حقيقة الاحتفال بالمولد

بسم الله الرحمن الرحيم  الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الانبياء والمرسلين،وعلى مولاتنا فاطمةَ الزهراء سيدة نساء العالمين،وعلى سيدتنا خديجةَ الكبرى امِّ المومنين،وعلى اله وصحبه اجمعين.السلام عليكم ورحمة الله. موضوعنا حول حقيقة المولد النبوي(1) .موضوع ليس تكرارا لما قاله السابقون.

اعلم ان للنبوة المحمدية وجهة خلقية،فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بشر مثلنا يأكل الطعام ويمشي في الاسواق،ووجهة حقية اثار انتباهَنا إليها صلى الله عليه وسلم بقوله:اني لست كهيئتكم اني ابيت عند ربي يطعمني ويسقين”.وقوله ” كلكم من ادم وادم من تراب “ولم يقل كلنا من ءادم .فلم يكن له ظل،كان يرى من خلف كما من امام،وكان يرى في الضوء كما في الظلام،لأنه نور، ويرى بنوره. وبعض الصحابة شَرَب من دم حجامته صلى الله عليه وسلم،مثل ابن الزبيررضى اللَّه عنه.ولم يُنْكرعليه رسول اللَّه.وروى الطبرانى فى الكبير عن أم أيمن:”انها قامت من الليل وهي عطشانة فشرَبت ما في الفَخَّارة من فضلاته صلى الله عليه وسلم ،وما أنكر عليها بل ضحِك وقال انها لن تشجو من وجع ابدا،وعندما لُدغ سيدنا أبو بكر الصديق فى غار ثور فى الهجرة ،تفل صلى الله عليه وسلم على موضع اللدغة ،فتعافى أبو بكر من حينه. ونفس الأمر وقع لسيدنا على بن أبى طالب كرم اللَّه وجهه،عندما تفل رسول اللَّه فى عينه الرمداء،فصارت فى الحال أصح من السليمة،فريقه صلى الله عليه وسلم دواء وترياق،وكل ما يصدر عنه من افرازات مباركة وفيها شفاء،فَمَا لَمَسَتْ يَدَهُ الشَّرِيفَةُ طَعَاماً،وَلَا شَرَاباً،إِلاَّ سَرَتْ فِيهِ البَرَكَةُ،وَلَابَصَقَ فِي طَعَامٍ أَوْمَاءٍ،إِلاَّ بُورِكَ فِيهِ،وَلَامَسَحَ رَأْسَ إِنْسَانٍ أَوْ وَجْهَهُ أَوْمَوْضِعاً مِنْ جِسْمِهِ إِلاَّحَلَّتْ فِيهِ البَرَكَةُ،وَالشِّفَاءُ، وَالنَّضَارَةُ .لأن ذاته ،ذات نبوية نورانية مباركة, ليست كباقي الذوات البشرية. فَلاَ بَرَكَةَ أَعَمَّ مِنْهُ،وَلاَخَيْرَ أَعْظَمَ مِنْهُ فَهُوَ الرَّحْمَةُ المُهْدَاةُ وَالبَرَكَةُ العَظِيمَةُ الْمَنْحَاةُ  .

أما ما ورد في القرءان يشير الى هذه الحقيقة النبوية.قال تعالى﴿الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾ فياتُــرى لمن علم القرآن قبل خلق الإنسان؟. فلا شك انه تعالى علمه لمن كان موجودا قبل ءادم  القائل “كنت نبيا وءادم منجدل في طينته” .   

قال تعالى ﴿وَمَارَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ﴾ فكان الرامي الله، والصورة الظاهرة محمد رسول الله، فهذه نيابة في الظهور,كما ورد في الحديث من رأني فقد رآى الحق”

قال تعالى﴿وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ﴾فأخذ الله تعالى له الميثاق من كل الانبياء،في الازل قال تعالى ثم جاءكم .فلا شك انه جاءهم.  وقال تعالى ﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ﴾ فارتقب انت يامحمد فهو رقيب على الكون ولايقال للغائب ارتقب.  

قال تعالى ﴿قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ﴾ فهو أول العابدين،وبالتالي  أول المخلوقين .. قال تعالى﴿هَذَا نَذِيرٌ مِّنَ النُّذُرِ الْأُولَى﴾هذا بإسم الاشارة الذي يقتضي الحضورأي محمد”نذير من النذرالاولى“وهذه الاية تدل على أقدمية النبوة المحمدية.  

          وأقسم الله تعالى بعمره﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِى سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) وهو صلى الله عليه وسلم الوحيد بين الانبياء الذي ناداه الحق بصفاته تعظيما وتشريفا له،ولم يناديه باسمه (يامحمد) بل﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ﴾﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ﴾﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ ﴾﴿يا أَيُّهَا النَّبِيُّ﴾

واذا لخصنا كل ما اشرنا اليه نقول أنه صلى الله عليه وسلم ﴿رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ﴾ كما جاء في سورة البينة منذ الأزل،أي قبل القبل و﴿رَسُولٌ مِّنْ عند اللَّهِ﴾( كما جاء في سورة البقرة)عند بعثته ونزول الوحي عليه. وأنه أول المخلوقين،وأول العابدين، وعلمه القرءان قبل خلق الانسان،وأخذ الله له الميثاق من النبيئين في الازل،وهل يؤخذ الميثاق للغائب ؟ وأقسم بحياته وهل يُقسم بحياة المعدوم؟ وهل يُطلب من الغائب الارتقاب أي الترصد والانتظار لعلامات قيام الساعة ؟ فكما انه  نذير من النذر الاولى,فقد وصل الى مقام لم يصل اليه غيره الى﴿قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْأَدْنَىٰ﴾ فرسول الله صلى الله عليه وسلم له حقيقة،وكينونة لانعلم كنهها،ولكن نعلم حدوثها كما أخبرنا القرءان عنها أنها أول العابدين وأخبرنا صلى الله عنها”كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث” فأخبرنا عن قدره ومقداره العظيم قبل الخلق كما أخبرنا عن مقامه الفريد حين يستغيث الخلائق به يوم القيامة فيقول”أنا لها”. اخبرنا،وعرفنا بهذه الحقيقة النبوية النورانية، المتصفة بالعبدية خليفة الله على كونه.فنحن نحتفل بهذه الخلافة المحمدية التي ظهرت بين أظهرنا،في صورة آدمية اسمها محمد بن عبد الله بن عبد المطلب،ونحمد الله ونشكره على هذا.هذا من فضل الله ومن رحمته(قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌمِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ فبها نفرح.          قال تعالى﴿وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم،هو اعظم شعيرة من شعائر الله،ورد عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله سُئل عن صوم يوم الاثنين فقال”ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ،”فيوم مولده،شعيرة من شعائرالله،لانه صلى الله كان يصوم يوم الاثنين،وصيامه له هو احتفال به.فإن كان تعظيم الشعائر من تقوى القلوب،فما بالك بصاحب الشعائر      والشرائع،ألا يستحق كل التعظيم؟”.

قال صلى الله عليه وسلم“الايمان بضع وسبعون شعبة فأفضلها قول لاإله إلا الله وأدناها إماطة الاذى عن الطريق ”.فهل إماطة الاذى عن الطريق من الايمان  والاحتفال بمولده ليس من الايمان؟

أما الصحابة رضوان الله عليهم فكانوا يقومون بما هوأكثر من الاحتفال بمولده كانوا يتسابقون على نخامته،وعلى بقية وضوئه،ويتطيبون بعَرَقه،ويفدونه بأرواحهم،وأموالهم.فلا نقارن أنفسنا بالصحابة،لأنه صلى الله عليه وسلم كان بين أظهرهم.فمجرد النظر الى وجهه الكريم نعمة واي نعمة.

فلايصح ايمان احد الا بمحبته.قال صلى الله عليه وسلم“لايومن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين”.     قال تعالى﴿النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ﴾بمعنى إذا عُرض لك حق للنبي، وحق لنفسك،فحق النبي أولى وأسبق،وأهَمُّ وأحق،فقدِّمه على المال والبنون، وافرح به كفرحك بشفاعته يوم لاينفع مال ولابنون.وهذا الإحتفال إنما يمثل جانبا ضئيلا مما يجب في حقه من صادق الحب وعظيم الامتنان.  

قال تعالى( قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين) فالكتاب المبين هو القرءان والنورهو نورالنبوة،ولوسألتك هل إبليس حي؟لأجبت بنعم،دون تردد ،فكيف يكون هذا الشقي حاضرا في الوجود،والنورالإلهي،الذي خلق  قبله، انتهى سره،وأفل سراجه،وانقطع ذكره،واندثرامره.

         قال تعالى﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًاوَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا﴾وسماه سراجا منيرا،كما سمى الشمس سراجا،وكما نعت القمر بالانارة (وقمرامنيرا)،وأخبرنا تعالى أن سيدنا محمد أرسله الله شاهدا وحضور الشاهد ضروري والافليس بشاهد،فنورهذا السراج المنير صلى الله عليه دائم لايأفل،ولا يصيبه الكسوف ولاالخسوف.هوسراج الكون على الدوام،وهذا النور النبوي هو الذي يحتفل بها كل يوم أهل خصوصيته،العارفين بأسرار نبوته، المقرين بحقيقته،ومرة في السنة باقي المومنين المعتقدين في سيادته.

لقد استحدثت أمور كثيرة فى الدين ولم يقل أحدعنها شيئا،فسيدنا عثمان رضي الله عنه ابتدع آذانا ثانيا يوم الجمعة،ومن قبله عمررضي الله عنه جمع المسلمين على إمام واحد في قيام رمضان،بل وزاد فى عدد ركعات القيام أضعاف ماهو عليه، فهل أنكر أحد من الصحابة ذلك؟وأبو بكرقام بجمع القرءان،وبعض السلف الصالح قام بتشكيله وتنقيطه،ولو كنت أنت أيه المُنَكِّرموجودا فى زمنهم، لخرجت عليهم كما خرج الخوارج على عليّ رضي الله عنه فى أمور سخيفة !وشتان بين علم وأدب.وبين علم بلا أدب.فالادب مع الجهل،خيرمن قلة الادب مع العلم.

فانتبه أيها الأديب الأريب اللبيب إلى أن الاستجابة للرسول هي استجابة لله، وطاعة الرسول هي طاعة لله،ورضى الرسول من رضى الله،وقضاء الرسول من قضاء الله،ومحبة الرسول هي محبة الله،ومبايعة الرسول هي مبايعة الله﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونك إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ﴾ قال صلى الله عليه وسلم: الله المعطي وإنما أنا قاسم” رواه البخاري ،ومن قسم لك فقد أعطاك.فهو الواسطة في كل شئ.

ومن لايرى في سيدنا محمد الا فقير قريش ويتيماها ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد،أدى رسالته وانتهت مهمته.فقد أتى البيوت من غير الابواب، ويجب رده إلى إسطبل الدواب. ويا خيبتاه وياخسرانه. كلامه نباح غيرمباح لايضر السحاب نبح الكلاب.كما يقول المثل العربي فالكلاب تنبح على الأميروعلى الفقير،على العالم وعلى الجاهل،وعلى كل من لاتعرف.حتى على السحاب.

أمامن رآه صلى الله عليه وسلم نورا صرفا حقانيا”من رآني فقد رآى الحق” ولا يقوم مقام الحق الا الحق،واطلع على خبايا نبوته في الايات القرءانية فكل يوم هو بالنسبة له عيد،تتجلى له النبوة في حلة جديدة .

فالإحتفال بمولده هواحتفال بالنبوة القديمة،الموصوفة بالخلافة عن الله أما الاحتفال بالرسالة فيتجلى في امتثال الشريعة،وهذا نحتفل به خمس مرات في اليوم. فالنبي هو أول خلق الله،وهونور،وقولنا هذا،كما رأيت مؤيد بالايات القرءانية وليس من الغلو.بل قليل في حقه صلى الله عليه وسلم.

قال تعالى﴿قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْهُوَخَيْرٌمِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾فهو صلى الله عليه وسلم،الفضل والرحمة الإلهية التي يجب الفرح بها،ولم يقل تعالى هـما خير مما يجمعون.الرحمة والفضل جمعتا في ذات واحدة متصفة بصفات الكمال. فبهذه الرحمة نفرح،وبهذا الفضل نحتفل.

وخِاب وخسر،من كان أبو لهب خيرا منه أعتق جاريته يوم مولده،واليهود يحتفلون بيوم عاشوراء يوم نجاة سيدنا موسى من الغرق. وهو يرى الاحتفال به بدعة.فاحتفل بمولده صلى الله عليه وسلم وأكثر من الصلاة عليه ولاتكن أسيرفَهْم الفاكاهاني،ولاعربدة الحراني”(2)ولا ترهات محمد بن عبد الوهاب العييناني(3) ولا تكن من المومنين فحسب.بل كن من المومنين حقا ﴿اولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾.                                           وصلى الله على سيدنا محمد نبي الله ،وعلى الزهراء بَضعة رسول الله ،وعلى اله وصحبه

(1)وكل اريب اديب لبيب أدرك حقيقة المولد النبوي أقر بمشروعيته

  • (2) ابن تيمية ،اصله من حران
  • (3) العييناني نسبة الى عيينة مسقط رأس محمد بن عبد الوهاب

.

377 : عدد الزوار