العوالم الوجودية

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين وعلى اله وصحبه
(عالم الأشباح) هو (عالم المُلك)،و(عالم الأرواح) هو (عالم الملكوت)،ومحلّهما واحد،إذ ليس لنا إلا (وجود واحد)،لكن النظرة تختلف بإختلاف الترقي في المعرفة.
فما دام العبد مسجوناً بمحيطات حسّه،محصوراً في هيكل نفسه،فهو مُقيم في عالم الأشباح،محصور في عالم الملك،لم تُفتح له ميادين الغيوب،لم يُفرّق بين روحانية وبشرية،ولا بين حسّه ومعناه.
فإذا فتح الله بصيرته،وغاب عن حسّه ونفسه،وفِلْسه وجنسه: رأى نور الملكوت قد فاض من بحر الجبروت،فحجب شهود ذلك النور عن ظلمة الحسّ وعن رؤية الكون بشهود المُكوّن.
فالكون أصله كله نور،وإنما حجبه ظهور الحكمة فيه. فمن رأى الكون ولم يشهد النور فيه أو قبله أو معه،فقد أعوزه وجود الأنوار وحُجبت عنه شموس المعارف بحسب الآثار.
فإذا ضمّ النور إلى أصله صار الجميع نوراً واحداً وهو نور الجبروت أو (سرّ اللاّهوت)..
ف(أهل الحجاب) لا يرون إلا عالم الأشباح. و(أهل العرفان)،وهم أهل مقام الإحسان،لا يرون إلا عالم الأرواح،مع أن المحل واحد،لكن لما رَقّ حجابهم وتلطّفت بشريتهم،إستشعروا شيئاً زائداً على عالم الأشباح،وهو عالم الأرواح،ويسمى (عالم المعاني والعالم الروحاني)..وهذه المعاني لا تُدرك بالعقول،وإنما هي أذواق يُلغز إليها بإشارات المقول..ف(شموس العرفان لا تُدرك بعقل ولا حدس ولا برهان)،وإنما تدرك ببيع النفوس وبذل الأرواح،وبالخروج عما تعهده النفوس وتُحيط به العقول. فإذا صَحّ منك هذا الخروج،أدركت أنوار الملكوت متّصلة ببحر الجبروت،وصرت لا يحجبك عن الله أرض ولا سماء،وصرت أنت قطب الوجود،خليفة الله في أرضه،ونقطة دائرة كونه..وهذه إشارات لا يسلمها أهل الظاهر،وإنما يذوقها أهل الباطن،ويلغزون بينهم بها،وقد قالوا: (علمنا كله إشارة،فإذا صار عبارة خَفيَ)،ثمّ إن هذه الأمور إنما هي كشوفات تُشرق على الأرواح والأسرار،تكون (لوائح) ثم (لوامع) ثم يتّصل الشروق ويَدوم النور،حتى يقع الرّسوخ والتمكين..
فكل من جاهد نفسه في (التّخْلية) من المساوئ،و(التّحْلية) بأضدادها،زال عن نفسه (حِجاب) النفس والتّخليط،وإكتسى لباس الصفا والوفا،فكان من المقربين الذين يشربون من عين التّسنيم المختوم،ويُمزَج لغيره من أهل اللّبس والتّخليط. فمن صفا صفى له ومن خلط كدّر عليه..
رشيد موعشي

845 : عدد الزوار