الرقصة المولوية

   الرقصة المولوية   

يبدو “مَشْهد الدراويش” على المسرح “مَهيباً جَليلاً”،قطعة من الرّمْز الجميل..وتفكيك رموز هذه “اللّوحة الفنية” التي تُزيل بحركة الدوران الحاجز ما بين الموت والحياة في عُرْس جماعي،وتحتفل بدخول الإنسان واعياً غائباً،صاحياً فانياً،حياً ميتاً،في حركة دَوَران الوجود كلّه،من الذرّات إلى الأقمار والكواكب والمجرات..أقول: تفكيك هذه الرموز هو كالتالي:

(السكة)،وهي قبعة الرأس،ترمز إلى “شاهد القبر”.

و(الخرقة)،وهي العباءة السوداء،هي “رمز الدنيا”،ونلاحظ إحترام المولوية للدنيا في تَقْبيلهم العباءة عند خَلْعها،قبل الدخول إلى أرض الميدان،وإستعادتها ولبسها بعد الإنتهاء للرجوع إلى الدنيا بما إكتسبوا من حال.

و(التنّورة)،وهي الثوب الأبيض،”رمز الكَفَنّ.

و(وضعية البدن)،بإستقامة قبل البدء بالدوران،هي “رمز لإستقامة الألف”،الواحد.

و(الشيخ) رمز “الشمس” التي لا تتحرك.

و(جلوسه على فورة حمراء) إشارة إلى “لون الشمس عند المغيب”.

ونلاحظ أن الدراويش لا يَدوسون على خط معين من المكان هو (خط الإستواء) المتخيل بين عالمين.

و(نظرة الدرويش في عين الدرويش) معناها (أنت مرآتي)..

تبدأ الإحتفالية بالإنحناء أمام الشيخ تحية له،ثم في خطوة يقطعون خط الإستواء لتكريس الدخول إلى الفضاء المقدس،إلى عالم آخر.

بعد الدخول يبدأ السّير بهدوء حول المكان ثلاث مرات تحية للميدان..ثم يتقدّمون من الشيخ فيقبّل (السكة) علامة الإذن بالبدء بالدوران.

يتجه الدوران (ناحية اليسار)،بإتجاه القلب الذي هو (البيت المعمور).والرأس يميل إلى اليسار والعين تنظُر إلى القلب..لكأنه (دوران حول القلب)..الرّجْل الشمال ثابتة في مكانها،والرجل اليمين هي التي تتنقّل.وكلما حَطّ رجله اليمين في دورته على الأرض ينتظر ينابيع الحياة من الظلمات..يداه مفرودتان،اليمنى مفتوحة الكف إلى جهة العُلُوّ للإستمداد من النّعَم الإلهية،واليسرى مفتوحة الكف إلى جهة الأرض رمز العطاء ومشاركة الكل من القلب بالنّعَم.

الدرويش يمارس الدوران وهو في حال ذكر الله سبحانه،وأيضاً في حال سماع للموسيقى يوقظ في ذاكرة روحه سماع الخطاب الإلهي (ألست بربكم)..لا ينظُر حوله ولا يرى من حوله،رؤيته موجهة إلى عالمه الداخلي،حاضر مع وَجْده وحُبّه.لذا يمتنع المشاهد عن التّصْفيق لأننا في حضرة ذكر.

يرمز دوران الدرويش إلى دوران الكواكب حول الشمس،بل دوران كل جزئيات الكون حول شمسه،في حركة لولبية،حركة تكبُر وتتّسع من المركز إلى الفضاء،ومن الأرض بإتجاه السماء.

يقدم الدراويش عادة أربع وصلات من الدوران،ترمز إلى تقيّدهم ب(الشريعة والطريقة والمعرفة والحقيقة)،وتمثل أيضاً (الفصول الأربعة)..بحيث لا يمكن الإستغناء بالواحد عن الثاني..

وأنزل الآن بثوبي الأسود،رمز الدنيا،لأترك الميدان فضاء مقدساً تدور فيه التنّورة البيضاء،تحلّق بصفائها،فيتوحّد روح الدرويش وجسده في حركة واحدة نحو (الفناء والحضور) معاً…/

(الباحثة سعاد الحكيم)

1٬217 : عدد الزوار