الشيخ والمشيخة والتمشيخ

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين.

منشأ التصوف

يقول صاحب الرسالة القشيرية: أن المسلمين بعد عصر الوحي لم يَتَسَمَّ أفاضلهم بتسمية سوى(صحابة)رسول الله  اذ لا افضلية فوقها فقيل لهم : الصحابة ولما أدركهم أهل العصر الثاني، سمي من صحب الصحابة الكرام : التابعين. ثم لما اختلفت الناس، وتباينت المراتب، وجنح الناس لما خافه علينا بقوله: فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوا فيها، وتلهيكم كما ألهتهم”(البخاري ومسلم ) وفي رواية “فتهلككم كما أهلكتهم” وصدق  .فقيل لمن ثابر على عزومات الدين ولم يُخلِّط :”الزهاد والعباد”. ثم ظهرت البدعة وحصل التداعي بين الفرق، وادعى كل فريق أن فيهم الزهاد والعباد، فامتاز خواص أهل السنة المراعون أنفسهم وأنفاسهم مع الله سبحانه، الحافظون قلوبهم عن طوارق الغفلة باسم التصوف واشتهر هذا الاسم لهؤلاء الأكابر قبل المائتين من الهجرة. اهــ. اما عن التسمية فهي من الصفا وليست من الصوف. وتسموا بذلك لأنهم عملوا على صفاء الأعمال، والأحوال، وصفاء القلوب، ومراقبة الباطن والظاهر، ومعرفة مكايد الشيطان، والتفتيش عن نعوت النفس الامارة بالسوء، والإسراع الى كل اعمال الخير من صلاة وصيام وصدقة والتكفل باليتامى ،والإعتناء بالأرامل الصوفي سره كعلانيته. قال أبو الفتح البستي:

تنازع الناس في الصوفي واختلفوا●●وظنوه مشتقاً من الصوف

ولست أمنح هذا الاسم غير فتى●●صافى فصوفي حتى سمي الصوفي

أما من ظن أن اشتقاقه من لباس الصوف فهو حكم على الظاهر، والظاهر خداع والصوفي يسعى لإصلاح باطنه.

ويجمع معظم الباحثين والمؤرخين القدماء والمعاصرين على أن التصوف ظهر في القرن الثاني الهجري وهو وليد حركة الزهد والنسك في الإسلام التي كان عليها الصحابة والتابعون رضوان الله عليهم.‏ ويوضح ذلك ابن خلدون عند كلامه على نشوء علم التصوف قائلاً:(وكان ذلك عاماً في الصحابة والسلف فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية والمتصوفة) ويعد القرن الثالث الهجري مرحلة هامة بلغ فيها التصوف النضج والكمال، وأصبحت له قواعد معروفة. كما شكل الفقهاء وأصحاب الحديث علم الحديث والمذاهب الفقهية المشهورة‏
يقول الشعراني في كتابه الأنوار القدسية: فإن حقيقة الصوفي عالم عمل بعلمه على وجه الإخلاص لا غير اهـ. وعرّف ابو الحسن الشاذلي التصوف فقال: التصوف تدريب النفس على العبودية وردها لأحكام الربوبية .
وقال اخر التصوف علم يعلمك الإقبال والإدبار(الإقبال على الله والإدبار عما سواه).
وقد أصاب محتسب الصوفية الشيخ زروق حين قال: فللعامي تصوف حوته كتب المحاسبي ومن نحا نحوه وللفقيه تصوف رامـه ابن الحاج في (مدخله)،وللمحدث تصوف حام حوله ابن العربي المعافري في سراجه(سراج المريدين)،وللعابد تصوف دار عليه الغزالي في منهاجه، وللتمريض تصـوف نبه عليه القشيري في رسالته، وللناسك تصـوف حواه القوت(قوت القلوب لابي طالب المكي)والإحياء (للغزالي)،وللحكيم تصوف أدخله ابن عربي الحاتمي في كتبه، وللمنطقي تصـوف نحا إليه ابن سبعين في تأليفه، وللطبائعي تصوف جاء به البوني في أسراره، وللأصولي تصـوف قام به الشاذلي بتحقيقه، فليعتبر كل بأصله في محله انتهى (قواعد التصوف القاعدة 60) .

التصوف هو مقام الاحسان

روي عن سيدنا عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، عن رسول الله  قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله  ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي ،فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمّد أخبرني عن الإسلام؟! فقال رسول الله :”الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً”، قال: صدقت. فعجبنا له يسأله ويصدّقه، قال: فأخبرني عن الإيمان؟ قال: “أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره”، قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان؟ قال: “أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك”…. الحديث (رواه مسلم). فمن بلغ حقيقة الاسلام لا يفترعن العمل. ومن بلغ حقيقة الايمان لا يلتفت للعمل. ومن اناخ راحلته بمقام الاحسان لا يلتفت لما سوى الله، فهو في عبادته كأنه يراه، فنتيجة المجاهدة المشاهدة. ومعرفة رب البيت أوجب من زيارة البيت، فلولا رب البيت، ما وجبت زيارة البيت.

فالتصوف هو مقام الإحسان وهو الحالة التي كانت عليها بواطن الصحابة إنما المُحْدث في الحقيقة هو الكتب والتصانيف التي لم تكن في زمن الصحابة ولا التابعين. فمنشأ التصوف هو الإتباع وكل صوفي غير متبع لما كان عليه الصحابة فلا عبرة به ولا بحاله. التصوف هو الوصول الى معرفة الله، ومعرفة الله هي معرفة اسمائه وصفاته ومعرفة نبيه .  قال شيخي رحمه الله تعالى: التصوف هو معرفة القرءان بسيدنا محمد ومعرفة سيدنا محمد بالقرءان.  

المربي والتربية

قال صاحب الحكم :لا تصاحب من لاينهضك حاله ويدلك على الله مقاله .             حكمة تثيرانتباهنا إلى ان نتحقق من حال الشيخ الذي سنأخذ عنه الطريق.

“ينهضك حاله”لأن سالك طريق التصوف لابد أن ينشأ له نتيجة مجاهداته وعبادته حال وإذا داوم عليها مع محاسبة نفسه في سائرأعماله صارت مقاما له ، ولايزال السالك يترقى من مقام الى مقام،الى أن ينتهي الى اعلى المقامات والى المعرفة.أضف الى هذا،الإذن النبوي والمدد المحمدي،فمن لاإذن له لاوصول له.قال تعالى لنبيه “واصبر نفسك مع اَلذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولاتعدعيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا“(الكهف)ولاشك أن هؤلاء الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي لم ينقطعواعن الارض وهو مأمورأن يصبر نفسه معهم ،فيجب على هذا الشيخ أن يكون من أصحاب هذه الحضرة فيسري مددها إليه،ومنه إليك،وينهض حالك وتتحول من الغافلين الى الذاكرين الله كثيرا،ومن المتقاعسين الى المجتهدين في نوافل الطاعات من صلاة وصيام وصدقة وزكاة وصلة الارحام …                                                                                وثانيهما: أن يدلك على الله مقاله،وهذا الشرط فرع عن الأول، فالمقال لا يكون نافذا إلا إذا كان خالصا وصادرا ونتيجة مقام كبير،فأصبح  مقامه حالا له ،وليس مجرّد مقال يردّد فيه ما سمع أو قرأ،بل علوم لدنية واسرارربانية جديدة قال ابو مدين الغوث لأصحابه” أطعمونا لحما طريا لا قديدا”.فمن أطعمك القديد فليس بصاحب  حال ولامقال.ويجب التمييز بين أرباب الحقائق،والرواة لأهل الحقائق  أي بين العارف الحقيقي وناقل معرفة غيره،وصاغها في قوالب لغوية مختلفة أخفت مصدرها.

ختم الشيخ بن عطاء الله رحمه الله الحكمة بقوله:”ربما كنت مسيئا فأراك الإحسان منك صحبتك لمن هو أسوأ حالا منك”،معناه أن صحبة من يكون مدعيا المقامات وهونفسه مقصر متقاعس في الطاعات،يتبع هوى نفسه،قد تؤدّي بك  صحبته إلى الرضى على ما أنت فيه، فينطبق عليك قول المتنبي :


ولم أر في عيوب الناس عيبا●●كنقص القادرين على التمام

وتقضي عمرك معه، راضيا على نفسك، معجبا بحالك، متبعا هواك .ولن تربح من ورائه طائلا ،تقبل يده وتناديه بسيدي العارف بالله. وفي الإبريز أن شيخ التربية ما لم يكن بهذا الكمال جامعا لوصف العلم الظاهر والباطن، جمعا كاملا فأقرب أحوال المريد معه على الهلاك (الإبريز). يقول ابن سبعين،أن الشيخ العارف على الحقيقة، هوالذي قامت به الكمالات المحمدية كلها،وجودية،وعرفانية اهـ.

ومن ليس بعارف ولا له علوم ومعارف،غالبا ما تجد المقربين منه،ومن لهم المصلحة فيه،ويجنون الأرباح من وراءه بطريقة مباشرة أوغير مباشرة( كنت  في طريقة نعطي البقشيش للسماح لنا بزيارة الشيخ)ويرفعون من”مقامه”ويلقبونه بالعارف بالله وبصاحب الوقت،وبالغوث الأكبر،فكم من شيخ يقام له ويقعد،وتقبل يداه ورجلاه،وهولا يعرف حتى كيف يزجرإسما من الأسماء الإلهية الجمالية، فأحرى الجلالية،فأحرى أن يكون مربيا،فأحرى أن يكون على معرفة بنبي الله  فحذارِ ثم حذارِ.قال الهمذاني:

سوف ترى إذا انجلى الغبار●●أفرس تحتك أم حمار

فإن كان الشيخ الحقيقي أكثر علما،فالشيخ المزور أكثر كلاما فلا تكن أسير تقليد أحد(فالفقراء يقلدون بعضهم البعض في الكلام وفي الكثير من التصرفات)،ولا تقتدي بأعمى، حَكِّم عقلك. كيف تعتمد على اعمى لا يرى الطريق ولم يسلكها   كدليل ؟هذا غاية طمس البصيرة ،سيرمي بك في حفرة لامحالة.    

التصوف تجربة روحية فردية يخوض غمارها كل واحد على قدرهمته ومجاهدته فلم يكن في بداية نشأته طرق صوفية،ولكن لضعف همة السالكين تحول التصوف من سلوك شخصي الى تنظيمات أصبحت تدعى الطرق الصوفية،واقتدوا بشخص واحد يسمى في العرف الصوفي الشيخ المربي،وأوراده وأذكاره، تعطي صبغة وفكرة على كيفية سيره،وهذا ما يسمى الطريقة،وهواقتدى بمن سبقه،وهذا هو المشرب :مدارس تربوية اخلاقية وذكر جماعي يرفع من همة المبتدئ،ويحرك المتقاعس،ويوقظ النائم،وينبه الغافل،وتسري الأنوارمن الضعيف الى القوي.وقد قيل تعددت الطرق والغاية واحدة.والطرق الى الخالق عدد انفاس الخلائق.

  كما انه ليس هناك عهد في التصوف،متى لم تر النتيجة في الاولى انتقل الى طريقة اخرى ومتى وجدت شيخا أكبر مقاما وأكثرمعرفة فانتقل اليه قال : لو كان موسى حيا ما وسعه الا ان يتبعني” فالعهد والبيعة ومنع المريد الانتقال من طريقة الى اخرى لاأصل له في السيرالروحي العرفاني،بل اغلال يضعها من له المصلحة في معصم المريد الساذج.يكفي أن يكون للشيخ الإذن في التربية ويكفي من المريد الهمة وصدق التوجه الى الله،ولابد من المجاهدة (لاوصول لمن ليس معه محصول)والتقوى وترك المحرمات والحفاظ على الصلوات فالعهد الحقيقي الباطن هوعهد مع الله تعالى على الالتزام بأوامره واجتناب نواهيه وطاعة الشيخ واجبة”ستجدني ان شاء الله صابرا ولا أعصي لك امرا” إذ هومن أُولي الامر، مكَّنْته امرك ليجعل لروحك الغلبة على نفسك ويكون هواك تبعا لما جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

الشــــيــــوخ

هناك شيخ التبرك وشيخ التربية   وشيخ الترقية

وشيخ ليس شيخ هو ما اسميه الشيخ الخلب(سحاب خلب أي لامطر فيه ورصاص خلب لانار فيه).

ويمكن ان يكون شيخ التربية هوفي نفس الوقت شيخ الترقية وإن لم يكن كذلك فعندما يرى أن التربية اعطت ثمارها،فعليه أن يدلك على شيخ الترقية.وشيخ الترقية ينقلك من مقام الى مقام،ومن حضرة الى حضرة،ومن علم الى عيان، ومن عيان الى يقين ومشاهدة وهذا هوالعارف بالحقائق،العارف بوعاء ابي هريرة.وقد اخطأ من قال أن الشريعة للعامة والحقيقة للخاصة ،الشريعة من الحقائق،وكل من جد واجتهد نال نصيبه من ذلك الوعاءالمختوم . أما شيخ التبرك فهورجل صالح ينتمي الى طريقة ما،لم يعطاه الإذن في التربية ، تتبرك بصحبته وبأوراده،ويربي نفسك على الطاعة فالطبع يسرق من بعضه وربما نصحك بالبحث عن شيخ الترقية.

الشيخ الخلب يضيع سنين من عمرك،تطارد سرابا لا وجود له، ولا انت داركه. السراب خِداع بصري وهذا المدعي خداع روحي،هذا النوع أساء الى التصوف كثيرا،وكذلك البعض من الشيوخ التبركيين عندما يطغي الجانب المادي على الجانب التربوي وعندما يركنون لأصحاب السلطة يسيئون أكثر للسلوك الصوفي وللأحوال الباطنة للمريدين. أما الشيخ المنتقل الى رحمة الله فيصح الإستمداد منه شريطة أن يكون هذا المنتقل مشهودا له بالمعرفة والصلاح وترك صلوات تعنون عن مقامه بين الأولياء ،وهذا مع التقوى والإجتهاد في الطاعات،وكثرة المحبة والتعلق به وعدم الإلتفات الى غيره،ويكون ذلك عن طريق الروحانية فيساعده في السيرويجنبه المهالك . أما الإطلاع على الحقائق والأسرار القرءانية ،والتغزلات الأحمدية المحمدية،وحَلُّ طلاسم الرسم والمقتضيات الاسمائية،فلا حظ له فيها ولا يصح ذلك من منتقل مهما بلغت قامته في التصوف وفي العبادة.لايصح الا من حي عارف غارف مأذون له من الحضرة المحمدية. ولم نسمع بشيخ قال للناس اكتفوا بأورادي وطريقتي الى اخر الدهر.وفي الواقع المعيش نرى أن أغلبية(إن لم تكن كلها) الطرق التي شيخها المؤسس مات ولم يرب عارفا يخلفه،لم يبرزمنها عارف  ظهرت عليه علامات الفتح والعلوم الربانية بل لاتجد الا ناقل معرفة غيره،يجتر اقوال السابقين ويشرحها ويمزجها .قال تعالى”يا ايها الذين ءامنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين”والكينونة والمعية تقتضيا المعاصرة.قال تعالى”واتبع سبيل من أناب الي”وقال“هل اتبعك على ان تعلمن مما علمت رشداّ” والإتباعيكونلحي يرزق معاصر لك، اتباعا حسيا، قال تعالى“ومن يضلل الله فلن تجد له وليا مرشدا”بمعنى ومن يهدي الله فستجد له وليا مرشدا،والإرشاد يتطلب الحضورو الإتباع، لكي يعرف علل نفسك وأمراض باطنك،ويصف لك الدواء الناجع،كيف يمكن لمرشد جبلي أن يرشدك وهو ميت،أو قابع في بيته،فالحس كالمعنى،فالتصوف طريق شائك،صعب المسالك،كثير المهالك متعب،لا يسلكه الا سالك امتطى مطية الصبر،وانتعل نفسه،كيف يمكن لغائب أن يرشدك،ولمنتقل أن يعلمك وأن يرفع مقامك وتجليات عصرك غير تجليات عصره وبالتالي فالأمور تجاوزته فهولا يعاين تجليات زمانك وفتوحاته حتى يمدك بها،انتهى أمره بتجلي اسمه تعالى المميت عليه،وهوماعبرعنه الشيخ التجاني في صلاة جوهرة الكمال التي أُعطيته من الحضرة المحمدية بقوله:صراطك التام الأسقم(أي محمد هو صراطك التام الأسقم)فالتمام ذاتي له(للصراط)،والسقم عرضي،تابع للتجليات الإلهية.والتجليات الإلهية في ترق دائم،والحقيقة المحمدية في ترق ذاتي (أي تترقى في مراتبها) والصراط الذي سلكه العارف الفلاني،في الزمن الفلاني، بالتجليات الإلهية الفلانية،وحسب مرتبة ما،ومعرفة ما بالحقيقة المحمدية يصبح هذا الصراط وقتاً ما،متجاوزا،وسقما،وضعيفا،وعاجزا،عن مسايرة التجليات الحالية وقد أنكرالبعض كلام الشيخ التجاني وهذا الوصف في غاية المعرفة والتعريف بالحقيقة المحمدية.وقد أشارالحلاج إلى هذا السُقم حسب إدراكه بقوله “من زعم أنه يوحد الله فقد أشرك”(طاسين التوحيد(وهو يقصد أصحاب مقام   “أن تعبد الله كأنك تراه”اذ الرؤيا تختلف حسب التجليات،والتجليات تتغير من زمان الى اخر،وحسب مقام كل عارف.والأسقم تعود كذلك على كل سالك،يتربى بصلاة لم تعد تسايرالتجليات الإلهية،صلوات القرون الماضية،وهذاماعبرعنه ابن مشيش بقوله:صلاة تليق بك منك إليه كما هو أهله.أي صلاة موافقة للتجليات الالهية فهذا السالك على صراط تام أسقم وبطبيعة الحال فهو يسير ولكن كمن أراد الحج وامتطى دراجة هوائية قصدا على متنها مكة،ولا يحضر ببالي عارف وصل من هذا النفق الضيق.هناك إستثناء ناذر،كي لانحجرعطاء الله”وما كان عطاء ربك محظورا”فهناك طريق اجتباء وطريق انابة ”الله يجتبي اليه من يشاء ويهدي اليه من ينيب”والإجتباء تابع للمشيئة فاجتباء الانبياء غيراجتباء عامة البشر(ولا أقول غيراجتباء الاولياءلأن الولاية تاتي بعد الاجتباء)ويجب التمييز بين الجذب السلوكي والسلوك الجذبي،فالمجتبى سالك جُذب،أما الجذب السلوكي فهو مجذوب طويت له الطريق ولم تطوى عنه .قال صاحب لطائف المنن:ولا تظن أن المجذوب لاطريق له بل له طريق طوتها عناية الله تعالى فسلكها مسرعا الى الله تعالى  اهـ . وربما يخالفني البعض قولي ان السالك أتم من المجذوب لأن السالك عرف الطريق وعاين سبلها وفجاجها وجبالها.أما المجذوب فكالمسافر ليلا،المسرع سيرا،لايحكي لك شيئا عن الطريق لأنه لم يرشيئا فلا خبرة له بالمقامات.وعلى أي فالمتبع لشيخ انتقل الى رحمة الله اذا سمع بشيخ حي عارف لزمه استخارة الله والذهاب عنده والتحقق من دعواه والأخذ عنه،فإن لم تجر أفعالك على مراد غيرك، لم يصح لك الإنتقال عن هواك (كما تقول عبارة الحاتمي)وإن لم يفعل كان مخطيئا في حق نفسه.فالشاذلي لم يكتف بالطرق الصوفية التي كانت موجودة في زمانه بالمغرب بل ذهب الى العراق باحثا عن غوث الوقت للأخذ عنه فانظرالى هذه الهمة العالية والصبر الكبير في تحمل مشاق السفرذهابا وإيابا ،فلا تترك لنفسك الفرصة في مجادلتك وتثبيطك فهي امارة بالسوء واكبر سوء تسيئ به الى سلوكك الروحي ،وجود عارف ببلادك وأنت عنه غافل منشغل بأوراد زمان كانوا يطبخون طعامهم على الحطب ويضيئون منازلهم بالقناديل ويتنقلون مشياعلى الأقدام أوعلى الدواب. وبمنزلك الغاز والكهرباء وبين يديك هاتف ذكي ينقلك من الشرق الى الغرب.؟ بمعنى أن التجليات الإلهية تغيرت ،فكما تبعتها ظاهرا فسايرها باطنا.

أما من لاشيخ له.اذا كان مكثرا من الذكر، كثيرالصلاة على سيد الانام، ملتزما بالشريعة ظاهرا وباطنا فإن الخضرعليه السلام يتولى تربيته بشرط أن يكون هذا المريد يعتقد في وجود القطب الغوث، إذا كان لا اعتقاد له فيه فلا يتكلف الخضر به فهو يلقنه الأذكارويصححها له من حيث لا يعلم ،كما أن تربيته مخالفة لتربية الشيوخ، فمثلا لتقريب المعنى من الأفهام أنت مع عارف حقيقي ،أنت في المقام 10 إن لم تذكر يوما ما ،تبقى في المقام 10،مع الخضران لم تذكر ولو كان معك عذر تنزل الى المقام 9 وفي اليوم الموالي إن لم تذكر تنزل الى المقام 8.لهذا قالوا الشيخ هو من حملك وحمل عنك.وهذا هو الدور الذي يقوم به الخضر في الأمة المحمدية ومقامه لا يتعدى مقام الابدال. 

التربية فرض عين

اول المربين وسيدهم ومعلمهم وشفيعهم وقدوتهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم  قال تعالى”هُوَالَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًامِنْهُمْ يَتْلُوعَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُم الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ الجمعة.وفي سورة البقرة“رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوعَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُالْحَكِيمُ” فقدم التزكية في سورة الجمعة واخرها في سورة البقرة لحكمة لاتخفى عن اصحاب البصائر(وهنا يظهر دورالشيخ الحي يمكنك أن تسأله عن سبب التقديم والتأخير) فالتزكية والتعليم،تربية ،فقد ربى أصحابه رضوان الله عليهم وأخرجهم من ظلام الجاهلية ومن ظلمات الجهل ورفعهم الى اعلا مقامات الاحسان قال : إن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم قال :فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفوررحيم”. وإن مثلك يا أبا بكر كمثل عيسى قال”إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيزالحكيم”.وإن مثلك ياعمر كمثل نوح قال”رب لاتذرعلى الأرض من الكافرين ديارا”.وإن مثلك يا عمر كمثل موسى قال” وأشدد على قلوبهم فلايؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم” ….الحديث) وقال  لعلي  كرم الله وجهه انت مني بمنزلة هارون من موسى. فأصحابه  اولياء،وورثة الانبياء”تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِوَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ ”فكل من اتبعه  من شيوخ التربية يجب ان يكونواعلى اثره ‘قل هذه سبيلي ادعوا الى الله على بصيرة انا ومن اتبعني”فمن أراد أن يبلغ المقامات فلابد له من شيخ مربي. فقد قالوا [لولا المربي ما عرفت ربي] يقول ابن عربي في أحد رسائله:إن لم تُجْرِأفعالك على مراد غيرك، لم يصح لك الإنتقال عن هواك،ولوجاهدت نفسك عمرك،بما ترتبه عليها،وإن صعب،ولم تزل على هواها،فإنها هي المرتبة على نفسها.اهـ .وشتان ما بين من له شيخ يقود راحلته، ومن يقوده أعمى،أو نفسه وهواه“أرءيت من اتخذ إلهه هواه“.فالاسلام ليس دينا جافا،مجرد حركات يقوم بها المسلم 5 مرات في اليوم،وصيام،وزكاة… بل هوسير قلبي الى الله” اني ذاهب الى ربي” كله حقائق واسرار تضفي على عبادتك الحلاوة فالتصوف هو السعادة في العبادة. التصوف يعبرعن البعد الباطني للإسلام وإنه السبيل الى معرفة الله. فهو نصيبك من الدنيا “ولاتنس نصيبك من الدنيا“.فاياك ان تنساه.

حاول يا حبيبي الوصول الى بواطن الامور،ولا تبقى مع القشور.ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال:”حفظت عن رسول الله  وعاءين،أما أحدهما فبثثته،وأما الآخر فلو بثثته قُطِعَ هذا الحلقوم”(هكذا ذكر ابو عبدالله البخاري في صحيحه)فابحث عمن يكشف لك عن هذا الوعاء الذي لم يبح به ابو هريرة أسرارعميت عن الأبصار،ولم تعثر عليها الافكار ولا الضمائر الا البصائر بوهب الهي،ولا يغرنك إدعاء المدعين،اللهم إلا من ظهرت عليه علامات الفتح،وآتى بفتوحات جديدة أحمدية، لم يتطرق لها من سبقه،وكان على أثر مولانارسول الله حالا ومقالا،علما وعملا. ولا تهمك كثرة المريدين الذين يتبعون ذاك الشيخ فإبليس على باطل ومع ذلك يتبعه الملايير.أما الطرق الصحيحة فلا تقبل الا المريد الصادق من يرون أنه لايصلح للتربية يرفضونه ،فلا أحد يشك أن ابن مشيش كان من كبار العارفين ولم يرب الا مريدا واحدا.

وقد اشارالشريشي الى شروط الشيخ(المباحث الاصلية( : 

وللشيخ آيات إذا لم تكن له♣فما هو إلافي ليالي الهوى يسرى
إذا لم يكن علم لديه بظاهر♣ ولاباطن فاضرب به لجج البحر

ويظهرمن كلامه رحمه الله، سخطه على المدعين اذ يحض على ضرب لجج البحربه.قال أبو الحسن الشاذلي: كل شيخ لم تصل إليك،الفوائد من وراء حجاب، فليس بشيخ.اهـ. الشيخ الحقيقي،هوالذي يطوي لك مسافة أعمال الجوارح، وهنا، من اللازم أن تكون له صلاة،بها نعوت مقتبسة من القرءان،تتغزل في النبوة القديمة،وتساير التجليات الإلهية الحالية.أن تكون له أحزاب تساير التجليات الإلهية ،أن يكون له استغفاررتقي يمحي ذنوبك الماضية واليومية،ويجعل الغلبة لروحك على نفسك.وخلاصة القول،العارف الحقيقي دائما عنده كلام جديد العهد بالنبوة “علمناه من لدناعلما”ومااتخذ الله وليا،إلاعلمه.الصم والبكم،لايصلحون للمشيخة، نحن لانعرف صاحب الإذن المحمدي،والمدد المصطفوي،حتى نرى ثمار الإتباع ونتائج الصحبة ، وآثارالبصيرة،وبذورالمعرفة،في حركاته وسكناته، وكلامه، وأذواقه وإشاراته،وخوضه في علوم القوم.شيخ باطنه طاقة نورانية عرفانية.هذا هوالوارث المحمدي،والوارث لابد أن يرث من  كل شئ: الأقوال،والأحوال، والعلوم،ومن اللازم أن يتحدث بها وعنها”اما بنعمة ربك فحدث“وأكبر نعمة معرفة الله ونبيه،وإلا فليس بوارث وكما يقال الكتاب يقرأ من عنوانه.
قال بلبل الحضرة الشيخ عمر ابن الفارض:

وأتلوعلوم العالمين بلفظة♣وأجلوعلى العالمين بلحظة

ومن ليس له أذواق وحقائق،غالبا،ما تجده ،يتسترعلى جهله بقوله ليس لي إذن في الكلام.أو يردد كلام ابن عربي والجيلي وينمق كلامه بمصطلحات صوفية وحكم عطائية واقوال جنيدية وحكايات حلاجية،وقد صاحبت في سلوكي الصوفي “عارفين خُلَّبْ” كان همهم جيبي،استغلوا سذاجتي ورغبتي في طلب طريق القوم.

الخـــــاتــــمـــة

لقد كَثُرفي زمننا المدعون،والمتطفلون على التصوف،فعلى العاقل أن لا يتبع كل   من طالت لحيته،وأحسن تكويرعمامته،وتمشدق في ترثرته ،ولاتفارقه سبحته، فالقطبانية والغوثية والختمية،مقامات عالية،ولها شروط ،ومن شروطها المعرفة بالنبوة المحمدية،والتحدث بها،ومن شروطها،أن تكون عنده صلاة نعتية ،راقية تتغزل في الحقيقة المحمدية بالأحمدية،أضف الى هذا يجب أن يكون سلوكه الصوفي معروفا عند الجميع،أي من هو شيخه،وشيخ شيخه وطريقته،وسلسلته الصوفية حتى مولانا رسول الله لا أن يكون أخذ الطريقة عن شيخ تبركي أو مُقَدم طريقة ما. قَالَ سَيِّدُنَارسول الله *يَاتِى عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَغْزُوفِئَامٌ مِنَ النَّاسِ،فَيُقَالُ هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ الرَّسُولَ،فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيُفْتَحُ لَهُمْ،ثُمَّ يَأتِى عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ،فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ،فَيُقَالُ لَهُمْ،هَلْ فِيكُمْ مَن صَاحَبَ أَصحَابَ الرَّسُولَ،فَيَقُولُونَ نَعَمْ،فَيُفْتَحُ لَهُمْ،ثُمَّ يَأتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ،فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ،مَن صَاحَبَ أَصْحَابَ الرَّسُولِ،فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيُفْتَحُ لَهُمْ* اهـ . سِلْسِلَةٌ تَنْتَهِي إِلَى رَسُولِ اللهِ.فَالْفَتْحُ مَنُوطٌ بِصُحْبَتِهِ،أَوْصُحْبَةِ مَنْ صَاحَبَ أَصْحَابَ أَصْحَابِهِ،فَلاَ يَعْرِفُهُ،إلاَّمَنْ عَرَفَ مَنْ عَرَفَهُ.فَمَنْ أَدْرَكَ هَذِهِ الصُّحْبَةَ ظَفَرَ بِالمَحْبُوبِ وَأَصَابَ المَطْلُوبَ،وَأَصْلَحَ مُضْغَةَ القُلُوبِ وَأَضَافَ إِلَى الأَبِ الطِّينِي، الأَبُ الرُّوحِي الدِّينِي.ويجب التحقق بإلتزامه بالكتاب والسنة،ظاهرا وباطنا،وأن يكون عارفا بعلل النفوس،وأمراضها،وله أدويته وترياقاته الخاصة، شيخ مأذون له من طرف مولانا رسول الله  الإذن النبوي ضروري،ومن لا إذن له لا وصول له،والطرق الصوفية الحقيقية،غيروراثية ،يتصدرالمشيخة من هوأحق بها،استحقاق معرفي ذوقي،لا إستحقاق طيني،ابن التراب يرث التراب،ما تركه والده من حطام الدنيا .الميراث المادي يوزع خلال ايام قلائل،الميراث الروحي يتطلب زمنا طويلا،فقد صاحبت شيخي قدس الله سره زهاء عقدين من الزمن لأحصِّل على نصيبي من الميراث.فالأولياء ورثة الأنبياء وكما أن الأنبياء جاءوا ببرهان صحة إرسالهم من الله ،فكذلك الولي يجب ان تكون عنده أوراق اعتماد يثبت بها تعيينه من الحضرة المحمدية وأدلةعرفانية تثبت إدعاءه ؟ الشيخ الخلب يشبه الزنبور،ولن تربح من وراءه الا لسعة ربما لزمك ألمها طول حياتك، والعارف الحقيقي يشبه النحل.الزنبور يشكل تجمعات كالنحل،يصنع خلايا،له ملكة،ولكن لا ينتج العسل،والعسل بالنسبة للعارف الحقيقي هوالسر، سرطريقته. فابحث عن الشيخ الحقيقي،واقصده في أي مكان،واتبع إرشاده،واقتف أثره، وانكسر لكل من تتوهم فيه لمعة من مقام الإحسان،وكن ذا همة كبيرة. فللأسف ضعفت همة السالكين ،قال ابومدين الغوث.


واعلم ان طريق القوم دارسة ♣وحال من يدعيها اليوم كما ترى


ان موضوع التصوف هومن اشد المواضيع وأكثرها تعقيدا وجدلا،وهناك جماعة من الدخلاء على التصوف نسبوا أنفسهم إليه شوهوه بما أدخلوا عليه من بدع ضالة وأفعال منكرة تحرمها الشريعة الإسلامية.رهط من الناس لايعرفون من التصوف الا شقشقات اللسان… فلم يعد التصوف عملية لتطهير القلب والتخلي عن الرذائل والتحلي بالفضائل بل اصبح سهرات أنس لتسلية النفوس،وموسيقى روحية،ومهرجانات للمديح والسماع الصوفي،ومحاضرات عن مفهوم الحداثة عند ابن عربي،وعالمية التصوف وغيرذلك ،هراء لاعلاقة له بالتصوف نسبوا للتصوف ماليس فيه،وأَوَّلُوا كلام الصوفية على محامل لم تنصرف لها اذواقهم كقول ابن عربي في احدى قصائده:

قد صار قلبي قابلا كل صورة●فمرعى لغزلان ودير لرهبان.

 فظنوا ان الشيخ يقول بوحدة الأديان،إنما هو يشير الى وحدة التجليات الالهية فقلبه قابل لكل صورة ولم يقل لكل حقيقة فالصور،والمظاهرالوجودية كلها من مقتضيات الأسماء الالهية . اصبحت لكل طريقة صوفية كيفية في ترويج سلعتها( MARKETING) وتسويق منتوجها لأكبرعدد من المرشحين،وتفتخربكثرة المنتسبين إليها خصوصا إن كان منهم العجم ،ويعتبرون ذلك من سرالطريقة،والسلعة الحقيقية والتي لاثمن لها وعسل كل طريقة هو المعرفة،ولاشئ الا المعرفة.فربما تجد مع شيخ تبركي التصوف،ولاتجد المعرفة،وهذا أهون الأمرين،أما أن لاترجع لا بخفي حُنَيِن ولاترى حُنَيِن،فيا للخسارة.                                                        حضرت بمراكش لأول ملتقى عالمي للتصوف(اظن سنة 2005)رأيت اكاديميين ومتكلمين،هذا متخصص في التصوف،والاخر باحث في التصوف ولم أر لا التصوف ولا الصوفية،واختلاط الرجال بنساء منهم المتبرجات(احد المحاضرات (الصوفيات) كانت متبرجة)سمعت جعجعة ولم ار طحينا وقعقة ولا سلاحا، اندهشت فقصدت باب الخروج ،قال ابو بكر الشبلي.         

أما الخيام فإنها كخيامهم ●●وأرى نساء الحي غير نسائها.

في زمننا لم تبق لاخيام(يقصد به الظاهر)ولا نساء(يقصد به الباطن) بل تجد منتسب الى طريقة صوفية يكثر الذكر ومجالس الذكرويتساهل في الغيبة والنميمة،والرياء،والتفاخربمتاع الدنيا،وكثرة الأكل،وحكاية المنامات الغريبة واصطناع الكرامات الزائفة لشيخه. فكل شخص ادعى التصوف ومال عن السنة النبوية (ولو في لبس نعله) فهو مبتدع ومبتعد عن طريق التصوف الذي هو مقام الإحسان وعلم السلوك إلى حضرة ملك الملوك.فهذا الشخص مبتدع ومسؤول عن نفسه،جاهل،ضال،يجب أن يوزن بميزانه الشخصي لابميزان التصوف، وكذلك الأمر إذا كان بطريقة صوفية ما، بدعة  فلا انتماء لها الى التصوف.
وقد انشد الفقيه ابن الحاج الصوفي رحمه الله صاحب المدخل:

ليس التصوف لبس الصوف ترقعه●●ولا بكاؤك إن غنى المغنونا

ولا صياح ولا رقص ولا طرب ●●ولا تغاش كأن قد صرت مجنونا

بل التصوف أن تصفو بلا كدر●●وتتبع الحق والقرءان والدينا

وأن تُرى خاشعا لله مكتئبا ●●على ذنوبك طول الدهر محزونـا
لذا ينبغي التفريق بين التصوف والصوفي،فليس الصوفي المنحرف ممثلا للتصوف كما أن المسلم بانحرافه لايمثل الإسلام ومما يؤسف كذلك أن بعض أدعياء العلم من تلبيس إبليس عليهم تهجمواعلى التصوف ولم يميزوا بين أصحاب البدع المنحرفين(المتشبهين بالصوفية)وبين الذاكرين السالكين المتبعين لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحاب الحقيقة القلبية.

كما أننا لاننكر على من أنكر على أهل التصوف أذواقهم ومواجيدهم ولا نسيئ الظن بهم،هم اخواننا في الاسلام فمن حقهم اذ حويصلتهم لاتتسع لذلك ”إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ“وكل ميسر لما خلقله” ورد في الحديث”إن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى،ولو أفقرته لأفسدت عليه دينه،وإن من عبادي لمن لا يصلحه إلا الفقر،ولوأغنيته لأفسدت عليه دينه.اهـ. فهو تعالى العالم بما تقتضيه نشأة كل واحد من مخلوقاته.

فسيدنامحمد صلى الله عليه وسلم لما رجع من معراجه حكى لنا عن كل ما رآى ، ”وما هوعلى الغيب بضنين”منهم من صدق، ومنهم من انكر وكذب.

و موسى عليه السلام نبي ورسول ومكلَّم ومن أولي العزم من الرسل، انكرعلى الخضر أحواله، فما بالك بالناس العاديين فهذه الحقائق تغرس في قلب السالك تدريجيا بالصحبة وإلتزام الشريعة وأوراد الطريقة. اما إلهامات القاصدين الله بقلوبهم وقوالبهم في سرهم وعلانيتهم،ولا يطلبون من الله سوى الله، فكيف لايكون عندهم إلهام الهي.إذا وقع الوحي للحواريين والى أم موسى والى النحل فكيف لا تلهم خيرأمة أخرجت للناس ونبيها سيد الناس بل  سيد العالمين ورحمة العالمين واول العالمين وشفيع العالمين. انتبه أن تنقص من اهل الله فربما هي عداوة لله ومن عادى لي وليا…انتبه. وعلل الأفهام أشد من علل الأجسام.

قال تعالى”وَمَا كَانَ لِبَشَرٍأَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّاوَحْيًا أَوْ مِن وَرَاىءِ حِجَابٍ أَوْيُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ”وعمم بقوله لبشر،ولم يقل(لنبي) ومن هنا جاءت إلهامات الصوفية وعلومهم اللدنية ،أذواق تلقى في قلوبهم من غير بحث ولا نقل ولاعقل فافهم.

قال تعالى”وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّمَرَّالسَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ”ومن منا رآها تمر،وتتحرك،لا أحد، ألفنا رؤيتها جامدة ،وحكمنا وافق عادتنا بها ،وهي تتحرك بنص القرءان،حَكِمنا بما اقتضاه نظرنا،وذلك عين الخطأ ،فحكمك على ظاهر الشئ لامحالة يوقعك في الغلط والتحليل الغيرالصائب.قال تعالى”وتحسبهم ايقاظا وهم رقود’‘ تراهم أيقاظا،هذا حكمك الظاهر،وهم في حقيقة الامررقود.

 فلا تعاند،ولا تجاحد،وسلم تسلم.وتغنم.ولا تسيء الظن تؤثم.

فهناك جاهل يدري أنه جاهل،وهناك جاهل لايدري أنه جاهل،وهنا يكمن الخطر

فإن كان ولابد فكن الأول.لقد زاد الخضرحقيقة ثانية على خرق السفينة هي قتل الغلام وزاد اعجوبة ثالثة مع انكار موسى وعدم تقبله للحقيقتين الأوليتين ؟ اذ كانتا فوق ادراك عقله.ولو كانت الحقائق لايصح افشاؤها الا لمن يقبلها لسكت الخضرعند انكارموسى الأولى،ولما زاد ثانية وثالثة.قال رسول الله (رحم الله أخي موسى،لوصبرلأرانا من عجائب علم الله عند الخضر عليه السلام) فأهل التصوف يبوحون ببعض الحقائق فمن قبلها، فهي امانة كانت له عندهم أَدوها له ”إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّواالْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا”ومن لم يستسغها فلا إثم عليه ولا يحاسب على ذلك وقد قيل :لو سكت من لا يعلم، لقل الخلاف وانعدم.


يقول اهل الله فكما لا تصح امرأة بين زوجين لا يصح مريد بين شيخين فعلى السالك ان يختار من يجمع له بين التربية والترقية، من ينقله من التخلي الى التحلي ،ومن المجاهدة الى المشاهدة ولا يتحقق ذلك الا باتباع اذكاره ومجالسته ومذاكراته والسؤال عن كل ما استعصى عنك تذوقه وصعب عليك هضمه فالتربية والسلوك يكونا حالا ومقالا واذكارا فالسلسلة الصوفية تبدأ من شيخك الى شيخه الى شيخ شيخه….هكذا الى مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعندما ينعم الله عليك بالفتح فهو منسوب للشيخ الذي رقاك الى مقام المعرفة فتقول فُتح علي على يدي شيحي فلان قدس الله سره فكل شيخ ومشربه وكل شيخ دال على الله وعلى نبيه الا وله سلوكه واوراده الخاصة وعلومه التي اخذها من الحضرة المحمدية وصلواته الخاصة وتغزلاته بالاحمدية على المحمدية (ولا شيخ يترقى في مقام شيخ اخر للوسع الالهي) وكما قلت فالشيخ الميت لايساير تجليات وفتوحات العصر الذي تعيش فيه. انتهى امره بتجلي اسمه تعالى المميت عليه وان كان من كبار العارفين تبقى بركته سارية في اتباعه ( وكان ابوهما صالحا) ولكن لاحظ له في المقامات اذ الترقي يكون بطلب من شيخك الحي الى القطب الغوث وينتظر اذنه وقبوله الترقي اذ يمكن ان يكون سالكا اخر في قطر ما ،احق به منك. اما في المقامات الكبرى كالقطبية والفردية والغوثية والختمية فالتعيين يكون مباشرة بإذن مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم

وأختم بقول الجنيد رحمه الله: الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا من اقتفى أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم واتبع سنته ولزم طريقته.

واستغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات.
وصلى الله تعالى وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى ءاله   وصحبه.

 كتبه الفقير الى عفو ربه محمد بن المبارك في غشت 2019 الموافق لذي الحجة 1440.

1٬455 : عدد الزوار