مولاي إدريس الاول

هو مولاي إدريس بن عبد الله (127 هـ/ 743م – 177هـ/793م)
إدريس بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب
أول من دخل المغرب أسس فيها عام 172هـ الدولة الإدريسية التي تعتبر ثاني دولة إسلامية مستقلة (عن الخلافة الإسلامية) في المغرب الأقصى بعد دولة الأمويين في الأندلس.
أمه: عاتكة بنت عبد الملك بن الحرث المخزومي الشاعر بن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة
لجوء مولاي إدريس بن عبد الله إلى المغرب
كان لفشل ثورة الحسين بن علي سنة 169 هـــ / 786 م نتائج سلبية على العلويين المشتركين فيها. فقد حاول العباسيون استئصالهم. ولكن يشاء القدر أن ينجو من تلك المجزرة إدريس وأخوه يحيى. واختار إدريس طريق المغرب واختياره للمغرب ليس عبثًا بل عن تخطيط مدروس فأخوه يحيى اتجه نحو الشرق، والمشرق قد كان مركز الدعوة العباسية وأكثره موال لهم، وإن ظهرت بوادر العصيان ضدهم فيبقى عباسي الولاء، ولا تنجح فيه ثورة ناهيك عن قربه من دار الخلافة بغداد، فلا بد من اختيار مكان آخر فكان المغرب، فهو من ناحية عسكرية بعيد عن الحكومة المركزية، وكان شبه ضائع بعد سقوط الأمويين 132 هـــ/ 749 م تتجاذبه الآراء والأفكار الخارجية. لقد كان شبه مستقل عن أية سلطة مركزية سواء كانت في الشرق أم في الأندلس ينتظر أي هاشمي، فكأن القدر هيأه لاستقبال إدريس. والعامل المهم الذي دفع بإدريس إلى التوجه نحو المغرب ورغبه فيه هو راشد الأوربي الذي كان من أهل النجدة والشجاعة والحزم والقوة والعقل والدين والنصيحة لآل البيت. وهنا برز إخلاص راشد لسيده إدريس، فعندما جد الهادي في طلب الحسنيين والبحث عنهم، بعث عيونه على الطرقات وجعل الرصاد في أطراف البلاد فلا يمر أحد حتى يعرف ويعلم صحة نسبه ومن أين قدم وإلى أين يسير. فجنب راشد سيده إدريس هذه الصعوبات إذ عمد إلى أسلوب التمويه فألبسه ثيابًا قديمة ممزقة. وزاد على ذلك بأن صيره كالخادم له يأمره وينهاه. وإدريس على هذه الحال غادر الحجاز بعد أن ترك أهله وماله في المدينة، مغتنمًا فرصة عودة الحجاج إلى ديارهم، فانسل مع حجاج مصر وإفريقيا متخفيا مع راشد. وركبا الاثنان البحر من ميناء ينبع إلى بلاد النوبة. ومنها تابعا السير حتى دخلا مصر.
. وصارا حتى دخلا القيروان. ثم استراحا قليلا في تلمسان.ثم غادرها إلى طنجة
وكان الاستقرار في وليلي
كان راشد لا يزال يحتفظ منذ طفولته ببعض عادات البربر والتي أخذ بعضها عن والده. فقدم سيده إلى نسيبه الذي رحب بضيفه وأكرمه. وكان إسحق رجلا مستنيرًا. أقام إدريس في ضيافته ستة أشهر أمن فيها واطمأن بانت خلالها شمائله الحميدة الموروثة عن آبائه وأجداده. فكان حليمًا كريمًا حسن الطوية صادق النية متواضعًا بليغًا متفقهًا في الإسلام. وأكب إدريس على تثقيف مضيفه وتعليمه أصول الإسلام وأحكامه، فازداد تعلق إسحق بإدريس لما رأى هذه الصفات فخلع طاعة العباسيين وبايعه بالإمامة. واغتنم مناسبة حلول شهر رمضان من ذلك العام فجمع أقاربه الأوربيين وقدم إليهم الإمام إدريس سليل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين لهم حلمه وعلمه وكمال دينه. فقالوا له: الحمد لله الذي أتانا وشرفنا بجواره فهو سيدنا ونحن عبيده نموت بين يديه. فما تريد منا؟ قال تبايعونه. قالوا سمعًا وطاعة ما منا من يتوقف عن بيعته وما يريد. فبايعوه بمدينة وليلي يوم الجمعة 4 رمضان 172 هـــ / 6 شباط 789 م على السمع والطاعة والقيام بأمره والاقتداء به في صلواتهم وغزواتهم وسائر أحكامهم. كانت قبيلة أوربة وفيرة العدد قوية الشكيمة تفرض سيطرتها على منطقة زرهون. اجتمعت حول الإمام إدريس ونصرته، ودعت القبائل المجاورة لمبايعته، فلبت الدعوة وبايعته قبيلتا مغيلة وصدينة.
بعد أن تلقى الإمام إدريس بيعة أنصاره الأوائل خطب فيهم خطبة مختصرة معبرة. نص الخطبة: وبعد حمد الله والصلاة على نبيه وآله قال: أيها الناس لا تمدوا الأعناق إلى غيرنا فإن الذي تجدونه عندنا من الحق، ولا تجدونه عند غيرنا. وكانت هذه الخطبة تفصح على إيجازها عن أهداف مولاي إدريس الذي يرى الخلافة في آل البيت حقًا. ولما انتشر نبأ مبايعة الإمام إدريس في وليلي وفدت عليه مبايعة قبائل زناتة وزواغة وسدراته وغياثة ومكناسة وغمارة وكافة البربر في المغرب الأقصى. وبعد أن بايعته هذه الجموع الغفيرة انطلق يجاهد لنشر الإسلام ومحاربة البدع الخارجية فجسد جيشًا من البربر وخرج غازيًا بلاد تامسنا، ففتح أولاً مدينة شالة ثم أتبعها بسائر البلاد وحصونها. ثم سار إلى بلاد تادلا ففتحها وبلغ ماسة. وكان أكثر سكان هذه المناطق يدينون باليهودية والنصرانية والمجوسية والإسلام بها قليل فنشره في ربوعهم. وبعد أن أتم معركة الجهاد الأولى بنجاح عاد الإمام إدريس إلى قاعدته وليلي في ذي الحجة من العام نفسه. وأقام طيلة محرم 173 هـــ / حزيران 789 م. ثم استأنف الإمام الجهاد ضد معاقل وحصون المغرب الأقصى يدين أهلها بغير الإسلام مثل فندلاوة ومديونة وبهلولة وقلاع غياثة وبلاد فازاز. ويبدو أن أكثرية السكان انقادوا للإمام إدريس بسهولة. ولم يستعمل العنف والشدة إلا مع من رفض واستكبر. وهكذا بسط الإمام إدريس سلطته على المغرب الأقصى ونشر الإسلام في ربوعه حتى إنه لم يبق فيه مكان لديانة أخرى منذ ذلك الحين. وهذا لا يعني أن الإسلام لم ينتشر في المغرب قبل الإمام إدريس. ولكن الفاتحين الأوائل اعتمدوا على الناحية العسكرية أكثر من اعتمادهم على الإقناع، فكان همهم التوسع في الفتح. أما نشر الإسلام فيأتي في المرتبة الثانية. وإن قام بعضهم بتعليم البربر مبادئ الإسلام وشرائعه، ولكنها كانت محاولة فردية تزول بزوال القائمين بها. وهذا يفسر أكثر ارتدادهم عن الإسلام بعد كل معركة ينهزم فيها العرب أمامهم. هذا وقد اعتنقوا مبادئ الخوارج. فلما جاءهم الإمام إدريس لم يكن همه الفتح بقدر ما كان نشر الإسلام. وقفل الإمام عائدًا إلى وليلي في منتصف شهر جمادى الآخرة 173 هـــ / 788 م للاستعداد لجولة جهادية جديدة، فأقام بها مدة شهر ثم نفر في منتصف رجب 173 هـــ / 8 كانون الثاني 789 م قاصدًا تلمسان في المغرب الأوسط. كانت تقيم بها قبائل مغراوة وبني يفرن الزناتيين، وأميرها محمد بن خزر من ولد صولات المغراوي. نزل الإمام خارجها فأسرع إليها أميرها عارضًا الصلح والمبايعة. واستقبله الإمام بالترحاب وأعطاه الأمان. وجرت مبايعة عامة من الأمير والسكان الذين رحبوا بالإمام وسلموه مدينتهم صلحا. وأمر بتعليم السكان القرآن وباشر بتشييد مسجد للمدينة أتى آية في الإتقان خطب له فيه. ونصب فيه منبرًا كتب عليه ( بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أمره الإمام إدريس بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي) وذلك في شهر صفر أربع وسبعين ومئة حزيران 790 م. وبعد أن اطمأن إلى أوضاع مدينة تلمسان واستقرار الأمور فيها وحسن سيرة أميرها عاد إلى عاصمته وليلي واستقر فيها.

1٬929 : عدد الزوار