أميرالمسلمين يوسف بن تاشفين

أمير المسلمين يوسف بن تاشفين  الذي أسس أول إمبراطورية في الغرب الإسلامي.

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الانبياء والمرسلين.                                                                            أجمعت المصادر التاريخية والدراسات الحديثة للتاريخ الإسلامي على إعتبار (يوسف بن تاشفين) واحداً من العظماء الذين أحدثوا تغييراً عميقاً وتركوا أثراً كبيراً في التاريخ الإسلامي (ديناً وحضارة ووحدة)..   كما يُعتبر إبن تاشفين المؤسّس الحقيقي للدولة المرابطية،حيث إنتقل بها إلى مرحلة (التّمكين)،وقد كانت قبل ذلك (حركة دَعوية إصلاحية) نشأت على يد عبد الله بن ياسين،ثمّ إنتقلت إلى (مرحلة المغالبة) مع الأمير أبو بكر بن عمر،وبعد ذلك قام إبن تاشفين بتثبيت دعائم الدولة المرابطية ونشر الحكم الإسلامي الموحّد والمذهب السنّي في بلاد المغرب بأكمله.. لقد استطاع إنشاء ولاية إسلامية تمتد بين مملكة بجاية شرقًا إلى المحيط الأطلسي غربًا، وما بين البحر المتوسط شمالًا حتى السودان جنوبًا. ينتمي يوسف بن تاشفين لقبيلة لمتونة وهي إحدى قبائل صنهاجة الموجودة بجبل لمتونة، والتي كان لها الفضل الأكبر في انتشار المذهب المالكي في المغرب وأفريقيا والأندلس، قال ابن حزم الأندلسي: «مذهبان انتشرا في بدء أمرهما بالرياسة والسلطان، الحنفي في المشرق، والمالكي بالأندلس»  تعود أصول (يوسف بن تاشفين) إلى (قبيلة لَمتونة) أحد فروع (صنهاجة) في شمال إفريقيا(وهي قبائل أمازيغية)..وُلد إبن تاشفين سنة (400هـ) في صحراء بلاد المغرب،ولا تذكُر المصادر التاريخية شيئاً عن مكان ولادته ولا عن طفولته وشبابه،وجُلّ ما ورد في الكتابات التاريخية يتحدث عن بروز هذه الشخصية في العقد الرابع من القرن الخامس الهجري..تحدّث المؤرخون عن صفاته الخَلقية والخُلقية،فذكر الذهبي في (سير أعلام النبلاء) أنه (كان بطلاً شجاعاً شهماً عادلاً مَهيباً،كثيرالعفو،مُقرباً للعلماء.وكان أسمر نحيفاً خفيف اللحية،دقيق الصوت،سائساً،حازماً..).. 

       ويذكر إبن الخطيب أنه: (كان خائفاً لربه،كَتوماً لسرّه، كثير الدعاء والإستخارة، مُقبلاً على الصلاة،مُديماً للإستغفار..يُواصل الفقهاء،ويُعظّم العلماء،ويحُضّ على العدل،ويَصدع بالحق،ويعضدالشرع،ويحزم في المال،ويولع في الإقتصاد في الملبس والمطعم والمسكن..) .  ويُضيف صاحب (الحُلَل الموشية) في وصف إبن تاشفين: (كان رجلاً فاضلاً، خيّراً،فطناً،حاذقاً،نبيلاً،زاهداً،يأكل من عمل يده،عزيزالنفس،يميل إلى الخير والصلاح..).   

    وذكر إبراهيم حركات في (المغرب عبر التاريخ) أنه (كان معتدل القامة، أسمراللون،خفيف العارضين،أجعدالشعر،وكان كثير التواضع والقناعة والحياء، وهو ممّن تقبّل دعوة عبد الله إبن ياسين عن طواعية وإخلاص،وكانت معارفه بسيطة ولكنه كان شديد الذكاء قوي العزيمة).   وقد أجمع المؤرخون المعاصرين ليوسف بن تاشفين على (صفاته الحميدة) التي أهّلته ليبلغ تلك المنزلة الرفيعة.. إنخرط إبن تاشفين في جيش (المرابطين) بفضل نبوغه في المجال العسكري،وتفرّغ للجهاد،فإستطاع تولّي قيادة الجند وتسيير القوات المرابطية نحو الشمال قادمة من الصحراء في عهد الأمير أبو بكر بن عمر اللمتوني (يُعدّيوسف إبن تاشفين من القادة المقرّبين للأمير أبو بكر بن عمر بصفته إبن عمّه،إضافة إلى كون يوسف قائداً محنّكاً ذو مهارات عالية وشخصية فذّة)..               ففتح مدينة ماسة وتارودانت قاعدة بلاد السوس،وذلك سنة (448هـ)،وكانت هذه السنة بداية لدخول القوات المرابطية لأرض المغرب الأقصى،وكانت أيضاً بداية لبزوغ نجم إبن تاشفين كقائد للجيش المرابطي الذي فتح سجلماسة،فوُليَ إبن تاشفين عليها.. وتابع إبن تاشفين فتوحاته تحت إمرة إبن عمّه أبي بكر اللمتوني (الذيي يصفه المؤرخون بأنه كان رجلاً صالحاً ورعاً)،من أجل نشر الإسلام،لكن أبو بكر بن عمر سرعان ما رجع إلى الصحراء من أجل وقف القتال بين القبائل الصنهاجية هناك،ليترك القيادة لإبن تاشفين،فقد تمّ التراضي بين الرجلين على أن يتقاسما الجهاد:أبو بكر بن عمر يُجاهد في الجنوب،ويوسف بن تاشفين في الشمال.. وتذكُر المصادر أن إبن تاشفين تزوّج زينب النفزاوية سنة (463هـ)،بعد أن طلّقها إبن عمه أبو بكر بن عمر إثر رحيله إلى الصحراء،وكانت إمرأة مشهورة بالجمال والرئاسة،وأخبرته بأنه يملك المغرب كله،فبسطت آماله وأصلحت أحواله وأعطته الأموال الغزيرة،فجنّد الأجناد وأخذ في جمع الجيوش من البربر..وهنا يتضح أن لزوج يوسف دور في أخذ زمام الحكم بالمغرب في ظل غياب الأمير أبو بكر..                                               وعندما أدرك الأمير أبو بكر بن عمر قوة إبن تاشفين وحُسن إدارته أثناء غيابه،قرّر التنازل له عن الحكم،وذلك سنة (465هـ)..وبذلك يكون إبن تاشفين ثاني أمراء اللمتونيين..  وعندما إستقرّت أمور السلطة لصالح يوسف بن تاشفين،عمل على تأسيس مدينة تكون قاعدة لحُكمه وعاصمة لدولته الناشئة،وكانت هذه المدينة هي (مدينة مراكش) المعروفة..فصارت مراكش عاصمة للمرابطين ومركز دولتهم طول عمرها،وعاصمة لدولة الموحدين من بعدهم أيضاً..  إنطلقإبن تاشفين لإستكمال توحيد باقي المناطق الخارجة عن سيطرته في المغرب الشمالي،ولتحقيق ذلك كان لا بد من إسقاط (فاس) أكبر حواضر المغرب آنذاك..فدخل إلى فاس سنة (464هـ)..ثم سار لتحرير باقي الحصون والمدن بالمغرب الأقصى الشمالي والمغرب الأوسط،فقام بتحرير (مدينة مكناس)،وبعدها قام بغزو (مدينة تلمسان)..ولم يبقى لإبن تاشفين بالمغرب الأقصى سوى (طنجة وسبتة)،وقد جاءت ظروف تحريرهما بإرسال المعتمد بن عباد نجدة أهل الأندلس،وإشترط عليه يوسف ضرورة إخضاع كل من سبتة وطنجة،وعمل المعتمد بإرسال أسطول بحري ساعد به يوسف على فتح المدينتين..وبعد عامين تمكّن المرابطون من غزو المغرب الأوسط ودخول (تلمسان) حاضرة الزناتيين، ليمهّدوا الطريق لإفتتاح (وهران وجبل ونشريس).. ومع توالي سقوط الإمارات المتوزعة في المغرب على يد يوسف بن تاشفين، كانت بلاد (الأندلس) تعيش أوضاع أسوء من تلك التي كانت بالمغرب.. فعَبر يوسف إلى الأندلس مُلبياً دعوة أهلها،وحشد قواته مع قوات أهل الأندلس من ملوك الطوائف ليسيروا إلى لقاء الجيوش النصرانية بقيادة ألفونسو السادس،في معركة سُميت ب(الزلاقة) سنة (479هـ)،وتُعدّ هذه المعركة من المعارك الحاسمة في التاريخ الإسلامي،فوقعت الهزيمة على جيوش النصارى،ليكون بذلك قد أنقذ الأندلس من السقوط وأدام عمرها لما يُقارب أربعة قرون أخرى..  وبعد الإنتصار العظيم عاد يوسف إلى المغرب،لكن بعد سنة (481هـ) عبر مجدّداً إلى بلاد الأندلس في جوازه الثاني،وذلك إثر تفاقم مشاكل تلك البلاد من جديد..وقد تيقّن يوسف في هذا الجواز بضرورة خلع ملوك الطوائف المستمرين في نزاعاتهم وتخاذلهم عن الجهاد ضد الأعداء،بل تواطؤهم مع العدو الصليبي، مما دفع بيوسف إلى القضاء عليهم وحسم أمرهم والإقدام على ضمّ الأندلس إلى دولة المرابطين،وكان ذلك في جوازه الثالث بعد إستصراخ أهل الأندلس له وإستفتاء العلماء بوجوب القضاء على دول الطوائف وضمّ البلاد إلى حكمه.. وبذلك إستطاع يوسف توحيد بلاد (الغرب الإسلامي)على حكم مركزي واحد.. فصار يوسف أول أمير يتمكن من تحقيق وحدة كل من المغرب والأندلس في دولة واحدة كبرى،صارت من أقوى دول ذاك العصر،ومع ذلك رفض يوسف تقليد أمر الخلافة والتّسمية بلقب (أمير المؤمنين)،وعَوّض ذلك بتسمية نفسه ب(أمير المسلمين)،إعترافاً منه بالخلافة العباسية في بغداد كسلطة شرعية قائدة للعالم الإسلامي وللأمة الإسلامية،فصار يسمى ب(أمير المسلمين وناصر الدين)،كما تسمّى أيضاً ب(سلطان الغرب الإسلامي) و(أمير العدوتين) و(ملك اللمتونيين) و(زعيم المرابطين).. لكل هذا إشتهر يوسف بن تاشفين في العالم الإسلامي بأنه (سلطان مسلم عادل مُجاهد ومخلص)،وقد أثنى عليه كثيراً الإمام أبو حامد الغزالي،وعزم على التوجه إليه فوصل الإسكندرية وأخذ في الإستعداد للرحيل،لكنه علم بنبأ وفاته فعدل عن رأيه.. 

         مات يوسف بن تاشفين سنة (500هـ)،بعد أن بلغ من العمر مائة سنة،وقد عاش حياة مليئة بالجهاد والزهد والورع والتقوى،ووحدة الكلمة والصفّ ونُصرة الإسلام..مُقتدياً في ذلك بسيرة الخلفاء الراشدين (بل هناك من الباحثين من إعتبره سادس الخلفاء الراشدين) ..فإستحقّ بذلك أن يكون واحداً من أبرز أقطاب الجهاد بالمغرب الإسلامي..                وقد شهد الكثير من اهل الله بالولاية ليوسف بن تاشفين،وبلغني من احد الاصدقاء ان الشيخ العباس البودشيشي والد الشيخ حمزة رحمهما الله عند زيارته لأولياء الله السبعة بمراكش ختمها بزيارة ضريح أميرالمسلمين يوسف بن تاشفين وقال لمرافقيه لو علي، لأضفت زيارة ضريح يوسف بن تاشفين لكل من زار السبعة ،وجعلته ثامنهم

واكبر دليل على ولايته أن اخفى الله تعالى مكان قبره على الموحدين الذين جاءوا بعده اذ لوعرفوه لنبشوه

يوجد ضريحه قرب ساحة جامع الفنا وراء مسجد الكتبية بزنقة سيدي ميمون بمراكش التي تحتضن 191 وليا اضرحتهم وقبورهم معروفة .

عمر أعراب :يوسف بن تاشفين في التاريخ

                      ذ موعشي رشيد (بتصرف)

1٬067 : عدد الزوار