مقام  الشكر والشاكرين

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى ال سيدنا ومولانا محمد قطب دائرة الوجود ،ومرآة وحدة الشهود، الشاهد المشهود، مُعَرّف الأعيان الثابتة في الوجود  بالرب المعبود،” وإن من شئ إلا يسبح بحمده” وصحبه وسلم.

الشكر في القرآن الكريم له خصوصياته:

أولا : وردت كلمة شكر ومشتقاتها في القرءان الكريم في   71   اية :

•منها 15 ” لعلكم تشكرون”

•و2 ” شاكر عليم” 

• مرة واحدة “غفور شكور” /  وواحدة”  لغفور شكور” 

  ومرة  واحدة  “وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ  ”

“الشاكرين” وردت 9 مرات

ووردت “صبار شكور  3 مرات

و10  ايات تشرن الى قلة شُكر الإنسان ربه

 وواحدة  في شكر الوالدين

وورد الشكر على النعمة 17مرة.

 والباقي امر بالشكر،او جزاء على الشكر،أو إخبار بأن الخالق غني عن الشكر.

ومنها ماهو استفهام يحفزعلى الشكر(فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ)…..

ثانيا:  الشكر في القرآن الكريم يرد دائما مصحوبا بما يفيد بيان تقصير العبد في القيام بحق  الشكر، كصيغ الترجي (لعلكم تشكرون) أو قوله تعالى (قليلا ما تشكرون ، قليل من عبادي الشكور).

وفي لسان العرب،  الشكر: عِرْفانُ الإِحسان ونَشْرُه.  وهكذا فالشكر مرتبط بمعرفة النعمة على عكس الحمد.

وفي تاج العروس: والشُّكْرُ مقابلة النعمة بالقول والفعل والنية فيثني على المنعم بلسانه ويذيب نفسه في طاعته ويعتقد أَنه مُولِيها اهـ.

عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقالت عائشة: لمَ تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟  قال: (أفلا  أكون عبدًا شكورًا). النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث يبين أن شكر الله تعالى يكون بطاعته وعبادته أي بالعمل . فالشكر كما هو مرتبط بالنعمة، هو مرتبط بالعمل. وليس الشكرُ مجرد النطق باللسان، بل الشكر واجب بالقلب واللسان والجوارح؛ فحقيقة الشكر: ظهور أثر نعمة الله على لسان العبد بالثناء ، وعلى قلبه بمحبة المنعم، وعلى جوارحه بالطاعة؛ قال تعالى: ﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى: والشكر مبنيٌّ على خمس قواعد: خضوع الشاكر للمشكور، وحبه له، واعترافه بنعمه، وثناؤه عليه بها، وألا يستعملها فيما يكره؛ اهـ .

وإن سأل سائل أي نعمة أولى بالشكر وتقدم على غيرها، ونعمه تعالى لا تحصى، الجواب أن أولى النعم بالشكر وأعظمها وأكبرها هي الاسلام ،اي نعمة الانتماء الى امة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ،و محبته،والتعلق بشخصه الشريف. فشكر هذه النعمة العظمى يستوجب:

1=   العمل بسنته صلى الله عليه وسلم.  

2 =  معرفة حقيقته صلى الله عليه وسلم. أي معرفة النبوة المحمدية وأنها أول ماخلق الله وأنها نور الله، وأن لها وجهة حقية ووجهة خلقية، وأن كل العطاءات الحسية والمعنوية تمر عبر وساطته “الله المعطي وإنما أنا قاسم”(الحديث).

3=   الثناء عليه صلى الله عليه وسلم بصلوات نعتية راقية تتغزل في النبوة المحمدية ومسايرة للتجليات الالهية   .

 ولما عز تواجد هذه الشروط في “الشا كر” وتفاوتت درجة الشاكرين في المعرفة والمجاهدة والثناء عليه بالصلوات النعتية كان هذا من اسباب التقصيرالمقصود في الآيات من الناحية الاشارتية. وكان الشكور صفة للأنبياء (اعملوا آل داوود شكرا ) ( انه كان عبدا شكورا) وفي قوله تعالى “وقليل من عبادي الشكور “ونسبهم اليه،بقوله جل شأنه “عبادي”  وقِــلَّـتهم تدل على انهم من خواصه  .

فالشُّكر مقام من أعظم مقامات السالكين ؛ فإن الله تعالى قسم الناس إلى فريقين اثنين: شاكر وكافر؛قال تعالى: ﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾،وأمر بالشكر ونهى عن ضده فقال: ﴿وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾ وقال تعالى في سورة الزمرر(إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ).فورد الكفر في كفة ،و الشكر في الكفة الاخرى ، فالاجتهاد في طاعة الله ،و طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ” اطيعوا الله و أطيعوا الرسول” واتباع اقواله وافعاله وسلوك طريق مقام الاحسان على يد شيخ واصل، لمعرفته ،كلها شكر لله يرضاه الله ويرضى عن صاحبه .فمن معاني الكفر، الستر، والكفار كما ورد في القرءان هم الزراع الذين يسترون الحب في الارض. و الوصف الذي اثنى على  عباده به هو “الشكورون” وليس الشاكرون، ولكن للتخفيف ورحمة بهذه الأمة  قال وإن تشكروا بالفعل (وليس وإن تكونوا شاكرين أو شكورين) ليعفو عنكم ويرضى لكم ما بلغتموه من  العمل والصلاة على نبيه،والمعرفة . ورد في  صحيح البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “أُريت النار فإذا أكثر أهلها النساء، يكفرن”. قيل: أيكفرن بالله؟ قال: “يكفرن العشير.

فمعرفته صلى الله عليه وسلم هي عين الجهل به أو عين الكفر بمراتب حقيقته “وما يومن اكثرهم بالله الا وهم مشركون” . أي أننا على معرفتنا به صلى الله عليه وسلم نظل جاهلين بحقيقته. كما قالت الملائكة ” لو ان عندنا ذكرا من  الاولين لكنا عباد الله المخلصين فكفروا به ” ويأتي محققون من بعدنا ويرون أن معرفتنا كانت  نقصا في التحقيق، ويأتي من بعدهم من يحكم عليهم بنفس حكمهم ، إلى أن ينقضي الزمن، ولا يعرف أحد حقيقة هذا النبي الكريم،” ما عرفني حقيقة غير ربي” لأن التجليات الالهية في ترق دائم والحقيقة المحمدية في ترق دائم : ترق ذاتي لها في مراتبها ” انك ميت وانهم ميتون  ثم انكم عند ربكم تختصمون”

وخلاصة الكلام : الشكر لا يكون شكرا حقيقيا جامعا للظاهر والباطن حتى يكون صاحبه واضعا قدميه في مقام الاحسان “أن تعبد الله كأنك تراه” و أن يكون على معرفة بحقيقة نبيه،وعندما يصل الى هذا المقام يعرف أنه مهما شكر وبالغ في الشكر فلن يبلغ حقيقة الشكر اذ الدائرة التي نسعى ليبلغها الشكر لا معرفة لنا بها “وقليل من عبادي الشكور” والشكور من اسماء الله الحسنى على وزن فعول صيغة المبالغة في الشكر و أصحاب  الجنة يثنون على الله بهذا الاسم ” وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ  إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ”

والله اعلم

الفقير الى عفو  ربه: ابو أحمد.

1٬810 : عدد الزوار