (الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ملك يوم الدين). (أنت كما أثنيت على نفسك): إن إعتبرت التفريد وَجدت: أنت كما أثنيت على نفسك،أي: لا غيرك يقدر على ذلك للعجز منه والبدء والنهاية،وإلا دخل تحت القيد والتقييد.. وإن إعتبرتتفريد الضدّين،قُلت: أنت كما أثنيت على نفسك وهي “أنا” باعتبار (نور على نور).. “أنت أنا” باعتبار جمع جمع الجمعية،حين تكون العين مُنبسطة العين،محيطة العين بالعين طَمساً وتجريداً. وهناك يُتلى نداء (إنني أنا الله)،فيجيب ضدّاً باطن تفريد الضدين (لا إله إلا أنا). (حم عسق): حيطة الحق بالحق في الحق الذي هو طلعته،حيطة محمد بمحمد في محمد الذي هو حق حقّه بلسان ما وراء الجمعية. وبعد الجمعية ربما ترجع العين واحدة حين غيبوبة اللاّهوت في اللاّهوت (إني لست كهيئتكم). وبعد حيطة العين بالعين وقع التنزّل باعتبار،فيحصُل إستواء الرحمانية على عرش الوجود المطلق فيُعطى قوة قوته،فلا ترجع العين واحدة،بل “الأنموذج للناموس والقاموس للقابوس”. (ق)،(ن): إذا بسطت حروفه وجدت نور الوجود المطلق والوجود المطلق ونور الوجود الوُسْعي،فهناك يُنادي من تجويف “واو” الإطلاق ب”الطاء” من (طه)،فيترقّى من (أو أدنى) إلى باطن هوية الباطن المُضَمضم. فعين معرفته صلى الله عليه وسلم عين معرفة مَشهوده بنفسه،وعين معرفة مشهوده به صلى الله عليه وسلم عين معرفة شاهده بمشهوده،وعين إحاطته بعدم الإحاطة هي عين الإحاطة في عينها.
3_ (المسلك الثالث): (الإصطحاب بين ظاهره صلى الله عليه وسلم المحمدي وباطنه الأحمدي): نهاية رؤوس أولي العزم من الرسل بأرواحهم وأجسامهم إلى ما لا نهاية لهم،هي بداية هَيكله الشريف في أول قَدم.. فإذا ثبت أن باطنه الأحمدي مظهر اللاّهوت، لزم أن ظاهره المحمدي كذلك،وذلك لتبعيّة لون الإناء للون الماء،ماإرتَسم فيه ظهر فيه.. فقد إستولت سَلطنته الروحية على عرش الجسمية،فعَمّتها بحُلَلها جملة وتفصيلاً. ولذلك كان “لا يُرى له ظلّ”،وذلك لأن الروحية لا ظلّ لها. وكان “يرى من خَلفه كما يرى من أمام”،وكان “لايتثاءب”.. إلا أنها تَمثّلت بتمثال الهيكل على سبيل التشبيه مع التنزيه،لا غرابة في ذلك لمن علم عين يقين وقوع الأضداد المُتكاثرة،على أنه لا ضدّ هنا،تأمّل. وإنما كان يتظاهر بأحوال البشرية مناسبة بالإناء الحال فيه،وهو عالم الحكمة،وليَقدر على التلقّي منه،ولئلاّ يُدّعى فيه ما أدُعيَ في غيره (لكي لا يُعبد من دون الله). ومع هذا،سُتِرَ الحُسن بالحُسن. وهاهنا أسرار تُقطَع دونها الأعناق،يَدريها من حام حول تلك الأحداق.. قال سيدنا صلى الله عليه وسلم: (إني لست كهيئتكم): هيئتنا هي الصورة الإنسانية الآدمية المُركّبة من الكثائف والعناصر،وهو ليس كذلك،لأنه قال (إني لست كهيئتكم) أي: الصورة والشكل والهَيئة والقانون والهَيكل كهيئتكم،وفي المعنى: لست كأنتم،وذلك لأن “أنتم” رُكّبتم من كذا وأثّر فيكم،وأنا رُكّبت منه وغَلب على الإناء لون الماء.. وهذا خطاب عام في “الذات والصفات والأفعال”،لأنه “أحديّ الذات،واحديّ الصفات كالعالم،وحدانيّ الأفعال” (وإنك لعلى خُلق عظيم) بالإضافة.
4_ (المسلك الرابع): (الردّ على نُفاة الإصطحاب): يَلزم على عدم “الإصطحاب” المحكوم به عليه،نسبة الهيكل الشريف إلى الجهل.. ويلزمهم: كَونها كانت جاهلة به قبل وغافلة عنه قطعاً،وذلك لأنهم رتّبوا على عدم الإصطحاب: سرّ سَهوه صلى الله عليه وسلم،وهو عدم توجّه الذات إلى ما ذكر،فحصل السّهو. فنسبة الجهل لازم لهم أو الغفلة. مع أن القطب الدسوقي قال: [فَككت رموز القرآن كلها وأنا إبن كذا وكذا،في سنين قلائل،أيام الصبا]،وآخرون يقولون ما لا يفي به بنان. وقد فَككت مكنون حرف معجم في القرآن في اللوح لم يطّلع عليه أحد قبلي ولا بعدي،اللهم بحسب الإرث لي،كماخُصّصت بالتجلّي الذاتي من الذات للذات بالذات بنَعت إجمال الإجمال. وأول هذا التجلّي: الإستهلاك في سرّه الأخفى صلى الله عليه وسلم،ونهايته ما ذُكر. وكل من حَصل في هذه الشبكة عَثر على نُعوت العلم الثالث الخاص به صلى الله عليه وسلم،وقد أطلعني الله عليه ولا فخر. وكذلك تراه مَيّتاً في صورة حيّ دائماً،أزرارهم تناثرة،وهو مستهلك في نعوت الجمال المطلق المُتشكّل. وإتّحدت بهذا التجلي حتى صار لا يؤثّر في،وهذا التجلّي كان خاصاً بالصديق الأكبر،لأجل ذلك نقول: “طريقتنا هذه صديقية كتانية،وبداية أهاليها نهاية غيرهم من الأكابر” والمنّة لله. سرّ سَهوه صلى الله عليه وسلم ليس مما كان يطرُقه من الصدمات،وذلك لعدم تأثّره بها لقوّته الإحاطية الوُسْعية،وإنما ذلك مقابل قوله تعالى (وما كان ربك نَسياً) فظَهَر هو بمقتضى خلاف ما ذكر،عبودية وستراً وشريعة،وعليه فلا نسيان. (الله نور السموات والأرض) سماء الأرواح وأرض الهياكل،(مثل نوره كمشكاة) وهي الهيكل المحمدي،(فيها مصباح) وهو شُعاع الروح،(المصباح في زجاجة) وهي لَطافة باطن السرّ،(الزجاجة كأنها كوكب دُريّ) لون الماء لون إنائه،(يوقد من شجرة مباركة زيتونة) كَنّى عن الوحدة المطلقة بالشجرة باعتبار واحديّتها،أو باعتبار (هو الذي خلقكم من نفس واحدة)،أو باعتبار تعدّدها في فردانيتها ظُهوراً،(لا شرقية) فتُشرق،(ولا غربية) فتغرُب،بل بين ظهور وبُطون ووجوب وإمكان،(يكاد زيتها يُضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور)نور المحمدية على مور الأحمدية..فجميع ما أفرغ على الهيكل الأحمدي،من الرقائق والمعارف والتنزلات والمُكافحات،يُفرغ مثله على الشُعاع المحمدي الروحي،مثلاًبمثل،لا تدريجياً ولا إنفصالاً.. _ إعلم أنه صلى الله عليه وسلم نُسخة الوجود المطلق ووَحدة الوحدات الإحاطية والإنسان الحَقّي،فهو مظهر لكل شيء من الكمالات. فكما أن الأنموذج تَقدّم له البطون الذاتي،وهو حالة الكنزية،على الظهور الجليّ بشاهد (كنت كنزاً)،كذلك ناموسه تَقدّم له البطون على الظهور بمعونة (خلق الله آدم على صورته) أي: على ما هو عليه من إستحقاق جميع الرُتب الذاتية المُنبسطة منه إليه،غير الوجوب الذاتي فهو خاص بالأنموذج كما يُرشد لذلك قوله (خَلق). فلا فرق بين إطّلاع الجسمية والروحية،وذلك لإنتفاء مقتضى العنصرية فيه من أول قدم على ما جرى في القِدَم. يقول تعالى: (ووجدك عائلاً فأغنى): عياله هي عَوالِمُه: النفس والعقل والقلب والروح والسرّ،أي: وجدك أيها الحبيب المحبوب يوم قدومك على سطوح هذه البسيطة بمجموعك عائلاً بحسب التركيب الدوري بالنسبة للذات،فأغنى،أي: أغنى جسمانيتك كروحانيتك بأن أوقع الإصطحاب بينهما،فصارا يدخلان معاً من كل باب،ويُنادمان بقوارير الزوجية والإقتراب بالجمع وجمع جمعه،فصار ما في الذات في الروح وما في الروح في الذات بمقتضى خطوط إسم الذات وهو الإسم الجامع (الله). “الألف”: إشارة للأحدية المحضة المجردة،الغير القابلة غيرها سوى سَحقه ومَحقه.. “اللاّم الأولى”: إشارة لروحانية حَقانية قُدسية محمدية أحدية. “اللاّم الثانية” المُلاصقة لها: إشارة لجسمانية عنصرية نورانية،مُتمثّلة بتمثال العناصر،حقانية روحانية مُلكية. وإشارة تلاصُقها: شدّة إزدواج ما ذكر بما ذُكر،فرقاًوتفصيلاً،وعلم يقين وعين يقين. وأما تحقيقاً وتدقيقاً: فالمحمدية هي الأحمدية،هيهي،فرقاً أيضاً ظهرت بها أو جمعاً،تفصيلاً أو إجمالاً وحق يقين،لذلك كان لا يظهر لهم “ظلّ”،وإلى هذا أشير ب”الهاء” في آخر الإسم..
_ (الحروف المقطعة في أوائل السور): ومن الأدلة التي قدمها الشيخ الكتاني في مسألة (الإصطحاب بين الأحمدية والمحمدية)، الحروف المقطعة في أوائل السور: (حم)،(طه)،(الم)،(المص). وقام بشرحها شرحاً عرفانياً رقيقاً.. _ (الصلاة الأنموذجية): [اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا أحمد. الذي جعلت إسمه مُتّحداً بإسمك ونَعتك،وصورة هيكله الجسماني على صورة أنموذج حقيقة “خلق الله سيدنا آدم على صورته”،وفجّرت عُنصر موضوع مادة محموله من أنيّة “أنا الله”،بل حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده،وآله وصحبه وسلم]. وإذا أردت الإرتقاء عما ذُكر،فاتْلُ تلك الصلاة الجامعة عُلوم ما نُسب إليه من الكمالات في الفرقان وسائر الكتب الإلهية. وفي علمي أن الدّهر لم يَنْسج على منوالها ولا حَكى حُلَل جمالها،وهي تَعدل ثمانية مائة من (دلائل الاخيرات)،الواحدة منها بثمانمائة. [يقول الشيخ الكتاني في كتابه (الرقائق الغزلية): هذه الصلاة الأنموذجية الكتانية الأحمدية،التي الواحدة منها بثمانمائة من “دلائل الخيرات”،والواحدة منها بتسعمائة ألف من “صلاة الفاتح” المنسوبة للبكريين،وهي عندهم بستمائة ألف صلاة من غيرها.. اهـ]. وليس المراد بهذا إلا شُفوف طريقتنا وعُلوها على سائر الطُرق،ومن جملة تفضيلها: هذا “التّضعيف في الأعمال”،فإن آخر الأمة أخبر عنه صلى الله عليه وسلم بقوله (كل يوم تُرذَلون)،وتكاثَرت القواطع القاطعة عن الله،ولا فراغ للناس للتوجه إلى الله،فأبرزها الحق تعالى لتقوم عبادة كذا وكذا من السنين،لأجل ذلك إدّخرها صلى الله عليه وسلم لنا ولم يُبرزها للصحابة لإستغنائهم بقوتهم المُقتبسة من مشكاة باطنه صلى الله عليه وسلم،وأيضاً كان المقصود من العالم وفائدة الكون معهم فلم يحتاجوا لها في الجملة.
_ “الفرد المحمدي” يقع له إصطحاب،وراثة أحمدية محمدية،لكن بعد بلوغ الأشُدّ وهو “مقام التسويّة” التي يكون فيها قابلاً للنّفخ المشار له بقوله (فإذا سوّيته ونفخت فيه من روحي). و”التّسوية” هنا: عبارة عن إمداده بالقابلية المُستحقّ بها إجلاسُه على بُسُط “الخلافة الظاهرية والباطنية”.. وأما “النّفخ”: فعبارة عن نفخ الروح الأعظم فيه من قُوّته الوُسْعيّةالإحاطية،القادر بها على الجهتين التي من مُقتضاها الخلافة،وعند ذلك (فقعوا له ساجدين)..
_ (هَل الفضل للروح على الشّبَح أو العكس؟): أما في حقّه صلى الله عليه وسلم،فإن قُلت: “الإصطحاب عَيْني”،فلا تتصوّر المُفاضلة لأنها إنما تُعقل بين إثنين. وإن قُلت: “الإصطحاب حُكمي”،فلا مفاضلة لأن المُفيض والمُفاض عليه مستويان ــ هنا ــ في الإطّلاع والفيض،اللهم إلا أن يكون من جهة الظهور وعَدمه،فلولا الروح ما ظهر الجسد ولولا الجسد ما ظهر مقتضى الروح المخلوقة له. والكلام كله في هذا العالَم،وأما في غيره فلا بد من المفاضلة،إذ لولا الروح ما قام الجسد ولولا كثافة الجسد ما ظهرت لطافة الروح..
==(البقاء والفناء): إعلم أنه على قدر الفناء في محمديته،على قدر البقاء بأحمديته. وعلى قدر الفناء فيها،على قدر الفناء في بعض غُيوبها. وعلى قدر البقاء بما ذُكر،يكون البقاء بالله. والفرد الكامل إرتقت همّة هامَته إلى الفناء في تلك المراتب الباطنية التي أشرت لها ب”الصلاة الديجورية”: [اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد،سرّ سرّ نقطة هوية محيط الجمال،وباطن شَكلة باء غيهوبيّة سُرادقات الجلال،وسلّم عليه بلاهوتيّة باطن سرّه الحَقّاني،وعلى آله بمُحيطات قوس حضرات التّداني،وصحبه وسلم]. فتأمّل أيها الأديب ما تحت هذا اللغز،وفُكّ مُعمّى هذا الرمز. والمقام الذي يحصُل للفرد المحمدي فيه رفع الحجاب بالكُلية ويتحقّق بمعية المعية فيه صلى الله عليه وسلم،يُسمى عندي ب”قاب قوسين أو أدنى”،كما يقع في جانب الربوبية،وهناك يسمع (فأوحى إلى عبده ما أوحى).
==(مقامات الحبّ): ولعلّ هذا المقام لم يذكره أحد من الأفراد،وهذا الحدّ الذي يَصل إليه فيه معه هو غاية “مقامات المحبّة”،وذلك لأن أوّلها: “سَماع”،ثمّ “الهَوى”،ثم “الوُجد”،ثم “الشّوق”،ثم “إشتياق وصَبابة”،ثم “الحُبّ”،ثم خالِصُه وأرَقُه وهو “الوُدّ”،ثم إن لازَم ف”غرام”،ثم إن تَبعه حُزن ف”وجد”،ثم إن إشتدّ ف”كآبة وتفجّع”،ثم إن تَبعه هَمّ وحُزن ف”شَجْو”،ثم إن تبعه هَمّ ف”بلبال”،ثم “تبتّل” وهوسُقم الهَوى،ثم “كَلف”،ثم “شغف”،ثم “شعف” وقُرئ به قوله (قد شغفها حُباً) وفي معناه: اللّوعة واللاّعج،ثم “الجوى”. ثمّ تنفعل مقتضيات المراتب فيه: فطَوراً تَعلوه غَيْبة،وآونة ينقدح له السُّكر،وحيناً يُفقده فناء. ثم “هُيام”،ثم مرتبة “الإستغراق”،ثم مرتبة “الخُلّة” وهي مقام “توحيد الحُبّ”،ثم مرتبة “الإنقلاب” وهي عبارة عن إنقلاب إدراك العاشق في سائر جُزئيات العالم،فمهما سَمع أو رأى أو لمس،توهّم أن ذلك محبوبه،وربما تجرّد عن صورته فشاهدها المحبوب. ثم مرتبة “المَحْق” وهي فناء الوجود في الوجود، وهي المُكنّى عنها بالعدم المحض وبالقيامة الصغرى وبسلسلة الجرس وبجمع الجمع. ولولا خوف الإسهاب لأطرينا في هذا الجناب.
==(بحار الأحدية): فإن قُلت: هل فوق هذا تَرقّ؟. قُلت: نعم،للُيوث غابة الأحمدية اللاّهوتية الحقيّة الفردية. فقد رُوي أن القرآن له ظاهر وباطن،ولباطنه “سبعة أبطُن”. والذي عندي في هذه الأبطُن باعتبار التدلّي هي أن: الأول: “مفتاح الغيب”،أي: الأسماء التي ظهرت بها صور الممكنات حتى يظهر على ما هي عليه. [ويُسمى أيضاً “غيوب الغيب الشّهادي”،وهو ظاهر جسمانية الرسول صلى الله عليه وسلم،وهو للخواص.] الثاني: “باطن الغيب”. [مرتبة من مراتب أحمديته،وهي لخواص خواص الخواص من هذه الأمة الأحمدية].
الثالث: “غيب السرّ”. [مرتبة من مراتب باطنه صلى الله عليه وسلم،وهي لخواص خواص الخواص من الأفراد،وفيه يقع التنافُس.] الرابع: “سرّ الغيب”. [وهو خاص بالصحابة على تفاوُتهم فيه،ولوُرّاثه مَزيد معرفة بهذه الحضرة.] الخامس: “باطن سرّ الغيب”. [ويُسمى أيضاً “غيب الغيب”،وهو للأنبياء والرسل وأولي العزم،حسب تفاوتهم فيه. ولا مدخل للصحابة،فضلاً عن غيرهم،فيه،مع معرفة الرسل بالرّتب المتقدمة كالصحابة.]. السادس: “سر سر باطن الغيب”. [ويُسمى أيضاً “باطن سرّ غيب الغيب”،وهو كُنه حقيقته صلى الله عليه وسلم،وهي اللطيفة الأصلية المطلقة الوُسيعة الإحاطية المعبّر عنها ب: الأحمدية وباطن الحق واللاّهوت والبحر المُضمضم وحقيقة الحقائق وطلعة الحق والأحدية والحَقيّة والوجود المطلق. وعلمها مختصّ به،لا يُشاركه فيه إلا الأنموذج.]. السابع: “غيب مفتاح بُطون الماهية” وهو: حقيقة الإسم الباطن،وهو مقام البَحتيّة الباطنية البحر المحيط. [هذه المرتبة السابعة مختصة بالحق،وهي إسمه الباطن الذي لا كشف لمغرب عنها.]. وهذه هي “الصّرافة الباطنية الغيبية” الممنوعة لكل أحد،لأن عندنا:(صرافة باطنه): وهي “الأحدية” المشهودة للحكيم من القوم و(صرافة باطن باطنه): وهي كل غيب من هذه الغيوب. وللأفراد حدّ لا يُجاوزه إلى غيره في هذه الدوائر،وللأنبياء والرسل حد،ولنبينا ونبيهم حد لا يُجاوزه.وهذه المراتب هي المُكنّى عنها في لسان العارفين ب”بحار الأحدية”،ونعني بهذه الغُيوب: كل حَدّ أقيمَ فيه صاحبه ولم يتعدّاه إلى غيره.
==(وصوله صلى الله عليه وسلم إلى “غيب مفتاح بُطون الماهية”): واعلم أنه صلى الله عليه وسلم عُرج به وزُجّ به في جميع الحُجب إلى أن وصل لهذا السابع،فأراد أن يزُجّه بمقتضى كون الحق رَكّب في هذا النوع الإنساني أنه لا بدّ أن يطلُب الزيادة ولو كان فيها حَتفه،فسمع: “قِفْ إن ربّك يُصلّي”. والصلاة،هنا،كناية عن “عدم إدراك هذه الرّتبة”،وذلك لأن من شأنه الصلاة في الحسّ،لا يصدُر منه سوى ما هو فيه،فكنّى عن عدم الإدراك بالصلاة،بل والوصول. وهناك سَمع: “الله أكبر”،فكأنه قيل له: وإن تمكّنت ممّا تمكّنت به من إستحقاق الكمالات،وحُزته من موارد التّضمينات والإنشاءات،فقِفْ. وهاهنا قال: (اللهم لا أحصي ثناء عليك،أنت كما أثنيت على نفسك). فمن هاهنا كان دائم الأحزان،مُسترسل الأشجان،وذلك لأن ما فاته أعظم مما أدركه. فكان مركز نقطة دائرته وقطب رَحى مَسقط لطيفته هو “الغيب السادس”،ولم يُجاوزه إلى غيره. وهذه الدّوائرهي المُعنون عنها ب”الأمانة” التي أعجزت كل الأنام،وذاب الكل تحت ظلّ شُعاع ذلك الحسام. _ (مقام الرسول “المحمود” الباطني): وتقلّبه صلى الله عليه وسلم في هذا المنزل (الغيب السادس)هو المعبّر عنه،عندي،ب”صلاة الله عليه”،فهي التي أشار إليها بقوله: (جُعلت قرّة عيني في الصلاة) أي: صلاة الله عليّ وعليه.. وذلك لأن له مشاهد بالنسبة للظاهر: تارة صفاتي،وآونة أسمائي،وطوراً ذاتي،وحيناً أحديّ،ووقتاًغيبي. وزمناً باطن الغيب. وصباحاًغيب السرّ. وضُحى سرّ الغيب. وسَحَراً باطن سرّ الغيب. وظُهراً سرسر باطن الغيب. فحين يكون في هذا “المَشهد السادس” ــ وهو أقصى مشاهده ــ يكون في شيء لا يعلمه غيره،وذلك الشيء هو المَتلُوّ في “صلاة الله عليه” (الحمد لله رب العالمين). وهذا هو مقامه “المحمود” الباطني.. وهاهنا قال: (إن الوسيلة أعلى مكان في الجنة،ولا تكون إلا لواحد،وأرجو أن أكون أنا ذلك الرجل). وهاهنا أيضاً قال: (إني لأجد نَفَس الرحمن تأتيني من قبل اليمن). “يأتيني من قِبَل” يُمْن نَوافح القُرب المعنوي،أعني: مُكافحة الذات بالذات.. فمن جملة خَصيصاته صلى الله عليه وسلم: كونه له “الطور الأيْسَر العجمي”،المتلوّ عليه فيه (الذي يراك حين تقوم) مُصلياً في محراب جمع الجمع على بساط الفَهْوانية من (أو أدنى) المُعبّر عنه بالطور الأيسر. فلا يكون “المُحقّق” مُحقّقاً حتى يرتكب مَتْن معاني سائر الآيات القرآنية،ويُقيم في رياضها كأبي يزيد البسطامي. _ الإنسان عين الأنموذج ونقطة باء سرّ نور رقائق الهوية على نور الإنسانية العبدية،المُلثّمة بمعاني الغزليات،الساري سرّها في مباني لوح المظاهر الحرفية ومراتب عوالم الإمكان الفرقية،الدالّة عليه في سائر الحضرات،المُتمثّل بصورة أنموذج (خلق الله آدم على صورته). فأنا خريدة العجائب،وجزيرة الغرائب،وكهف الذات،وعين الأسماء والصفات،منهل (كهيعص)،وجدول (حم عسق)،ومحيط (يس).. ومسقط رأسي (أوتيت جوامع الكلم)..
ذ رشيد موعشي

من اراد اي موضوع على شكل ب د ف فليراسل بريد المدونة.

421 : عدد الزوار