سيدي بليوط

ترجمة سيدي بليوط

هو أبو حفص عمر بن هارون المديوني المتوفى سنة 595هـ، الشهير بأبي الليوث، من أشهر صلحاء مدينة الدارالبيضاء، ويظهر من تاريخ وفاته أنه عاش في أواخر عهد المرابطين وأوائل عهد الموحدين، كما أن سنة وفاته هي نفس السنة التي توفي فيها الخليفة يعقوب المنصور بن يوسف الموحدي
يوجد ضريحه بقلب العاصمة الإقتصادية الدار البيضاء عاش راعياً للأغنام والماعز كما أنه كان يقتات على ألبانها، وتحكي الرواية أنه شيد كوخا من القش ليتعبد بداخله . يعتبر سيدي بليوط من أقدم دفيني العاصمة الإقتصادية إلى جانب سيدي علال القرواني الذي لا يبعده إلاّ ببعض أمتار . اشتهر سيدي عمر بن هارون المديوني أيضاً بترويضه للأسود ومرافقته لهم بحيث كان لا يظهر للعامة إلاّ وهو رفقة أسده .

وقد كتب عنه الأستاذ هاشم المعروفي في كتابه عبير الزهور، نقتبس منه ما يلي:

ففي إبان الطلب {أي عندما كان طالبا} سافرت الى فاس، فاغتنمت هذه الفرصة فزرت مكتبة القرويين، باحثا عن مراجع التاريخ، فعثرت على تويلف مخطوط فيه تراجم بعض الأولياء مبتور الأول والآخر، وبسبب ذلك كان مؤلفه مجهولا، وقيل لي أنه من كتب خزانة مولاي المصطفى العلوي الذي كان قاضيا بمراكش، وعند وفاته حبست زوجته الأميرة خزانته على مكتبة القرويين، ليعم النفع بها، فتصفحته فوجدت فيه ترجمة سيدي بليوط، ونقل أنه كان بالعشرة الخامسة من المائة الثامنة، وكان يحج كل عام، وكان منزله بالدارالبيضاء قرب البحر، ووادي بوسكورة، وكان يتعيش بصيد السمك، ونقل بعض من هذا الكتاب الدوحة فراجعت دوحة الناشر ابن عسكر من صلحاء القرن العاشر، فلم أجد فيه ترجمة سيدي بليوط ولا أبي الليوث، فحكمت بأنه باطل ومما يدل على بطلانه أن منزله كان بالدارالبيضاء وتاريخ وفاته كان بالمائة الثامنة، وفي هذا التاريخ كانت مدينة آنفا موجودة حيث كان هدمها سنة 912هـ والدارالبيضاء جددها السلطان سيدي محمد بن عبدالله العلوي على أنقاض مدينة آنفا القديمة سنة 1197هـ موافق 1784م

ثم وقع بيدي كتاب التشوف لأبي يعقوب يوسف التادلي المعروف بابن الزيات، فوجدت فيه ترجمة الشيخ أبي حفص عمر بن هارون المديوني {سيدي بوالليوث} وذكر أنه كان من أهل آنفا، فقال: كان عبدا صالحا اعتزل عن الناس وكان أكثر جلوسه في المقابر فيأتيه الأسد فيمسح ظهره بيده ويقول اذهب جعل الله رزقك حيث لا تضر أحدا من المسلمين فينصرف عنه

قال، وحدثني عبدالواحد بن سالم المصمودي قال: حدثنا عبدالرحمن بن اسماعيل البناني قال: زرت أبا حفص عمر {سيدي بوالليوث} وكانت عندي مخلاة فيها كتاب موطأ مالك بن أنس، وقال لي: أنت عندي ضيف ولو كان عندي خادم يقوم بك لبت عندي ولكني منقطع هنا، ثم قال لي: أحق ما قرئ كتاب الله وما في مخلاتك يعني موطأ مالك، وما رآه ولا أخبرته به

ثم قال لي: أتعرف الشيخ أبا ابراهيم الركراكي من أهل الدار؟ فقلت نعم، ثم قال لي: لم يبق من ينبغي أن يزار ببلد المصامدة غير أبي ابراهيم ولا في بلاد القبلة غير أبي موسى
ثم أخبر أن المترجم توفي سنة 595هـ وترجح عندي أنه هو سيدي بليوط أو أبي الليوث وذلك لأسباب
أولها : أنه من أهل مدينة آنـفا
ثانيا : أنه من أهل قبيلة مديونة أي أنه مديوني، والدارالبيضاء مبنية بأرض قبيلة مديونة

وأما كرامته واتصاله بالأسد ومسح ظهره بيده منقول منذ القدم عند سكان الدارالبيضاء باسم سيدي بليوط وهذه الكرامة هي التي كني بها أبوالليوث، وأن اسمه الأصلي هو ابوحفص عمر بن هارون وأنه مديوني الأصل، وأن وفاته كانت سنة 595هـ، وفي هذا القرن كان معاصرا للشيخ مولاي بوشعيب السارية الصنهاجي دفين أزمور، والشيخ سيدي أبي العباس السبتي دفين مراكش، والشيخ مولاي عبدالسلام بن مشيش الادريسي دفين جبل العلم، والشيخ مولاي بوعزة بن عبدالرحمن دفين قبيلة زمور الشلح

ولعل الأسود التي كانت تحوم حوله في خلوته ولقب من أجلها بأبي الليوث هي التي ذكرها الجغرافي الشريف الادريسي في كتابه {نزهة المشتاق} عندما تعرض في رحلته من مراكش الى اقليم تامسنا ووصف مرسى فضالة {المحمدية حاليا} فذكر أنه توجد بعدها غابة مملوءة بالأسود

ولا تزال في عصرنا الحاضر بعض مناطق الدارالبيضاء الكبرى التي كانت تكسوها الغابات قديما تحمل اسماء الحيوانات الضارية كمنطقة عين السبع وعين الذياب وعين الحلوف وغيرها

وللعلم فإن بقايا هذه الغابات لا زالت في ضواحي الدارالبيضاء وتدفعها مشاريع العمران لتضمحل عن الوجود كغابة بوسكورة وغابة كاسكاد ووادي المالح وغابة وادي نفيفيخ والغابات الساحلية والداخلية وغيرها
 
المصدر : كتاب عبير الزهور للأستاذ هاشم المعروفي

1٬743 : عدد الزوار