التصوف المغربي

التصوف المغربي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي جعل لكل زمان رجال،ولكل علوم أبطال،طريقتهم مصدر إشعاع روحي،وأذواقهم منهل عذب للمعرفة والعرفان ،بهم يجدد الله الدين .قال تعالى ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ وقال رسول الله : “لكل قرن من أمتي سابقون”  .  يستوحي منهم المريد الصادق،التوحيد الخالص،والمعاني السامية،وقد جرت سنة الله في ملكه ،أن يصطفي من خلقه ذوي الهمم العالية،فيقربهم إليه،ويعلمهم من العلوم اللدنية،هؤلاء القوم ورثة أنبيائه “قال صلى الله عليه وسلم ” العلماء ورثة الانبياء” (البخاري)

التصوف أوعلم الحقائق ،أوعلم طريق الآخرة ،كما يسميه الغزالي،ينقسم إلى تصوف يعتني بالجانب السلوكي الأخلاقي،وهومايطلق عليه التصوف السني،وإلى تصوف عرفاني،ويطلق عليه ظلما التصوف الفلسفي. فإذا كان الأول شجرة فالثاني ثمارها،وإذا كان الأول فرض عين فالثاني فرض كفاية (وهذا ما أكده الشيخ احمد زروق) وإذا كان الأول إكتساب فالثاني موهبة .الأول طريقة، والثاني حقيقة،والطريقة أن تعبده ،والحقيقة أن تشهده ” فإن لم تكن تراه”

 الثاني للخاصة،ويتطلب استعدادا فطريا “كل ميسر لما خلق له”.    

وعلم التصوف هو أسمى العلوم وأرفعها،وأثبتها وأعلاها مقاما،وللآسف عامة الناس لا يعرفون عنه شيئا، بل حتى بعض المنسوبين للطرق الصوفية لا يعرفون حقيقة التصوف، فضلا عن معرفة التصوف العرفاني، لأن الشيخ الذي يربيهم ويقودهم ، لا يعرفه.

فالعلم  الحقيقي الذي ينتقل معك إلى الدارالآخرة ،وتبعث وانت موصوف به هومعرفة الله ،ومعرفة نبيه صلى الله عليه وسلم ،وهو التصوف ،أما العلوم الدنيوية فتنتهي بإنتهاء الحياة.

التجربة الصوفية،تجربة ذاتية ذوقية خاصة، لا يمكن أن تتصف بالعمومية. ولكي يحكم الباحث عليها،يجب أن يتعايش حقيقة مع الظاهرة، ويعيشها وأن يخوض غمارها وأن يسلك سبلها،وأن يتذوق طعمها حلوه ومره(وما أكثر مُره) فالماء المالح والماء العذب) كما تقول عبارة ابن الرومي صاحب المثنوي( شبيهان في الصفاء،ولا يعرف الفرق بينهما سوى صاحب الذوق ( الذوق :التمعن واستطعام المعنى) .

وما أحسن ما قال ابن عربي في كتابه التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية: التصوف صافاك الله أمره عجيب،وشأنه غريب،وسره لطيف لايُمنح لكثيف،بل لصاحب عناية وتصريف، وقول حق،وقدم صدق،له أمور وأسرار، غطى عليها إقراروإنكار. انتهى.

فالتصوف هوعلم الباطن وهو علم الحقائق وعلم اليقين.

قال زين العابدين بن الحسين بن علي  رضي الله عنهم:

      يارب جوهرعلم لو أبوح به●●لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا

ولاستحل رجال مسلمون دمي ●●يرون أقبح ماياتونه حسنا

والتصوف يعبرعن البعد الباطني للإسلام ،وأنه ليس مجرد 5صلوات يقوم بها المسلم في اليوم،وزكاة ،وصوم،وطواف،وسعي ،إنه السبيل لمعرفة الله.ومعرفة نبي الله، سيدنا محمد .

   لاتزال معاني ورسوم التصوف،قائمة في المجتمع المغربي،وإن افتقد هدفه السامي : تزكية النفس، والرُّقي بها إلى أعلى مقامات المعرفة،ومن هذه الرسوم حمل السبحة، أو وضعها في البيت أوفي السيارة (فالسبحة عنوان الذكر والذكر منشور الولاية) والصلاة على النبي جهرا،في الكثير من المساجد،وكذلك ورود كلمة يالطيف على لسان العامة،وكلمة (وصلي على النبي) (والصلا علنبي)سواء المتدين أوغير المتدين،والصلاة على النبي في الأعراس بصيغة ( الصلاة والسلام عليك يارسول الله،لا جاه إلا جاه سيدنا محمد،الله مع  الجاه العالي)، وكذلك الفرسان في المواسم والمهرجانات،يحملون معهم دليل الخيرات،والأمداح النبوية حاضرة في المناسبات سواء كانت دينية،أودنيوية أفراحا أو أتراحا. وكذا اعتقادهم البركة في الأشخاص،والأماكن والأشياء، والمياه .فما من شك أن هذه التصرفات هي بقايا تصوف مغربي،في طريقه إلى الإندثار ظاهرا،أو ربما اندثر،ولم يبق إلا بعض الطرق التي تحاول تقليد التصوف.

أما باطنا فلا تزال الصدارة الباطنية ولله الحمد، لعارفي المغرب، وجل الأغواث السابقين مغاربة ،والخير في الامة المحمدية الى ان يرث الله الارض ومن عليها..

 قال تعالى ﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾ولم يقل (فيهما) فالبركة في المغرب باطنة وظاهرة،حسية ومعنوية.

يقول ابن عربي في إحدى رسائله(رسالة الإنتصار)باب(المانع الرابع) :… فوالله لورأيت َالواصلين منا إلى عين الحقيقة ،لَفَـنـَيتَ في أول لمحة فناءك في الحق ، ففتح المغرب لا يجاريه فتح،إذ حظه من الزمان الوجودي ،الليل ،وهو المقدم في الكتاب العزيزعلى النهار،في كل موضع،وفيه كان الإسراء للأنبياء،وفيه تحصل الفوائد،وفيه يكون تجلي الحق لعباده ،وهو زمان السكون تحت مجاري الأقدار… فالحمد لله الذي جعل فَتْحَ المغرب فتح أسرار،فلا تفتضَّ أبكار الأسرار إلاعندنا، ثم تطلع عليكم في مشرقكم ثيبات قد فرضْنَ عدتهن … انتهى )رسائل ابن عربي طبعة 1997 ص 338 (

فإذا كانت النبوة بالمشرق فالولاية بالمغرب.وأكبرعدد من الأضرحة يوجد بالمغرب وهناك مدن وقرى وأحياء ،تسمى بأسماء الأولياء والعدد الكبير منها يوجد بآسفي (1000ضريح) ،ومراكش(196 ضريح) ،وفاس( أكثر من 200).

و بمدينة مكناس: 13 وليا و 12 ولية.وبمدينة طنجة 20 ضريحا وبالدار البيضاء 33ضريحا,وبمدينة القصر الكبير 75 وليا،وبمدينة فكيك 25 وليا،وبمدينة سلا  57من الرجال و12 نساء ،وبالريف 46 وليا…..

يقول الفرنسي أرمان انطونة في كتابه( كتاب معلمة المغرب) الذي كان يشغل منصب مراقب مدني لناحيتي عبدة وأحمر وذلك زمن الحماية الفرنسية سنة( 1929) : المغرب هو بلد   100000 ولي….   وأقدم الأضرحة توجد بمنطقة الشياظمة نواحي مدينة الصويرة حيث توجد سبعة أضرحة لأولياء رجراجة ،وإبنهم سيدي شاكر يوجد بنواحي الشماعية وبه كان أول اجتماع للفقراء في القرن السادس هجري  كما يحكي ذلك ابن الزيات في كتابه التشوف، وغالبية أولياء الله المغاربة هم من آل البيت النبوي، ومحبتهم وتعظيمهم هي من أعظم القربات.                                               أما ناس زماننا فهم  ينظرون إلى التصوف من ثقب  الباب،والعقل البشري العصري،أصبح عقلا مركبا كما يحتاج إلى التناسق يحتاج إلى التناقض، ولا يضر السحاب نبح الكلاب . زمننا هذا ينطبق عليه قول الله ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَيَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾ وقوله صلى الله عليه وسلم “إذا رأيتُم الناسَ قد مرَجَتْ عهودُهم،وخفَّتْ أماناتِهم ،وكانوا هكذا وشبَّك بين أصابَعه فالْزَمْ بيتَك،وأملِكْ عليك لسانَك، وخذْ بما تعرفُه،ودعْ ما تُنْكرُ،وعليك بأمْرِ خاصَّةِ نفسِك ،ودَعْ عنك أمرَ العامةِ.

 قال القشيري:

          أما الخيام فإنها كخيامهم●●وأرى نساء الحي غير نسائها

يعني أن ظاهر من انتمى إلى التصوف (الخيام) يشبه الصوفية أما باطنه ( نساء الحي) فخلاف ذلك.

عقب ابن عربي على هذا البيت بقوله، أما اليوم فلا خيام ولا نساء.  هذا في زمنهما فما بالك بزمننا هذا.خيام مصطنعة ظاهرها صواب وباطنها خراب . كالزنابير التي تجتمع وتصنع خلية ولكن لا تصنع عسل ،أي السر لا وجود له.

ولعل تعبير ابن عجيبة عند شرحه للمباحث الأصلية لسرقسطي كان أوضح حيث يقول : أن التصوف أوعلم الحقائق ومعانيه،وأذواقه،قد ذهب بذهاب أهله،وإندثر واختفى،ولم يبق منه إلا رسوم وعلمات في كتبهم تدل على ما اتصفوا به،من محاسن الأخلاق،ومكارم الشيم …. ومع ذلك فرسالة التصوف دائمة لأنه مقام الإحسان،ولن تخلو الأرض منها بإذن الله،يحملها من يحظى بلقاء أهل الأذواق في حياتهم …”اهــ.

 ويضيف ابن عجيبة : أن فساد  الوقت لايكون بذهاب أعدادهم،ولا بنقص إمدادهم،ولكن إذا فسد الوقت كان مراد الله وقوع إختفائهم مع وجود بقائهم ،فإذا كان أهل الزمان معرضين عن الله عز وجل،مؤثرين لما سوى الله، لاتنجح فيهم الموعظة،ولا تميلهم إلى الله التذكرة،لم يكونوا أهلا لظهورأولياء الله فيهم “انتهى

وأول من اختفى المجاديب ،ولم يبق لهم ظهور.

قال ابن عربي: لا راحة مع الخلق فارجع إلى الحق،فهو أولى لك فإن عاشرتهم على ماهم عليه،بعدت من الحق،وإن عاشرتهم على ما أنت عليه قتلوك، فالستر أولى لك “اهـ.

ثم اختفى اهل التحقيق ،واختفى سرهم وظهرت الزنابير تبحث عن النقود،وتأخذ العهود ، وتلسع التوحيد وتسيئ الى مقام التجريد، كل شيخ اصبح في نظر أتباعه،

غوثا .

ختما .

و بحرا لا ساحل له.دعاوي عريضة، وباطن فارغ.  

باطن فارغ  فملأ ه المقربين منه ،ونفخوه أكثر من اللازم ،ووصفه بنعوت كبيرة، كصاحب الوقت وختم الزمان…وهو يتلذذ بهذا المدح ، وينسى قوله تعالى” ليسأل الصادقين عن صدقهم” فما بال المدعين الكاذبين.

كل مريد يريد شيخا على مقاسه ،يسلك به حسب هواه،لا يكلفه لا بمجاهدة ، ولا بكثرة النوافل. شيخ له لحية طويلة، وعكازة، وعمامة، وسبحة، تقبل يداه ، لباسه ثمين و راق، يتزين لمريديه ويخرج عليهم كعروس في ليلة زفافها ،وبين يديه حاجب يذب عليه.

“إذا رأيتهم تعجبك أجسامهم“.

راحت الرسوم وبقيت المراسيم.

وكل يدعي وصلا بليلى= وليلى لا تقر لهم بذاك

اصبح التصوف بضاعة تُسَوَّق.

ولكثرة من نصَّب نفسه للمشيخة زورا، فإن ابن عطاء الله في أول حكمة ينبه إلى هذا “لا تصاحب من لا ينهضك حاله ويدلك على الله مقاله، ربما كنت مسيئا فأراك الإحسان منك،وربما أنك صاحبت من هو اسوأ حالا منك.

“وإن تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة”

صاحبت في بداية سلوكي الروحي،شيوخا أكثرهم جعجعة بدون طحين”خشب مسندة“.

ومررت من عدة طرق صوفية ولم ارى التصوف الحقيقي الذي ذكر في كتب السابقين أمثال الإحياء للغزالي أو قوت القلوب لأبي طالب المكي وكتب المحاسبي…. في ابنائها ،هم طُرُقية لا صوفية، اي يتبعون طريقة ويعتقدون في شيخ وكفى، لم يحضوا بالتربية الصوفية الحقيقية التي تهذب الاخلاق،وتميت النفس،وتصفي البواطن. يتبعون هواهم ،قلوبهم مائلة الى شهوات الدنيا من ملبس ومأكل… كل الامراض الباطنية فيهم ،وأكبرها الحسد.و الكبرياء ،والغيبة،والإسراف، والجهل بأمور الشريعة،أي “تصوف”ولم يتفقه…. ومنهم الواقف كحجرة في فم الوادي لا هي تشرب ولا تترك غيرها يشرب. يريد الوصول دون محصول

بل منهم من يعتقد في نفسه المعرفة والوصول.

يفهم كل شئ ،ويشرح كل شئ ،وينتقدك في كل شئ.

واذا وجدت خلافات بينهم،فاعلم ان التصوف غادرطريقتهم، وأصبحت صورة بلا روح. والحقائق قالت لهم ” لا كيل لكم عندي ولا تقربون”.

 فلابد في السلوك الصوفي من التأثيرالروحي،أي الشيخ الحقيقي ،ولا بد من مجاهدة النفس،من صيام النوافل ـوقيام الليل ، والعزلة ،والتقليل من الأكل ،ولابد من كثرة الذكر،ولابد من استعداد فطري خاص لايغني عنه اجتهاد أو كسب أو علوم نقلية.

فانظر ياولي في الأمور بعقلك،ولاتكن أسير تقليد أحد. يقول ابن خلدون التقليد هو احياء الموتى.

وقد أشار الشريشي إلى شروط الشيخ( المباحث الأصلية)

وللشيخ آيات إذا لم تكن له●●فماهو إلا في ليالي الهوى يسري

إذا لم يكن علم لديه بظاهر●●ولاباطن فاضرب به لجج البحر

وما أوردت هذه المسائل الاغيرة عن التصوف الحقيقي الذي هو روح الاسلام والذي توارى عن البصائر والابصار.

قال تعالى “لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون” ونحن نحب التصوف وننفق منه ففي هذه المدونة لا نبخل بشئ.

ومن كان في هذه اعمى فهو في الاخرة اعمى واضل سبيلا.

الخاتمة: قال صلى الله عليه وسلم : لا يَزَالُ أَهْلُ الْمَغْرِبِ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ”. 

تخريج حديث لا يَزَالُ أَهْلُ الْمَغْرِبِ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ    

الرواية الأولى: أخرج مسلم في «صحيحه» (1925)، وأبو عوانة (5/109-110) وأبو يعلى (783) والشاشي (1/204 رقم 159) والبزار (152 – مسند سعد) أو «البحر الزخار» (رقم 1222) في «مسانيدهم»، والدّورقي في «مسند سعد» (ص 195 رقم 116)، وابن الأعرابي في «معجمه» (1/174و3/586-587 رقم 298، 1156)، والسهمي في «تاريخ جرجان» (ص 467)، وأبو العرب في «طبقات علماء إفريقيا» (ص 10)، وأبو عمرو الداني في «الفتن» (3/740-741 رقم 362)، وأبو نعيم في «الحلية» (3/95-96) -وقال: «حديث ثابت مشهور»- من طرق عن داود بن أبي هند، عن أبي عثمان، عن سعد بن أبي وقاص، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق إلى يوم القيامة».

الرواية الثانية: أخرجها مسلم في صحيحه كما في نسخة الحميدي والأندلسيين: وقال الحميدي في جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس وقد جاء في فضل المغرب غير حديث؛ من ذلك ما أخرجه مسلم بن الحجاج في الصحيح. رواه عن يحيى بن يحيى، عن هشيم بن بشير الواسطى، عن داود بن أبي هند، عن أبي عثمان النهدى، عن سعد بن أبي وقاص: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال أهل المغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة. وهذا النص و إن كان عاماً لما يقع عليه، فللأندلس منه حظ وافر لدخولها في العموم، ومزية لتحققها بالغرب وانتهاء آخر المعمور فيه، وبعض ساحلها الغربي على البحر المحيط، وليس بعده مسلك. انتهى كلام الحميدي،والظاهر بعد تتبع الروايات فإنه قد ثبت أن في صحيح مسلم كما في النسخ الأندلسية لفظ: المغرب بدل الغرب.

وقد أخرجها أيضا أبو عوانة في مستخرجه على صحيح مسلم وأبو نعيم في الحلية و أبو عمرو الداني في الفتن وأبو العرب في طبقات علماء إفريقية وبقي بن مخلد في مسنده وعبد بن حميد من طريق شُعبة وهُشيم وعمر بن حبيب وعبد الوهاب بن الصلت، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -: لا يَزَالُ أَهْلُ الْمَغْرِبِ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ.

ورواية أبي نعيم : ” لا يزال أهل المغرب ظاهرين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة “

وفي مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل:قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ : يَكْفِي فِي أَرْجَحِيَّة مَذهَب مَالِك، كَوْنُهُ إمَامَ دَارِ الْهِجْرَةِ فِي خَيْرِ الْقُرُونِ وَمَتْبُوعَ أَهْلِ الْمَغْرِبِ الَّذِينَ لَا يَزَالُونَ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ كَمَا صَحَّ فِي الْحَدِيثِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ رِوَايَتُهُ وَعَصَمَ اللَّهُ مَذْهَبَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ ذُو هَوًى مَوْسُومًا بِالْإِمَامَةِ وَجَعَلَهُ مُقَدَّمًا عِنْدَ الْكَافَّةِ حَتَّى أَنَّ كُلَّ ذِي مَذْهَبٍ يَخْتَارُهُ بَعْدَ مَذْهَبِهِ وَجَعَلَ رُؤَسَاءَ مَذْهَبِهِ حُجَّةً.

الرواية الثالثة :طريق المغيرة بن شعبة: أخرجها أبو نعيم في معرفة الصحابة قال:حدثنا أبو بحر محمد بن الحسن ، ثنا محمد بن يونس ، ثنا عبيد الله بن موسى ، ثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم ، عن المغيرة بن شعبة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا يزال أهل الغرب ظاهرين ، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله »

قال أبو نعيم:رواه عن إسماعيل : هشيم ، ويحيى القطان ، ووكيع ، وعلي بن مسهر ، وأبو أسامة ، ويعلى بن عبيد ، ومروان بن معاوية في آخرين.

الرواية الرابعة:  طريق أنس بن مالك:

أخرحها أبو العرب في طبقات علماء إفريقية قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زَكَرِيَّاءَ الْحَفَرِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ عَوْنٍ الْخُزَاعِيُّ، قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو زَكَرِيَّاءَ الْحَفَرِيُّ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ” لا يَزَالُ عِصَابَةٌ مِنْ أُمَّتِي بِالْمَغْرِبِ يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ، لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ.

شرح الحديث من الإمام القرطبي:

قال القرطبي المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم :وقد اختلف في : من هذه الطائفة ،وأين هم ؟فقال علي بن المديني : هم العرب ، واستدل برواية من روى : (( وهم أهل الغرب )) ،وفسَّر (( الغرب )) بالدلو العظيمة . وقيل : أراد بالغرب : أهل القوة ،والشدَّة ،والحدِّ . وغرب كل شيء حدَّه . وقيل : أراد به : غرب الأرض .وهو ظاهر حديث سعد بن أبي وقاص،وسعد بن مالك. وقد روى الدارقطني في “فوائده” حديث سعد بن أبي وقاص ، وقال فيه : (( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق في المغرب حتى تقوم السَّاعة )) ، ورواه عبد بن حميد الهروي ، وقال فيه : (( لا يزال أهل المغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم السَّاعة ، أو يأتي أمر الله )). ورواه بقي بن مخلد في “مسنده” كذلك : (( لا يزال أهل المغرب )) كذلك.

وهذه الروايات تدل على بطلان التأويلات المتقدَّمة ، وعلى أن المراد به أهل المغرب في الأرض ، لكن أول المغرب بالنسبة إلى المدينة – مدينة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ – إنما هو الشام ، وآخره : حيث تنقطع الأرض من المغرب الأقصى وما بينهما ، كل ذلك يقال عليه : مغرب . فهل أراد المغرب كله ، أو أوله ؟ كل ذلك محتمل ، لا جرم قال معاذ في الحديث الآخر : (( هم أهل الشام )). ورواه الطبري وقال : (( هم ببيت المقدس )). وقال أبو بكر الطرطوشي في رسالة بعث بها إلى أقصى المغرب ، بعد أن أورد حديثًا في هذا المعنى ؛ قال- والله تعالى أعلم- : هل أرادكم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو أراد بذلك جملة أهل المغرب ؛ لما هم عليه من التمسُّك بالسُّنة والجماعة ، وطهارتهم من البدع والإحداث في الدِّين ، والاقتفاء لآثار من مضى من السَّلف الصالح ؟ والله تعالى أعلم .

أحاديث أخرى في فضل أهل المغرب، منها أنهم سيقاتلون في سبيل الله تعالى حتى يغزو الدجال في آخر الزمان:

وأخرج ابن حبان في صحيحه أخبرنا أحمد بن عبد الله بحران قال : حدثنا النفيلي قال : حدثنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الملك بن عمير : عن جابر بن سمرة قال : سألت نافع بن عتبة بن أبي وقاص قلت : حدثني هل سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يذكر الدجال ؟ قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم وعنده ناس من أهل المغرب أتوه ليسلموا عليه وعليهم الصوف فلما دنوت منه سمعته يقول 🙁 تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله عليكم ثم تغزون فارس فيفتحها الله عليكم ثم تغزون الروم فيفتحها الله عليكم ثم تغزون الدجال فيفتحه الله عليكم ) إسناده صحيح)

أخرج نعيم بن حماد في الفتن:قال:حدثنا الوليد بن مسلم عن عبد الجبار بن رشد الأزدي عن أبيه عن ربيعة القصير عن تبيع عن كعب قال: تكون بعد فتنة الشامية الشرقية هلاك الملوك وذل العرب حتى يخرج أهل المغرب.

*وأخرج ابن عبد الحكم، من طريق ابن سالم الجيشاني وسفيان بن هانئ، أن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” إنكم ستكونون إجناداً، وإن خير أجنادكم أهل المغرب؛ فاتقوا الله في القبط لا تأكلوهم أكل الحضر ” .

ما جاء في كون هذه الطائفة هم أيضا بأكناف بيت المقدس:

*أخرج أحمد بن حنبل في مسنده عن زَيْد بْنَ أَرْقَمَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا هُمْ يَا أَهْلَ الشَّامِ.

*أخرج أحمد بن حنبل في مسنده والطبري في التهذيب عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لِعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيْنَ هُمْ قَالَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. *

وفي رواية الطبري: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لعدوهم قاهرين ، لا يضرهم من خالفهم ،إلا ما أصابهم من لأواء ،فهم كالإناء بين الأكلة ،حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك » . قالوا : يا رسول الله ، وأين هم ؟ قال : ببيت المقدس ، وأكناف بيت المقدس.

*أخرج ابن خزيمة في صحيحه والطبراني وابن عساكر في تاريخ دمشق عن مرة البهزي ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين على من ناوأهم ، وهم كالإناء بين الأكلة حتى يأتي أمر الله وهم كذلك » ، قلنا : يا رسول الله وأين هم ؟ قال : « بأكناف بيت المقدس »انتهى .. تخريج الحديث منقول.

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى اله وصحبه

محمد بن المبارك

1٬323 : عدد الزوار