المقام الابراهيمي:مقام الاقطاب

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الانبياء والمرسلين،وعلى مولاتنا الزهراء سيدة نساء العالمين،وعلى سيدتنا خديجة الكبرى ام المومنين،وعلى اله وصحبه اجمعين.
سيدنا ابراهيم عليه السلام كما اخبرنا الله تعالى عنه في القرءان اوتي رشده من قبل ان يبلغ سن الرشد،وهذا ما جعله يمر من كل المقامات،قال تعالى”اذ قال له ربه اسلم قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ” فكان حنيفا مسلما مومنا،من المصدقين المحسنين”وَنَادَيْنَاهُ أَن يَاإِبْرَاهِيمُ قَدْصَدَّقْتَ الرُّؤْيَاإِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ” وتوِّج بأعلى مقامات الاحسان:الصديقية الكبرى”وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا”وبعث نبيا رسولا. كما انه عليه السلام كان صاحب مشاهدة،فأراه الحق تعالى الملكوت”وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ”وعاين كيفية احياء الموتى”رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ”ولم يكن هذا شكاً منه.قال صلى الله عليه وسلم “نحن أحق بالشك من ابراهيم “أي لو كان الشك متطرقاً إلى ابراهيم ،لكنت أنا أحق به منه،وأنتم تعلمون أني لم أشك.فطلبه ذلك، أراد به رؤية سريان القدر في المقدور،اي الإنتقال من علم اليقين إلى عين اليقين. لهذا ارشدنا الحق تعالى ان نتخذه اسوة وأن نقتدي به”قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ”لنكون على قدمه. قال تعالى”وإذ ابتلى إبراهيم ربه” الجملة مصوغة بطريقة غيرعادية،ف(إِبْراهِيم) مفعول به مقدم (رَبُّهُ)فاعل مؤخر وابتلى فعل ماضي ،وإذ ،ظرف لما مضى من الزمان.فالجملة اخبارية ماضية ،تحقيقية ،فصارت الربوبية في هذه الاية خاصة بإبراهيم في زمانه.وبمن يرث مقامه.قال الله تعالى”إني جاعلك”باسم الفاعل الذي في حق الله تعالى ينفي الزمان،ويفيد الاستمرارية ففعله تعالى مطلق ولا يسري عليه الزمان،فصارت بذلك الإمامة الإبراهيمية مستمرة بتوالي الأزمة والعارفين.وكان سيدنا ابراهيم على معرفة بذبك لذا طلبها لذريته” قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين” (وحالفت اللغة: الظالمون)ولم يقل له، لقومك بل قال “للناس اماما”بينما رسالته كانت مقصورة على قومه،فماهي هذه الإمامة التي تخطت الأزمة وشملت سائر الناس ؟. وماهي الكلمات التي ابتلى بها إبراهيم ،ولم يستحق الإمامة إلا بعد إتمامها؟ الكلمات هي كلمة التوحيد”لا إله إلا الله”هي كلمة وكلمات، لها مقتضى ومقتضيات ،لها مبنى ومعنى،كفة ميزان بها 12 حرفا. وأتمها بكفة اخرى”محمد رسول الله “بها نفس عدد الحروف. شريعة عامة،وحقيقة خاصة ،ظهرت إمامته بمعرفة سر الكون، ومبدأه ودليله، صلى الله عليه وسلم،النبي الخاتم.فبهذه الإمامة حصل سيدنا إبراهيم عليه السلام على سماء المعرفة بالنبوة المحمدية”رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِم رَّسُولاً مِنْهُم” فكان على معرفة ببعثة هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم اذ اتاه الله علما بذلك”يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْجَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَالَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا”فمقام الصديقية الذي حازعليه،وفوقه مقام النبوة اقتضيا المعرفة بالخليفة الكلي،فاتخذه الله خليلا بالتبعية،أماالخلة فسيدنا محمد صلى الله عليه بالاصالة.قال تعالى: “واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى “والمصلى مكان الصلاة ،والفعل اتخذ ورد في رواية نافع بفتح الخاء” اتخَذوا” على وجه الإخبارعلى ان المقام الإبراهيمي الحسي ببيت الله الحرام هو محل للصلاة .وفي رواية عاصم وردت بكسر الخاء “اتخِذوا “أي بفعل الأمر،الذي يفيد الاستمرارية،هو أمرٌ للسالكين الى الله ورسوله ،بأن يتخِذوا المقام الإبراهيمي العرفاني غاية في سيرهم فهو اعلى المقامات وأرفعها،وان يتغزلوا في النبوة المحمدية ويظهروا صفاتها. فالمقام الابراهيمي،هو مقام الصلوات النعتية، والعلوم اللدنية،والنفحات البائية الأحمدية. فسيدنا ابراهيم أب الأنبياء،وبالتالي الأولياء.ليلة الإسراء والمعراج مرالنبي صلى الله عليه وسلم سيدنا إبراهيم عليه السلام وهو في السماء السابعة أي في أعلى السماوات. فدل ذلك أن المقام الإبراهيمي هوأعلى مقامات العالمين.قال تعالى “ومن يرغب عن ملة ابراهيم الا من سفه نفسه” فهذه الملة الإبراهيمية كل من حاد عنها فهو في السفاهة تائه. وجاء التعبير”بسَفِه”،وفعل سفه كما قال أهل اللغة يعني جهل،وسفه نفسه أي جهل نفسه،سفه نفْسه: حملها على السَّفَه أي الخِفَّة والطَّيش، وأهلكها. السفه كلمة تستعمل في خفة النفس،ونقصان العقل ،فملة ابراهيم هي لا اله الا الله شريعة،ومحمد رسول الله حقيقة. سفه نفسه، لأنه لم يعرف نبيه جاهل به وبحقيقته ،أما من رغب عن التوحيد فهو كافروليس بسفيه. قال تعالى”وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّىٰ “..”وَفَّى” طاعة الله وامتثال أوامره حتى ولو كانت الأوامر صادرة عبر رؤيا منامية،وفَّى الشريعة حقها،والحقيقة حقها ،ووَفَّى في الإخبار عن نبي الأول الخاتم “رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاًمِنْهُمْ يَتْلُواعَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ”.قال تعالى في سورة النجم “أم لم ينبأ بما في صحف موسى وابراهيم الذي وفَّى” ورد ذكر خاتم النبيئين في التوراة والانجيل “الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ “فكماعرف سيدنا ابراهيم محمدا رسول الله ،كذلك عرفه موسى وقومه،وعيسى عليهم الصلاة والسلام،إذ هو صلى الله عليه وسلم مذكور في توراتهم وانجيلهم ، يامروهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث…فإذا كان صلى الله عليه وسلم معروفا عند الاولين فأولى ان يعرفه كل فرد من امته “ام لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون” فمن جهل هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ما وفَّى،وكان جاهلا بنفسه، فكل قلب خلا من حب ومعرفة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس على الملة الابراهيمية الصحيحة.قال تعالى” دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ”ومن جهل محمدا فكأنما رغب عن هذه الملة ،وحق عليه قوله تعالى”وما يومن اكثرهم بالله الا وهم مشركون” فجمع لهم بين النقيضين الشرك والايمان .قال تعالى “قُلْ إِن كَانَ ءَابَآؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَٰنُكُمْ وَأَزْوَٰجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَٰلٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَٰرَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَٰكِنُ تَرْضَوْنَهَآ أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَجِهَادٍۢ فِى سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْفَٰسِقِينَ” فالاية السابقة نسبتهم الى السفه،وهذه نسبتهم الى الفسق،والحديث التالي ينفي عنهم الايمان: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين” ومن هنا يظهر لكل لبيب اريب اديب،أن معرفة النبي صلى الله عليه وسلم فرض عين على كل مسلم ،مومن ،وقد صدق صاحب المقولة”من تصوف ولم يتفقه فقد تزندق،ومن تفقه ولم يتصوف فقد تفسق،ومن جمع بينهما فقد تحقق”.والتصوف في نظرنا ليست تجويع نفسك،ولبس دِربالة، واتباع اعمى ،لدليلٍ اعمى،بل هو معرفة النبي بالقرءان ومعرفة القرءان بالنبي صلى الله عليه وسلم.وكن كيف شئت،المجاهدات النفسية والجسدية،والمالية ضرورية ليترقى مقامك.ولكن ما تفعل بالمقام اذا ليس معه معرفة لسيدنا محمد سدرة منتهى كل مقام؟. قال تعالى:إِنَّ أَوْلَى ٱلنَّاسِ بِإِبْرَٰهِيمَ لَلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ وَهَٰذَاٱلنَّبِىُّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱللَّهُ وَلِىُّ ٱلْمُؤْمِنِينَ”فأولى الناس بابراهيم”هذا النبي”بإسم الاشارة الذي يقتضي الحضور وكل من إتبع سيدنا ابراهيم وملته ،في معرفة هذا النبي الكريم شمله عطف صاحب المقام الإبراهيمي ،كل واحد لى قدر قامته،وعلى قدراعتقاده.وقدر استعداده،ومن هنا كان واجبا على كل صوفي سالك،الاعتقاد في وجود القطب، ولا يترقى ان أنكر وجوده.قال تعالى”قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَاكَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًاوَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (آل عمران). فالبيت الذي هو هدى للعالمين يجب ان يكون معه من يهدي إليه،وإذا ثبتت أولية البيت ثبتت كذلك الأولية لصاحب البيت ” قل ان كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين” هوهذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وحقيقة النبي الكريم كلها آيات بينات،وهذه الآيات المعرفية الواضحة هي المقام الإبراهيمي، قال تعالى: “فيه آيات بينات مقام إبراهيم “دون أن يفصل بينهما بحرف عطف فدل هذا على أن الآيات البينات هي المقام الإبراهيمي،وجاءت كلمة آيات وبينات محذوفة الألف لعدة وجوه: لأن ظهورالايات لا يكون دفعة واحدة، بل حسب التجليات الالهية،وحسب مقام كل عارف،لو ثبتت ألف كلمت بينات لكان معرفة الحقيقة المحمدية لا تحتاج إلى مُعرف أي الى شيخ تسلك على يديه.فادخل هذا البيت المحمدي العرفاني،تكن آمنا دنيا واخرة، فالتجلي يوم القيامة يكون في المقتضى (في الدنيا التجلي يُظهر المقتضى)وتكون المسائل مهولة وصعبة وعلى قدر معرفتك بالله وبنبيه صلى الله عليه وسلم في الدنيا تبعث يوم القيامة” وَمَن كَانَ فِى هَٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِى ٱلْاخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلًا” . فكل من دخل بيت المعرفة المحمدية آمن من الجهل والشرك الخفي ومن أهوال يوم القيامة،ومن بقي خارجه فهو غير آمن،وربما ناله شيء من السفه والفسق ونقص الايمان،ولذلك كان التعبير في آخر الآية “ومن كفر”وهذه هي أوحال التوحيد التي اشار إليها ابن مشيش. والاية بدأت ب “قل صدق الله”. قال تعالى”وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَمُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا(النساء)”ومن أحسن دينا” الكلام على مقام الإحسان “وهو محسن”ولا يتحقق المقام الإبراهيمي إلا باتباع شيخ عارف غارف. قال عليه الصلاة والسلام: “…وَإِنَّ مَثَلَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ كَمَثَلِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام….(الحديث) فافهم. وخص صلى الله عليه وسلم هذا المقام بواحد :سيدنا ابو بكررضي الله عنه هو اول من نال المقام الابراهيمي .قال صلى الله عليه وسلم” ما فضل أبو بكر بكثرة صلاة ولا بكثرة صيام، ولكن بسر وقر في صدره”.اي معرفة هذا النبي الكريم،وقال صلى الله عليه وسلم:” لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح بهم”. واذا رجعنا الى اية”وإذ ابتلى إبراهيم ربه” تأخر الفاعل ،لأن فعله استمراري ومازال صاحب المقام الابراهيمي، يتم الكلمات لتظهر المقتضيات،وتنتشر الرحمات وهو اكثر معرفة بالنبي من اهل زمانه ،وأكثر قربا منه،ومن معاني ابتلى في قواميس اللغة :عرف اِبتلَى أُمُورَ الحَيَاةِ : عَرَفَهَا ، إذَا أَحَبَّ اللهُ عَبْدًا ابْتَلاَهُ،واسم ابراهيم اسم يدل على صفة،والاسم لصاحبه(النبي ابراهيم) والصفة تورث “العلماء ورثة الانبياء”وقال تعالى”مَثَلُهُمۡ فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِۚ وَمَثَلُهُمۡ فِي ٱلۡإِنجِيلِ”وهذا من اسباب ورود اسم ابراهيم بألف محذوفة،وقال صلى الله عليه وسلم” لَيُدْرِكُ المَسِيحُ أَقْوَاماً مِثْلَكُمْ أَوْ خَيْراً مِنْكُمْ* *مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ الْمَطَرِ لَايُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ *وصلى الله على سيدنا محمد نبي الله وعلى الزهراء بَضعة رسول الله وعلى اله وصحبه. المعهد الفاطمي المحمدي.محمد بن المبارك

1٬456 : عدد الزوار