الــتجـــلـــيات

الــتجـــلـــيات
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد الانبياء والمرسلين
الأعراس الإلهية هي التجليات،أوالواردات بالحقائق والمعاني حين تنزل على قلب العبد،وسميت أعراسا من التعريس وهو نزول المسافرفي منزلة معلومة. التجليات الإلهية هي علة ظهورأعيان الموجودات وهي بذاتها علة المعرفة التي يقدفها الله في قلب المومن بعد أن تُجْلَى مرأة قلبه،بالطاعات والمجاهدات،وبتوجيه الهمة إلى الله تعالى وحده ،فلا يتوكل على غيره،ولايرى فاعلا سواه،فيرحل صعودا عبر مراتب الوجود حتى يصل إلى المشاهدة التامة بعين البصيرة فيستيقظ من نومه” الناس نيان وإذاماتوا اسيقظوا”والصوفي موته بموت نفسه،وغفلته برؤية السوى، فالعارف عندما يرجع إلى اليقظة لايرى إلا وجه الله وإن اختلفت الصور وتعددت المظاهر﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ﴾فهو صلى الله عليه وسلم وجه الله تعالى وكل التجليات الإلهية تمرعبر حقيقته المحمدية ليكون اللطف في الكون الإلهي.قال تعالى﴿بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ولم يقل بل أنتم في لبس من خلق جديد،فلم يشمل الخطاب سيدنا محمد فتأمل عظمة هذا النبي الكريم،

.فنحن في لبس من خلق جديد بين تجل وتجل،ولولا هذا الوسع الإلهي وهذه القيومية الإلهية ،لفنى العالم من حينه، ولايسع هذه التجليات الا قلب عبده المومن الٍذي تمرمنه وتصطحب باللطف،لأن رحمته وسعت كل شئ،حتى التجليات والأسماء الإلهية وسعتها هذه الرحمة.قال صلى الله عليه وسلم : يامقلب القلوب ثبت قلبي على دينك” وهذا الحديث يشير إلى التجليات الإلهية المتعددة ،بحيث من المحال بقاء الحال على نفسين لهذا الوسع الإلهي ولدوام إفتقار الملك الى الله تعالى، في كل لحظة،
وهذه الرحمة وسعت عالم الملك والملكوت وتحققت فيها وبها،الخلافة الكلية والجزئية،وهي التي أظهرت ما يريده الله من إيجاد الملك وأهله(لولاه لم تخرج الدنيا من العدم)
قد آرى الله مظاهرهذه التجليات لسيدنا ابراهيم قال تعالى( وكذلك نري ابراهيم ملكوت السموات والارض وليكون من الموقنين) راى االملكوت لا الملك ،الملك ظاهر للكل﴿فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ﴾لكن القمر يأفل، والشمس تأفل،ونورالله في الكون يجب أن لايغيب.فعرف أن هذه المظاهر ليست الله فقال﴿لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ﴾وعرف أن عبادة الله في مظهرمن مظاهره هو الشرك بعينه﴿يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ﴾فحفته العناية الإلهية،وعرف الله بالله،وليس بمظهرمن مظاهر تجلياته في الكون وقال﴿إنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾
فالحقيقة أم الشريعة،والشريعة من جملة الحقائق،والحقيقة مبطونة في المظاهر، كبطون الزبد في اللبن،وككمون النارفي ذاتية الماء الحار،فصورة الماء ماء، وفي الحقيقة نار تحرق،بغير أن تجانس النار الماء،ولا أن تمازجه فهي متصلة بالصفات منفصلة بالذات. إنما قرب الماء من النار كساه صفتها النارية، فصار محرقا.فلولا الهداية الإلهية لضل الله يعبد في صور تجلياته في الوجود.
وكل التجليات عائدة على اسم الجلالة الله فهذه وحدة التجليات
يقول ابن عربي :
لقدصارقلبي قابلا كل صورة●فمرعى لغزلان،ودير لرهبان
وبيت لأوثان،وكعبة طائف●وألواح توراة،ومصحف قـرآن
أدين بدين الحب أنّى توجّهت●ركائبه فالد ين ديني وإيماني
يشير إلى وحدة التجليات وأنها راجعة على ذات واحدة اسم الجلالة الله .
ومن سمع هذا الكلام يظن أن الشيخ الأكبر يقول بوحدة الأديان،فهي وحدة شهود: شهود التجليات الإلهية:
يقول في مكان اخر
عقد الخلائق في الإله عقائدا●وأنا شاهدت كل ما اعتقدوه . شاهد بعين بصيرته كيف تنفعل التجليات في الخلائق وانها هي المسيرة له لا يظهر فيه الا مقتضياتها
ويقسِّم ابن عربي التجلي الى قسمين وجودي وشهودي . يقول في التجلي الوجودي (الفتوحات ج1 ص 166 ): وتجلي الحق لكل من تجلى له من أي عالم كان ،من عالم الغيب أو الشهادة ،إنما هو من الإسم الظاهر،و أما الإسم الباطن فمن حقيقة هذه النسبة أنه لايقع فيها تجل أبدا،لافي الدنيا ولا في الاخرة. أما التجلي الشهودي :فهو التجلي العرفاني المتصل بطبيعة المعرفة باعتباره نوع من أنواع الكشف الذي يورث المعرفة. ويقول(فصوص الحكم ج1 ص 133):فلم يبق العلم الا في التجلي الإلهي،وما يكشف الحق عن أعين البصائر والأبصار من الأغطية،فتدرك الأمور قديما وحديثا،على ماهي عليه في حقائقها وأعيانها اهـ. وكذاقوله في الفتوحات ج2 ص132″….التجلي …ما ينكشف للقلوب من أنوار الغيوب..اهـــ.”.
تشاجربين الأسماء الإلهية كل يجر الى دائرته ﴿قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ﴾﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ (فاطر 15)فكل ما يفتقر إليه يصب في مقتضى اسم من الأسماء الإلهية فقر اضطراري ،لا اختيار للعبد فيه﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ :
كنار موسى رآها عين حاجته●وهو الرب ولكن ليس يدريه
يقول الجيلي :
تجلى حبيبي في مرائي جماله●ففي كل مرئى للحبيب طلائع
فلما تجلى حسنه متنوعا ●تسمى بأسماء فهن مطالع
قال ابن مشيش للشادلي حدد نظر الإيمان ترى الله قبل كل شئ وبعد كل شئ ، ومع كل شئ.فالعارفون المشاهدون للتجليات الإلهية،يرون أنفسهم بين تجل وتجل.هم بربهم ومع ربهم،لا يرون فاعلا غيره يحركهم كيف يشاء، يقولون ماذا سيفعل بنا غدا،وغيرهم يقول ماذا سأفعل غدا.وهذا هو توحيد المقربين الذين لا يرون في الكون الا الصفة (محمد أحمد)وهو المقام الذي سماه الترمذي مقام القرب، أشارإليه الشيخ ابن عربي و ذاقه كذلك الإمام الجيلي رحم الله الجميع. يقول عنه الحاتمي أنه مقام فوق مقام الصديقية،وقد أنكر الغزالي وجود هذا المقام وقال :أن رقاب الصديقين لا تتخطى. فالحق تعالى ليس بحجر،ولا شجر ،ولاشمس،ولا قمر ولا بشر،فلا وجود لوحدة الوجود ،عند أهل المعرفة والعرفان،إنما هي وحدة الشهود، شهود سريان الحقيقة المحمدية في كل جزئيات الوجود، لهذا يكون التجلي الإلهي يوم القيامة في صور المعتقدات وتكون وحدة التجليات الإلهية مشهودة لأهل الشهود .
وبنو اسرائل لما رأوا آثار الربوبية في عيسى بإحيائه الموتى ظنوا أنه الله، فتوجهوا بالعبادة إلى الله في صورة عيسى﴿إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ﴾ولهذا كان اعتذارعيسى لقومه﴿إن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾وما نفى عنهم كونهم عباد الله ،وما قال إنك شديد العقاب . ظهر عيسى ببعض أسرارالربوبية فتاه قومه،ولو كان في الإنجيل اية مثل ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَئٌ﴾ما تاه قوم عيسى.والحمد لله فلم يذهل أحد من العارفين ،إنما نسبهم الجهال إلى وحدة الوجود،والكفار أنفسهم لم يقولوا بها،لم يقولوا أن أصنامهم هي عين الله،بل قالوا﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ ﴾ فكيف يظن بأولياء الله الوقوع في هذا الكفر الظاهر.
وصلى الله وسلم وبارك عل سيدنا ومولانا محمد وعلى اله وصحبه

966 : عدد الزوار