لغة العارفين :لسان الباطن

     لغة العارفين :لسان الباطن

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الانبياء والمرسلين

لغة العارفين هي لغة الباطن،أولسان الحقيقة،وهي لغة الرمزوالتورية والإستغلاق  والإشارة،يعبر بها الصوفي عن المعاني والرقائق الدقيقة الباطنة وراء ظاهر الكلام. يلجؤن إليها،إما لأن اللغة العربية لاتفي بالتعبيرعن معانيهم وما يحسونه من أذواق ومواجيد،وإما ضنًا بما يقولون عمن ليسوا أهلا له.

أما لغة الظاهر،أولسان الشريعة فميدانها العقل والمنطق.                                                 الفرق بين لغة الظاهر،ولغة الباطن كالفرق بين الثلج والماء، فالثلج ظاهر،والماء باطن،والثلج غيرالماء في ظاهره،وعين الماء في حقيقته .فالتعامل مع كلام أي عارف يقتضي التعامل مع قاموسه الصوفي، لفهم أذواقه ومشربه .لهذا كان لزاما على القارئ لكتبهم أن يكون على حذر في تأويلها،وصرفها إلى غيرمرادهم فالمتصوفة عامة قد أعلنوا أنهم لا يثبتون حرفا في عبارتهم،ولا ينقصون حرفا إلا وله أثر في تحديد المعنى كما أنه يمكن أن يخالف اللغة العربية،ويستعمل الكلمة في غير استعمالها المتداول،لعدم حمل اللغة العربية المعنى الذي يهدف إليه، لأن تجربة الصوفي،تجربة روحية صادرة عن الكشف وعن الذوق، ومعرفة الصوفي أوسع من لغته.وألفاظ اللغة موضوعة أصلا للمحسوسات ،ومصبوبة في قوالب العقل والمنطق،ولذلك كانت كل كلمة عندهم رمزا استخدم لا لغرضه المألوف، لأنه لايجد الألفاظ الملائمة للغرض .ومن هنا بدا كلامهم غريبا فى بعض الأحيان ،ومن ثم صدر حكم خاطئ على معاني رموز القوم التي هي كماقال السراج الطوسي: مخزو نة تحت كلام لا يظفر به غير أهله .

يقول الغزالي في المنقد من الضلال: …” ومن أول الطريق يبتدئ المكاشفات والمشاهدات ثم يترقى في الحال إلى درجات يضيق معها نطق الناطق،ولا يحاول مُعبرٌ أن يعبرعنها إلا اشتمل لفظه على الخطإ الصريح لايمكن الإحتراز منه….”

ويقول ابن خلدون في مقدمته :” …وقصرت مدارك من لم يشاركهم في طريقهم عن فهم أذواقهم ..”.

 يقول النفري “كلما اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة “.ويقول ابن عربي “أن قوالب ألفاظ الكلمات لا تحمل عبارة معاني الحالات.

 يقول القشيري:” قصدوا إلى استعمال الألفاظ التي يكشفون بها عن معانيهم لأنفسهم غيرة منهم على أسرارهم،أن تشيع في غير أهلها”.

ويقول جلال الدين الرومي : وإذا كان هذا النفر صنفا خاصا من الخلق فقد جعل الحق سبحانه كلامهم صنفا خاصا من الكلام(كتاب فيه ما فيه).

هناك رمز صوفي اصطلاحي مشترك،وهناك اصطلاحات رمزية خاصة بصوفي بعينه،لذلك قَـلَّما تجد صوفيا يرث تجربة أو لغة صوفي آخر،بل الكل يعبرعن حاله وعن تجربته الخاصة.وهذا ليس خاصا بالصوفية بل العلوم الآخرى، كذلك لها مصطلحاتها، فكثير من الـمعادلات الرياضية تشكل لغزا لغير المختص ولا يستطيع فهمها.ومن لم يعرف مصطلاحاتهم يبدو الكلام وكأنه لاضابط له .   يقول ابن دقيق العيد: جلست مع ابن سبعين من ضحوة إلى قريب الظهر،وهو يسرد كلاما تعقل مفرداته،ولا تعقل مركباته”.انتهى .

ويحكي صاحب لطائف المنن عن العزبن عبد السلام عندما حضر درسا لشادلي،قال اسمعوا هذا الكلام الغريب القريب عهد من الله انتهى.

لأنه ليس علما مكتسبا من الكتب،وليس تقليدا، وتوليدا ولا ثمرة منطق،وليس نتيجة دراسة وبحث،وإنما هو إلهام وهبة من الله.

لقد استعمل الجيلي بعض المصطلاحات الخاصة في مؤلفاته يقول:… ” الشئ يقتضي الجمع،والأنموذج يقتضي العزة،والرقيم يقتضي الذلة، وكل من هؤلاء مستقل في عالمه سابح في فلكه.ونعني بالرقيم هنا العبد ، وبالأنموذج قطب العجائب… إلخ.

ويصل به الغموض أحيانا إلى درجة يصعب معها فهمه يقول : إن المعجب الحقيق،والطائر الحمليق الذي له ستمائة جناح وألف شوالة صحاح، الحرام لديه مباح،واسمه السفاح بن السفاح،مكتوب على أجنحته أسماء مستحسنة صورة الباء في رأسه،والألف على أجنحته،والجيم في جبينه والحاء في نحره،و باقي الحروف بين عينيه صفوف…”.اهــ

فالجيلي بلغة مطلسمة يتكلم عن الأسماء الإلهية ومقتضياتها،والباء إشارة إلى الحقيقة المحمدية،والألف يرمز به للأحدية.

يقول ابن عربي الفتوحات ج1 ص 102: فإن الألف تعطي الذات،والباء تعطي الصفة… فالجيلي يفضل الإشارة على العبارة ،والتلويح على التصريح،وهومولع بضرب الأمثال،فنجد مثال الثلج والماء في معرض كلامه على الوجهة الحقية، والوجهة الخلقية لرسول الله  صلى الله عليه وسلم وخشي الجيلي ألا يفهم كلامه فيظنوا به الظنون فقال(الإنسان الكامل) : إن كل ما أورده مؤيد بالكتاب والسنة ومن لاح له غير ذلك فليعلم أن ذلك من حيث مفهومه لا من حيث مرادي…” انتهى .            

      ومن المسميات ما تكون معدومة في نفسها موجودة في اسمها كعنقاء مغرب،فإنها لا وجود لها إلا في الإسم،وفي الإصطلاح عنقاء مغرب،هو الشئ الذي يغرب عن العقول والأفهام .
ولله ذر القائل:

             لو كنت أعلم ماتقول عَذَلتك●●ولوكنتَ تعلم ماأقول عذرتني
                 وعَلمتُ إنك جاهل فعذرتك●●لكن جَهلتَ مقالتي فعذلتني

وهذه المسألة كما أشار إليها الجيلي نبه إليها ابن عربي عندما بلغه أن بعض الفقهاء أساء فهم كلامه،في ديوانه( ترجمان الاشواق)وأنكر أن يكون من الأسرار الإلهية،وأن الشيخ يريد غزلا حقيقيا ،بفتاة حقيقية وهو ما حمل الشيخ على شرح ديوانه قال : ولم أزد فيما نظمته في هذا الجزء إلى الإيماء إلى الواردات الإلهية والتنزلات الروحية،والمناسبات العلوية جريا على طريقتنا،والله يعصم قارئ هذا الديوان من سبق خاطره إلى ما لايليق بالنفوس الأبية ،والهمم العلية ،المتعلقة بالنفوس السوية(مقدمة ترجمان الاشواق)،

ويقول في موضع آخر: “وكل من وقف على هذه الإشارات فإن كان من أهلها حصل له مراده ،وأديت واجبي ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا﴾ وإن كان من غير أهلها فليبحث عن أربابها ويتربى على يد شيخ عارف﴿ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا﴾انتهى .

يقول في موضع آخر: (تنزل الأملاك في حركات الأفلاك)وإنما قصدت ستر هذه المعاني الإلهية في هذه الألغاز الخطابية،غيرة من علماء الرسوم، وعقوبة لهم من أجل إنكارهم، كما ختم الله على قلوبهم،وعلى سمعهم،وجعل غشاوة على أبصارهم،فلم يدركوا من روائح الحقائق شمة،ولم يميزوا في قلوبهم بين اللمة واللمة.انتهى(يقصد لمة الملك ولمة الشيطان).    

          رحم الله تعالى الشيخ الاكبر،و لو حاول شخص كتابة موسوعة من 4 مجلدات كالفتوحات المكية( الطبعة الجديدة من 10 مجلدات) ويقول ما يريد كل ما يخطر بباله حتى المستحيل ولكن بشرط ألا يكرر ما يقول،وألا يتناقض لما استطاع.

       توجهت قلوب الصوفية،وهممهم إلى الله،وألقوا عنهم ما تمسك به غيرهم من دعوى البحث،والنظر الفكري،وطهروا قلوبهم من الأخلاق الذميمة،وزينوا جوارحهم بالطاعة،فعدل القوم إلى الإشارات كما عدلت مريم الصديقة،من أجل أهل الإفك إلى الإشارة.فتكلموا عن معان شاهدوها حين انفتحت عيون قلوبهم، وانطبقت عيون رؤسهم (كما تقول عبارة النفري)،ومن هنا كان علينا أن ننظر إلى كلماتهم بعين البصيرة ،والناس أعداء ماجهلوا ؟

 ورد في كتب التصوف حوار دار بين البسطامي وأحد الفقهاء المنكرين عليه حاله …قال الرجل :إن هذا الذي تقوله ليس في العلم. قال أبو يزيد: أو بلغك كل العلم ؟ قال: لا .قال :هذا في النصف الذي لم يبلغك”.

فينبغي للعاقل المنصف أن يُسَلم لهؤلاء القوم ما يخبرون به. أما قولهم :

(أوقفني  الحق معناه)(كما شرح ذلك الشيخ عفيف عفيف الدين التلمساني )أي أيقظ قابليتي لتلقي التجلي

 و(قال لي ): معناه عرفني بأن رفع حجابي فعرفت، فكأنه قال لي،ومعنى ذلك أنه حين نقرأ قول النفري أوغيره (قال لي ربي ) (أوقفني ربي بين يديه) أو(خاطبني ربي) فلا يجب أن ينصرف ذهننا إلى دعوى نبوة،وإنما هي لغة صوفية،تعبر عما يلقى في قلوبهم من الحقائق،في لحظات الصفاء الكامل فبدلا من أن يقول الواحد منهم ألقيت في قلبي هذه الحقيقة أو انقدح في ذهني هذا الخاطر،يقول (قال لي ربي) إيمانا منه بأن نبع الحقيقة وملهمها هو الله عزوعلا وحده(شرح مواقف النفري لعفيف الدين التلمساني).     

          وهذا مذهب أصحاب الوحدة المطلقة ففي هذه “الوقفة” ينفصل الصوفي تماما عن السوى،ويفنى عن نفسه،وعن كل شيء،فناء ذات الطالب في ذات المطلوب ( أي الأسماء والصفات الإلهية لا الذات الإلهية) وذلك لغلبة الوجهة الحقية عليه،وتزاحم التجليات الإلهية على قلبه فلا يشهد وجوداغير الألوهية اي أنه لا يشهد وجودا حقا غيرالله  تعالى، وكل ماسواه انعدم الإحساس به حسا ومعنى.والنفري ينفي عن نفسه الحلول والإتحاد فيقول( المواقف ص 81): وقال لي ما أنا في شئ ولا خالطت شيئا ولا حللت في شئ ولا أنا في شئ  ….انتهى.

يقول ابن عربي في فتوحاته  ج2 ص  321  :” والله سبحانه قد أمرني على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم بالنصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين،وعامّتهم خطاباً عاماً ،ثم خاطبني على الخصوص من غير واسطة غير مرّة بمكة وبدمشق ،فقال لي انصح عبادي في مبشرة أريتها فتعين على الأمرأكثر مما تعين على غيري،فالله يجعل ذلك لي من الله عناية وتشريفاً لا ابتلاء وتمحيصاً  “.

                           و يقول  في فتوحاته :… قالوا لنا،أن نسلك طريقة أخرى في فهم هذه الكلمات وذلك بأن نفرغ قلوبنا من النظر الفكري،ونجلس مع الحق تعالى بالذكر،على بساط الأدب والمراقبة والحضور والتهيئ لقبول ما يرد علينا منه تعالى،حتى يكون الحق تعالى،يتولى تعليمنا على الكشف والتحقيق لما سمعته يقول﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ﴾﴿إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلُ لَكُمْ فُرْقَاناً ﴾﴿وَقُلْ رَبِّي زِدْنِي عِلْمًا﴾ ﴿وَعَلَّمْنَاهُ مِّنْ لَدُّنَا علْمًا﴾ انتهى .

فالمتقي يتولى الله تعليمه،فلا يدخل علمه شك ولا شبهة،والمتفكر قد يصيب وقد يخطىء.وهذه العلوم أشار إليها علي بن ابي طالب رضي الله عنه وضرب صدره بيده وقال ” إن هاهنا لعلوما جمة،لو وجدت لها حملة،وقول ابي هريرة: حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ  وِعَائيْنِ فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَبَثَثْتُهُ وَأَمَّا الْآخَرُ فَلَوْ بَثَثْتُهُ قُطِعَ هَذَا الْبُلْعُومُ. وقال كذلك :إن من العلم كهيئة المكنون لايعلمه إلا العلماء بالله فإذا تكلموا به أنكره أهل الغِّرة بالله .
قال الإمام زين العابدين بن الحسين بن علي:

        يارب جوهر علم لوأبوح به ●●لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا
     لاستحل رجال مسلمون دمي●●يرون أقبح ما يأتونه حسنا

علوم لا تدرك بالتعلل والتمني،ولا وصلها الرجال بالهوينا والقصور،بل جَدُّوا واجتهدوا،لم يفتروا عن ذكر الله،وعن الصلاة على مولانا رسول الله بصيغ مختلفة نعتية، تابعة للتجليات الإلهية،وكانوا سبَّاقين لكل خير من نوافل الصلاة ، والصيام،والصدقة ،فَطِموا أنفسهم عن ثدي الشهوات فغذاهم بألبان المعرفة، تنعموا بنارالمجاهدة ،فدخلوا جنة المشاهدة. ولله ذر ابن عربي في سينيته(وهذه الأبيات مكتوبة على قبره ):

       خصصت بعلم مالم يخص مثله ●سواي من الرحمن والعرش والكرسي
       أُشهدت من علم الغيوب عجائبا●تصان عن التذكار في عالم الحس

            علوم لنافي عالم الكون قد سرت‏●من المغرب إلى مطلع الشمس‏

                 فيا عجباً أروح وأغتدي● غريباً وحيداً في الوجود بلا جنس‏

وكل علم من العلوم يتأتى للمنافق،والمشرك،والمبتدع حِفْظه ونَشْره،إذا حرص عليه لأنه نتيجة المثابرة والاجتهاد ، وثمرة العقل،إلا العلم بالله فإنه لا يتهيأ إلا لمومن فتح الله عين بصيرته،فصارت له معرفة ذوقية إلهامية باطنية﴿وَعَلَّمْنَاهُ مِّنْ لَدُّنَا علْمًا﴾ ولا شك أن مقتضى هذه الآية،مازال سار ي المفعول،لأن القرءان إستمراري. والمعرفة تعطي للإنسان اليقين وهو استقراروثبوت المعنى في النفس،ويكون في البدء علم اليقين،وهو العلم الذي لا تدخله شبهة ولا شك،ومن ثم يشهد بعينه ذلك الأمر فيكون عين اليقين،ثم يفتح الله بصيرته فيعلم علة ذلك وسببه بإعلام من الله فيكون حق اليقين . مثال :أنت تعلم بوجود الكعبة،ولكن لم تراها قط: هذا علم اليقين.إذا هيأ الله لك الأسباب وذهبت للحج أو العمرة ورأيتها:هذا عين اليقين .  إذا عرفت حقيقتها وما سرها ولما وُضعت له،وما دورها في الكون: هذا حق اليقين.        

واعلم أن الحق تعالى نسب لها القيومية كما نسبها للمال﴿وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً ﴾ وقال ﴿جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِّلنَّاسِ﴾ولفظة الناس تشمل المومن والكافر.فتدبر…
والقرءان الكريم استعمل كلمات في غير المتداول : يقول ابن عربي في الفتوحات ج1 الصفحة 130 :” فإن الإنسان ينطق بالكلام يريد به معنى واحداً مثلاً من المعاني التي يتضمنها ذلك الكلام،فإذا فسر بغير مقصود المتكلم من تلك المعاني، فإنما فسر المفسر بعض ما تعطيه قوة اللفظ وإن كان لم يصب مقصود المتكلم.ألا ترى الصحابة كيف شق عليهم قوله تعالى﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ ﴾ “بظلم” فأتى به نكرة فقالوا وأينا لم يلبس إيمانه بظلم ،فهؤلاء الصحابة وهم العرب الذين نزل القرءآن بلسانهم،ماعرفوا مقصود الحق من الآية ،والذي فهموه في الكلمةغير منكور.فقال لهم النبي “ليس الأمر كما ظننتم وإنما أراد الله بالظلم هنا ما قال لقمان لإبنه وهو يعظه﴿ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ  إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾فقوة الكلمة تعم كل ظلم،وقصد المتكلم إنما هو ظلم معين مخصوص. 

يقول في ف ح. ج1 باب صلاة الظهر :فإن مذهبي في كل ما أورده،أني لا أقصد لفظة بعينها دون غيرها مما يدل على معناها إلا لمعنى،ولا أزيد حرفا إلا لمعنى، فما في كلامي بالنظر إلى قصدي حشو،وإن تخيله الناظر فالغلط عنده في قصدي لا عندي.انتهى.

قال تعالى﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ ﴾ ومن المعلوم أن فرعون من الذين ظلموا،أما امرأته فهي مومنة،وقوله تعالى ﴿ يُرْسِلِ السَّماءَ عليكُم مِدْرَارا﴾.السماء هنا بمعنى المطر.قال تعالى﴿بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ﴾وقال﴿وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَٰذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ ﴾ فالقرءان آيات لقوم يفقهون ،وآيات لقوم يعلمون،وأيات لقوم يومنون، وآيات لقوم يتفكرون،وآيات لقوم يتقون.

أما ماجاء في السنة:

تشمت  بي : شمت أي فرح بمكروه يصيب العدو، واستخدمت بمعنى الدعاء للعاطس( تشميت العاطس)ورسول الله  هو الذي سلب منها معنى الشماتة،وأعطاها المعنى الجديد،وهذا يسمى السلب ،ونحن نستعمله في قولنا الممرض والممرضة،ومعناه في الأصل الذي يجلب المرض للناس وفي التعارف هما اللذان يداويان الناس فسلب منه المرض. 

وقوانين الإشتقاق تفلق اللغة العربية،إلى ما لانهاية ،ونعطي مثالا على ذلك: إنه من الأصل شَجُع ،لم يستخدم العرب اسم الفاعل(شاجع) مع أنه لا يوجد مايمنع من هذا الإشتقاق،فقد استخدم الجيلي في قصيدته العينية لفظة (شاجع).  

             أما التورية في كلامهم ،وهي أن تكون الكلمة تحتمل معنيين، فيستعمل المتكلم إحدى إحتماليها ويهمل الآخر،ومراده ما أهمله لاما استعمله، أي أن المعنى المراد هو المعنى البعيد،كما في قول أبي بكر الصديق عندما سُئل عن النبي صلى الله عليه وسلم  أثناء الهجرة من مكة الى المدينة :من هذا ؟ فقال :هذا يهديني الطريق،فظن السامع أنه دليله في الطريق،والمعنى البعيد المقصود هو هاديه الى الإسلام.
والشكل الثاني من أشكال التعبير الرمزي عند الصوفية، هو الشعر الصوفي ويكون فيه الإستغلاق أكبرعندما يكون الكلام بلسان الحقيقة المحمدية، كقول ابن الفارض

وروحي للأرواح روح وكل ما = ترى حسنا من فيض طينتي
ولولاي لم يوجد وجود ولم يكن = شهود ولم تعهد عهود بذمتي

(قصيدته نظم السلوك تتألف من 667 بيتا)

(وللجيلي قصيدة من540 بيتا النادرات العينية في البادرات الغيبية).
وثالث أشكال التعبيرهو الأقاصيص الصوفية كقصة حي بن يقظان لابن طفيل،وقصة يوسف وزليخا لفريد الدين العطار . فلا يظن أحد أن الصوفية نهجوا هذا النهج سترا لما في أقوالهم وأحوالهم من فساد، فهم لا يحللون حراما ولا يحرمون حلالا ،إنما هي أذواق و إشارات ومواجيد،وليسوا في مقام التشريع، ولايطلبون من أحد أن يقتدي بهم. بخلاف الصحابة الكرام الذين كانوا مشرعين وفي مقام القدوة قال صلى الله عليه وسلم ” أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم”.ولا ننكر أن في كلامهم ما هوعذب زلال،ومنه ماهو ملح أجاج ،ومنه الأسن المتغير طعمه، والعصمة في كلام الله وفي كلام نبيه صلى الله عليه وسلم.                                                                                                        

1٬114 : عدد الزوار