الصوفي حاز مرتبة الكمال

لا شك أن الصوفي المحقّق قد حاز مرتبة الكمال على التّمام،فما من مرتبة إلا حاز أكملها وأشرفها:

فأخذ من (مقام الإسلام): كمال (التقوى والإستقامة) على التمام.

وأخذ من (مقام الإيمان): تمام (الطمأنينة) وكمال (الإيقان).

وأخذ من (مقام الإحسان): أعلى المراتب،وهي (الشهود والعيان).

وقد قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي: [ أهل الدليل والبرهان (عُموم) عند أهل الشهود والعيان ]..

أخذ (أهل الظاهر) من الأعمال-أعمال الجوارح الظاهرة. وأخذ (الصوفي) أعمال القلوب الباطنة..والذرّة من أعمال القلوب أفضل من أمثال الجبال من أعمال الجوارح..

و(عبادة القلوب) هي (الفكرة،والنظرة،والرضى بما يبرُز من عنصر القدرة). فعبادة العارفين كلها مُضاعفة،ولذلك قال الشيخ أبو العباس المرسي: (أوقاتنا كلها ليلة القدر) يعني كلها خير من ألف شهر من عبادة العامة..وفي الحكم العطائية: (ما قَلّ عمل بَرز من قلب زاهد،ولا كثُر عمل برز من قلب راغب)..

وقد ضربوا للصوفي المثال ب(العناصر الأربعة) التي قامت بها الموجودات الحسيّة بإعتبار العادة،وهي: (الهواء والتراب والماء والنار)..

فالصوفي قد إجتمعت فيه العناصر الأربعة:

فهو ك(الهواء) في (رفع الهمّة وعُلو القدر).فالهواء (حار رطب)،فهو معتدل محيط بالأبدان،به يقع كمالها ونقصها.والصوفي معتدل في حركاته من غير إفراط ولا تفريط..

وهو أيضاً ك(الأرض) في (الدّنُو والتّواضع والسّهولة)،يناله البرّ والفاجر،والصغير والكبير،كما أن الأرض يطأها البر والفاجر..وله قلب مثل الأرض يُطرح  عليه كل قبيح،ولا يُخرج منه إلا كل مَليح.. وطبع الأرض (بارد يابس)،فببرودتها يقع لها المُلابسة،وبسبب يبوستها يقع لها المُماسّة.والصوفي كذلك لبرودة حركاته وليونتها يُلابسه الخلق وينتفعون به،ولوقوفه مع الحق وصلابته فيه صَحّ له الصدق..

وهو أيضاً ك(النار) في (إحراق الأوصاف الخبيثة الذميمة،وفي إقتباس الأنوار وإشتعال مصابيح القلوب).. وطبع النار (حار يابس)،مُضيء مُحرق. كذلك الصوفي لا تُفارقه الحرارة الباطنية،وهي قوّته وسخانته الناشئة عن شهود حريته الباطنية..

وهو أيضاً ك(الماء) في (الإرواء وإزالة عطش الجهل وحرارة التّعب الناشئة عن وجود الحجاب).. وطبع الماء (بارد رطب)،والصوفي كذلك،فمن برودته لا ينتصر لنفسه،ومن رطوبته لا يتكبّر على غيره..

وهذه العناصر الأربع هي التي إجتمع منها وجود العالم بإعتبار الحكمة،وهي أركانه. فالصوفي (كلية العالم) بمعانيه ومبانيه..

عن كتاب الفتوحات الالهية

رشيد موعشي

894 : عدد الزوار