الذل والإنكسار

====== (الذل والإنكسار) ======

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد،صلاة تجعلني مُرتدياً الذل والإنكسار والخضوع والإفتقار،وعلى آله وصحبه.

قال الله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون): وأصل كلمة (عبودية) هو(الذلّ والخُضوع)،يُقال (طريق مُعبّد) إذا كان (مُذلّلاً بوَطْء الأقدام).

يقول الشيخ أحمد زروق:(أوصاف العبودية) أربعة وهي: (الفقر،والذلّ،والعجز،والضعف)،وتُقابلها (أوصاف الربوبية) وهي (الغنى،والعزّ،والقدرة،والقوة).وجاء في الحكم العطائية:(تَحَقّق بأوصافك،يُمِدّك بأوصافه). فمن أراد أن تُفْتَح له الأبواب كلها في وجهه فعليه بالتخلّق بأوصاف العبودية،ومن أراد أن أن تُغْلَق الأبواب كلها في وجهه فعليه بالتخلّق بأوصاف الربوبية. وقد نقل الشيخ علي الجمل،أن بعض الفقراء قال: (والله ما وجدنا العزّ حقاً إلا في الذلّ).

ويقول إبن عجيبة: (التعلّق) بأوصاف الربوبية يكون في (الباطن)،و(التحقّق) بأوصاف العبودية يكون في (الظاهر)..فمِنْ غَيْرة الحق تعالى أن (إخْتَصّ) بأوصاف الربوبية،ونَهانا عن إظهارها والتّحلّي بها،حالاًومقالاً..ففي الحديث القدسي،يقول الحق تعالى: (الكبرياء ردائي والعظمة إزاري،فمن نازعني واحداً منهما قَصَمتُه)..فإن إدّعيت ما ليس لَكَ سَلَبك ما مَلّكَك،وإذا تحقّقت بوصفك وسَلّمت له وصفه،مَنَحك ما لم يكن عندك.فكلما نَزلت بنفسك أرضاً، سَما قلبُك سماءً..

ف(التواضع) سُلّم الشّرف..وقد سُئل الجنيد عن التواضع فقال: (هو خَفْض الجناح،وكَسْر الجانب). وقال التّستُري: (أَلْزموا أنفسكم التواضع تَسْلموا من الدّعوى).

وقال أبو مدين الغوث: (لا ينفع مع الكبر عمل،ولا يَضُرّ مع التواضع بَطالة): لأن المقصود من (الطاعة)هو(الخضوع والخشوع والإنقياد والتذلّل والإنكسار)..إذ لا عِبْرة بصورة الطاعة ولا بصورة المعصية، وإنما العِبْرة بما (يَنْتُج) عنها. قال أبو مدين: (إنكسار العاصي خير من صَوْلة المُطيع). فلا يوجد في الطاعة ما يُفيد (القُرب) أكثر من (إنكسار القلب)،وهو معنى (الخشوع)..وقد جاء في الحديث القدسي: (أنا عند المُنْكسرة قلوبهم)..وقال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: (أقْرَب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) جَبْهة وقلباً..فمُنكسر القلب كلّه قُرْب،قال تعالى (أمّن يُجيب المُضْطر إذا دعاه)،فلا جرم يأخُذ بيده ويَغْمسُه في بحر رحمته..

وفي هذا السياق يقول إبن عطاء الله في حِكَمه: (رُبّ معصية أوْرَثت ذُلاً وإفتقاراً،خير من طاعة أورثت عزّاً وإستكباراً)..فما أقْرَب الجَبْر من هذا القلب المكسور،وما أدْنى النّصر والرحمة والرزق منه. وذرّة من هذا ونَفَس منه أحَبّ إلى الله من طاعات أمثال الجبال من المُعجَبين بأعمالهم وعلومهم وأحوالهم. وأحَبّ القلوب إلى الله تعالى: قلب قد تمكّنت منه هذه الكَسْرة،ومَلَكته هذه الذلّة. فقلب لا تُباشره هذه الكسرة فهو غير ساجد السجود المُراد منه..

والسالك بطريق (الذلّ والإنكسار) غريب بين الناس،يَسْبق النائم فيها على فراشه السّعاة،فيُصبح وقد قطع الطريق وسَبَق الرّكب.

ويقول سعيد النورسي: (لقد إسْتَفدت من فَيْض القرآن الكريم طريقاً قصيراً وسبيلاً سَويّاً ــ أي الطريق إلى الله والتزكية ــ هو طريق [العجز،والفقر،والشّفقة،والتفكّر] )..

ففي المنهاج الصوفي اذا لم يتصف السالك بالتواضع والافتقار،وبالذل الانكسار،ويبقى ملتفتا لماله،أولعلمه،أو لنسبه،أولشرفه يظل واقفا في مكانه مسجونا في أفكاره. قال ساداتنا الصوفية ملتفت لا يصل.

قال سيدنا علي بن ابي طالب:

كن ابن من شئت واكتسب أدباً= يُغْنِيكَ مَحْمُودُهُ عَنِ النَّسَبِ

فليس يغني الحسيب نسبته    = بلا لسانٍ له ولا أدب

إن الفتى من يقول ها أنا ذا    =  ليسَ الفَتَى مَنْ يقولُ كان أبي

وصلى الله وسلم على سيدنا ومولانا محمد،وعلى آله وصحبه.

رشيد موعشي

1٬448 : عدد الزوار