شرح الصلاة 11من خبيئة الأسرار

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى ال سيدنا  ومولانا محمد،ابن الشريفة القرشية.فظهر الجسم الشريف منسوبا للبشرية،وتحت تأثير المقتضيات الأسمائية﴿يأكل الطعام ويمشي  في الأسواق﴾أما النبوة فمن بحر الأحدية ﴿قد جاءكم من الله نوروكتٰب مبين﴾*إني لست كهيئتكم* كلكم من ادم،وادم من تراب* فالإصطحاب عظم قدره،ورفع ذكره،وسترأمره،فسدلت دون حقيقته الأستار،وما أدركته الأبصار*ما عرفني حقيقة غير ربي* وصحبه وسلم.

ابن الشريفة القرشية.

ولا بأس بورقة تعريفية لهذه السيدة العظيمة محبة فيها .

هي: آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. و بني زهرة بن كلاب وهم أحد بطون قريش ذات المكانة العظيمة فقد كان أبوها وهب بن عبد مناف سيد بني زهرة شرفا وحسبا، وفيه يقول الشاعر: 

يا وهب يا بن الماجد بن زهرة=سُدت كـلابـا كلهـا ابن مـرة  

ومن جهة أمها،هي كذاك عريقة الأصالة والشرف فهي ابنة برة بنت عبد العزى بن عثمان من بني عبد الدار بن قصي أحد بطون قريش ،كانت تعرف “بزهرة قريش”.  ويؤكد هذه العراقة والأصالة بالنسب اعتزاز الرسول بنسبه حيث قال: “لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الطيبة إلى الأرحام الطاهرة مصفى مهذبا، لا تتشعب شعبتان إلا كنت في خيرهما” ويقول أيضا: “أنا أنفسكم نسبا وصهرا وحسبا”.

نشأت سيدتنا آمنة في أسرة عريقة النسب،مشهود لها بالشرف والأدب، اتسمت بالبيان، وعرفت بالذكاء وطلاقة اللسان،وتعد أفضل امرأة في قريش نسباً ومكانة. ورباها عمها وهيب بن عبد مناف.

وقيل فيها إنها عندما خطبت لعبد الله بن عبد المطلب كانت حينها أفضل فتاة في قريش نسباً وموضعاً. تزوجها رضي الله عنه، وفي أول ليلة جمعتهما رأت آمنة أن شعاعاً من النور خرج منها فأضاء الدنيا من حولها حتى تراءت لها قصور بصرى في الشام وسمعت هاتفاً يقول لها: يا آمنة لقد حملتِ بسيد هذه الأمة:                        

    ولد الهدى فالكائنات ضياء =وفم الزمان تبسم وثناء                                    

الروح والملأ الملائك حوله=للدين والدنيا به بشراء                                   

    والعرش يزهو والحظيرة تزدهي =والمنتهى والدرة العصماء

سافر سيدنا عبد الله في تجارة إلى الشام وتوفي في تلك الرحلة في يثرب. وبعد ست سنوات من وفاته وبينما هي عائدة من زيارة قبرعبد الله وأخـواله بني عدي بني النجارـأدركها المرض وتوفيت بالأبواء بين مكة والمدينة المنورة.

واعلم حقيقة العبودية تقتضي طاعة المعبود ومحبته،والخلق لا يصلون الى كمال محبته وطاعته، لضعفهم الذاتي”خلق الانسان ضعيفا”فجاءت الرسالة بشرا مثلهم مولود من أم وأب ،واسطة بين حضرتين، لانسبة بينهما ولامجانسة ،يتعذر تواصلهما:حضرة الربوبية وحضرة المربوبية،فبلغت هذه الرسالة الطرف الخلقي انباء الطرف الحقي.

قال تعالى ” لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِی رَسُولِ من أنْفُسكم “وفي قراءة “من أَنْفَسِكم” وقال تعالى(لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِی رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَة لِّمَن كَانَ یَرۡجُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلۡیَوۡمَ ٱلۡـَٔاخِرَوَذَكَرَٱللَّهَ كَثِیرا).. فالتأسي به صلى الله عليه وسلم في بساط الشريعة هوما تعنون عنه كلمة(إِسۡوَةٌ) بكسر الألف.أما الإستمداد منه صلى الله عليه وسلم في بساط الحقيقة فهو ما تعنون عنه كلمة(أُسۡوَةٌ) بالرفع ،وهي لأولياء الله الصالحين. فباتصافه صلى الله عليه وسلم بالبشرية عرف صلى الله عليه وسلم الخلائق بالخالق ،وعرف متطلبتنا ،وحل اليُسر والتخفيف .

فظهر الجسم الشريف منسوبا للبشرية،وتحت تأثير المقتضيات الأسمائية﴿يأكل الطعام ويمشي  في الأسواق﴾.ولد بين أظهريهم وعرف أهل مكة انه صلى الله عليه وسلم ابن امراة من قريش كانت تأكل القديد،بشرا مثلهم “يأكل الطعام ويمشي في الاسواق” وهو في الحقيقة شخصية بشرية عظيمة متعددة الجوانب والمواقف فقد رعى الغنم،وتاجر،وسافر،وتزوج،وولد.فكان الأب والصديق والتاجر،والامين،والطبيب،والمربي،والقائد العسكري ،والقاضي. وأقام الله تعالي رسوله مقام المخرج من وطنه، ومن مات له ولد ومن أتهم في عرض أحب الناس اليه وحاول أعداؤه اغتياله مرارا (14 مرة تقريبا)وأتهم بالجنون والكذب، والسحر،والافتراء والشعر .ونشأ يتيما وجاع ،وضرب وسحر،وسُمَّ، وخاصم ،وصالح وعاهد، وكاتب الملوك ،وأرسل البعوث واستقبل الوفود .فكان هذا الجسم الشريف تحت تأثير المقتضيات الأسمائية فاستوعبت حياته صلى الله عليه وسلم،أحوال البشرجميعا ،وفي كل حال من الاحوال كان مولانا رسول الله ،المثل الاعلى للبشر والقدوة المثلى لهم إذ إليه يرجع الكمال في كل شئ فهو الإنسان الكامل على الاطلاق .

ولله در القائل :

فإن قدر رسول الله ليس له =حد فيعرب عنه ناطق بفم

وفي حقيقة الأمرعند أهل الله العارفين،هذه الوجهة وإن كان ظاهرها خلقي فباطنها حقي،قال بعضهم في هذا المعنى :         

  ولطف الأواني في الـحقيقة تابع *للطف المعاني والمعاني بها تسمو.                   

        المراد بالمعاني باطنه اللاهوتي ،وبالأواني،ظاهره الناسوتي،الذي من مقتضى الأسـماء،والذي هو تابع في حقيقة الأمرللباطن،أي ارتسم نورالنبوة في الظاهرمن يوم ولادته،أي زيد نبيا،وسـمى ذلك بالمتابعة.فالظاهر كذلك لاهوتي.قال صلى الله عليه وسلم *إني لست كهيئتكم إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقين* (الحديث) *تنام عيناي ولا ينام قلبي*. لم يكن له ظل،يرى من خلف كما يرى من أمام*إني أراكم من وراء ظهري* ليس له كثافة بشرية،لأنه نور محض،ولكي لايعبد من دون الله، كان يتظاهر بمقتضيات البشرية .

وكان الصديق إذا رأه يقول:

أمين مصطفى بالخير يدعو= كضوء البدر زايله الظلام

وكان عمر ينشد قول زهير:

لو كنت من شئ سوى البشر= كنت المنير لليلة البدر

قال ابي بكر الهذلي :

       وإذا نظرت إلى أسرة وجهه =برقت كبرق العارض المتهلل

وقال حسان بن ثابت:

لما رأيت أنواره سطعت =وضعت من خيفتي كفي على بصري

خوفاً على بصري من حسن صورته=فلـست أنظره إلّاعـلى قدرٍ

 روح من النورفي جسم من القمر=كحلية نسجت بالأنجم الزهرِ

سُمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وهويقول ويبكي بأبي أنت وأمي يارسول الله، لولم تجالس إلاكفؤا لك ما جالستنا ولولم تنكح إلاكفوة لك ما نكحت إلينا ولو لم تؤاكل إلا كفوة لك ما آكلتنا ولبست الصوف وركبت الحمار ووضعت الطعام بالأرض ولعقت أصابعك تواضعا منك صلى الله عليك إهـ.  

ﺫﻛﺮ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺍﻟﺮُّﺳَّﺎﻉ ﻓﻲ ﺗُﺤْﻔَﺔِ ﺍﻷﺧﻴﺎﺭ،ﻓﻲ ﻓﻀﻞ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺒﻲ صلى الله عليه وسلم،ﺃَﺛَﺮًﺍ ﻋﺠﻴﺒﺎ،ﻋﻦ ﺍﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﻭﺍﺑﻦ ﻋﻤﺮ،ﻭﺃﺑﻲ ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﺨﺪﺭﻱ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻢ، ﻗﺎﻟﻮ : ﺻﻠَّﻰ ﺑِﻨَﺎ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺻَﻼﺓَ ﺍﻟﻔَﺠْﺮِ،ﻓﻠﻤﺎ ﻓﺮﻍ ﻣﻦ ﺻﻼﺗﻪ، ﺃَﻗْﺒَﻞَ ﺑِﻮَﺟْﻬِﻪِ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺎﺱ،ﻭَﺃَﺳْﻨَﺪَ ﻇَﻬْﺮَﻩُ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤِﺤْﺮَﺍﺏ،ﻭَﻭَﺟْﻬُﻪُ ﻳَﺘَﻸْﻷُ ﻧُﻮﺭًﺍ،ﻓﻘﺎﻝ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ:ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ،ﻣﺎ ﺃﺣﺴﻦ ﻭﺟﻬﻚ،ﻭﻣﺎ ﺃَﺣْﻠَﻰ ﻣَﻨْﻄِﻘَﻚَ، ﻭَﺃَﺻْﺪَﻕَﺣﺪﻳﺜﻚ،ﻭَﺃَﺭْﺃَﻑَ ﻣَﻮَﺩَّﺗَﻚَ،ﻭﺃَﻋْﻘَﻠَﻚَ ﻭﺃَﻟْﻴَﻦَ ﻣُﻌَﺎﺷَﺮَﺗَﻚَ،ﻭﺃﺣﺴﻦ ﺑﺸﺎﺷﺘﻚ،ﻭﺃﺯﻳﻦ ﻣُﺨَﺎﻟَﻄَﺘَﻚَ ﻋِﻨﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻋﻨﺪ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻓﻘﺎﻝ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ :ﻳﺎﻋﻤﺮ،ﺃﺗﺪﺭﻱ ﻣﻦ ﺃﻧﺎ؟ ﺃﻧﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺷْﺘَﻖَّ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﺳْﻤِﻲ ﻣﻦ ﺍﺳﻤِﻪ،ﻓﺎﻟﻠﻪ ﻣﺤﻤﻮﺩ،ﻭﺃﻧﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﻭﻻﻓﺨﺮ.

ياﻋﻤﺮ، ﺃﺗﺪﺭﻱ ﻣﻦ ﺃﻧﺎ؟ ﺃﻧﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﺧَﻠﻖَ ﻧُﻮﺭﻱ ﺃﻭﻝ ﻛﻞ ﺷﻰﺀ،ﻓﺴﺠﺪ ﻟﻠﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ، ﻓﺒﻘﻲ ﻓﻲ ﺳﺠﻮﺩﻩ ﺳﺒﻌﻤﺎﺋﺔ ﻋﺎﻡ، ﻓﺄﻭﻝ ﺷﻲﺀ ﺳﺠﺪ ﻟﻠﻪ ﻧﻮﺭﻱ ﻭﻻ ﻓﺨﺮ ﻳﺎﻋﻤﺮ، ﺃﺗﺪﺭﻱ ﻣﻦ ﺃﻧﺎ؟ ﺃﻧﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﺧﻠﻖ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻌﺮﺵ ﻣﻦ ﻧﻮﺭﻱ، ﻓَﺎﺿْﻄَﺮﺏَ،ﻭﻟَﻢْ ﻳَﺴْﻜُﻦْ ﺣﺘﻰ ﻛﺘﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﺳﻤﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻣﻊ ﺍﺳﻤﻲ، ﻓﻜﺘﺐ ﻋﻠﻰ ﺳﺎﻕ ﺍﻟﻌﺮﺵ،ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﺤﻤﺪ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ،ﻓﺴﻜﻦ، ﻭﺫﻟﻚ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﺨﻠﻖ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﺑﺄﻟﻔﻲ ﻋﺎﻡ ﻭﻻﻓﺨﺮ.ﻳﺎ ﻋﻤﺮ،ﺃﺗﺪﺭﻱ ﻣﻦ ﺃﻧﺎ؟ ﺃﻧﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﻋَﺮَّﻑَ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﺑﻔﻀﻠﻲ، ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﺴﻤﻌﻮﺍ ﺑﺬﻛﺮﺁﺩﻡ ﺑﺎﺛﻨﻲ ﻋﺸﺮ ﺃﻟﻒ ﻋﺎﻡ ﻭﻻ ﻓﺨﺮ.ﻳﺎ ﻋﻤﺮ،ﺃﺗﺪﺭﻱ ﻣﻦ ﺃﻧﺎ؟ ﺃﻧﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﺧﻠﻖ اﻟﻠﻪ ﺁﺩﻡ ﻭﺫﺭﻳﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﺣﺮﻭﻑ ﻫﺠﺎﺀ ﺍﺳﻤﻲ ﻭﻻ ﻓﺨﺮ.ﻳﺎ ﻋﻤﺮ،ﺃﺗﺪﺭﻱ ﻣﻦ ﺃﻧﺎ؟ ﺃﻧﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻣﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﺑﺎﻟﺴﺠﻮﺩ ﻵﺩﻡ، ﺇﺫ ﻛﻨﺖ ﻓﻲ ﺻﻠﺒﻪ ﺗﻌﻈﻴﻤﺎ ﻭﺍﺣﺘﺮﺍﻣﺎ ﻭﻻﻓﺨﺮ.ﻳﺎﻋﻤﺮ،ﺃﺗﺪﺭﻱ ﻣﻦ ﺃﻧﺎ؟ ﺃﻧﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﺑﺎﺩﺭﺕ ﺑﺎﻟﺠﻮﺍﺏ، ﺣﻴﻦ ﺃﺧﺬ ﺭَﺑُّﻚَ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﺁﺩﻡ ﻣﻦ ﻇﻬﻮﺭﻫﻢ ﺫﺭﻳﺎﺗﻬﻢ، ﻭﺃﺷﻬﺪﻫﻢ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ،ﺃﻟﺴﺖ ﺑﺮﺑﻜﻢ،ﻓَﻘُﻠْﺖُ ﺑﻠﻰ، ﺃﻧﺖ ﺭَﺑُّﻨَﺎ، ﻓﺎﺳﺘﺤﺴﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﺫﻟﻚ ﻣﻨﻲ ﻭﻻﻓﺨﺮ.ﻳﺎﻋﻤﺮ،ﺃﺗﺪﺭﻱ ﻣﻦ ﺃﻧﺎ؟ ﺃﻧﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺧﺬ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻴﺜﺎﻕ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ ﻭﺍﻟﺮﺳﻞ ﺑﺈﻗﺮﺍﺭﻫﻢ ﺑﻨﺒﻮﺗﻲ ﻭﻓﻀﻠﻲ ﻭﻻ ﻓﺨﺮ.ﻳﺎﻋﻤﺮ ﺃﺗﺪﺭﻱ ﻣﻦ ﺃﻧﺎ؟ ﺃنا ﺍﻟﺬﻱ ﻣﻦ ﺃﺟﻠﻲ، ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻟﻠﻨﺎﺭ: ﻛﻮﻧﻲ ﺑﺮﺩﺍ ﻭﺳﻼﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﺇﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﺇﺫ ﻛُﻨْﺖَ ﻓﻲ ﺻُﻠْﺒِﻪِ ﻭﻻ ﻓﺨﺮ.ﻳﺎ ﻋﻤﺮ ﺃﺗﺪﺭﻱ ﻣﻦ ﺃﻧﺎ؟ ﺃﻧﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﺑﻌﺜﻨﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﺎﻟﺤﻖ ﻭَﻋَﻤِﻠْﺖُ ﺑﻪ، ﻭَﺿَﺮَﺑْﺖُ ﺑﺎﻟﺤﺴﺎﻡ ﺍﻟﻤﻠﺜﻮﻡ ﺣﺘﻰ ﻋَﻠَﻰ ﻗﻮﻝ ﻻﺇﻟﻪ ﺇﻻﺍﻟﻠﻪ، ﻭﻻﻓﺨﺮ.ﻳﺎ ﻋﻤﺮ،ﺃﺗﺪﺭﻱ ﻣﻦ ﺃﻧﺎ؟ ﺃﻧﺎ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﺍﻟﻘُﺮَﺷِﻲ ﺍﻟﻬﺎﺷﻤﻲ،ﺍﻟﺒﺸﻴﺮ ﺍﻟﻨﺬﻳﺮ، ﺍﻟﺴﺮﺍﺝ ﺍﻟﻤﻨﻴﺮ ﻭﻻﻓﺨﺮ.ﻳﺎ ﻋﻤﺮ ﺃﺗﺪﺭﻱ ﻣﻦ ﺃﻧﺎ؟ ﺃﻧﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ،ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻤﻄﻠﺐ ﺑﻦ ﻫﺎﺷﻢ ﻭﻻﻓﺨﺮ.ﻳﺎﻋﻤﺮﺃﺗﺪﺭﻱ ﻣﻦ ﺃﻧﺎ؟ ﺃﻧﺎﺍﻟﺬﻱ ﺣﺮﻡ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ ﻭﺍﻟﻤﺮﺳﻠﻴﻦ،ﺣﺘﻰ ﺃﺩﺧﻠﻬﺎ ﺃﻧﺎ ﻭﺃﻣﺘﻲ ﻭﻻ ﻓﺨﺮ.ﻳﺎ ﻋﻤﺮ ﺃﺗﺪﺭﻱ ﻣﻦ ﺃﻧﺎ؟ ﺃﻧﺎ ﻣﺤﻤﺪ،ﻃِﺐْ ﻧﻔﺴﺎ ﻭﻗﺮﻋﻴﻨﺎ، ﻓﺄﻧﺖ ﻣﻦ ﺭﻓﻘﺎﺋﻲ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ.انتهى.

قال سيدي عبد الحي الكتاني روح الله روحه:(فَمَا أَكَلَ وَلاَشَرِبَ وَلاَجَامَعَ إِلاَّ لَنَا. فَلَوْ لَمْ يَاكُلْ لَعَاشَ. وَلَوْ لَمْ يَشْرَبْ لَسَاغَ طَعَامُهُ الأَلَذُّ وَرَيّاً مَاشٍ. فَاجْتَمَعَتْ فِيهِ الأَضْدَادُ إنتهى.

أما النبوة فمن بحر الأحدية﴿قد جاءكم من الله نوروكتٰب مبين﴾*إني لست كهيئتكم* كلكم من ادم، وادم من تراب*

بساط الأحدية لاحظ للمخلوق فيه،ولاتجل به قطعا،بإجماع جميع العارفين.فهي حضرة سحق ومحق،من مقتضاها النقطة النورانية، والفيضة القرءانية.جاء نعت بحرالأحدية ليفيد الإطلاقية، فالأحدية أعلامرتبة وجودية،لاتعلق لها بالخلقية،ولا تجل بها بالكلية.نور النبوة برق من الأحدية ،وإليه الإشارة في الآية(قد جاءكم من الله نور)نورنبوة سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله.النبوة هي ياقوتة الأحدية،وجوهرة العندية .

وكلمة “كتٰب”وردت محذوف ألف إشارة لتحقق ظهورالمقتضيات تدريجيا،وتلك من مظاهرالرحمة النبوية.وللسائل ان يسأل( قد جاءكم من الله نور وكتٰب مبين)ما سر تقديم :النور على الكتٰب ؟النور هو نورالنبوة،والكتٰب هو القرآن فكان تقديم النبوة لأنها جمال محض،وذُكرالكتب بعدها،لأن القرآن جمال وجلال ،ومن رحمة الله بنا أن كان ظهور الجمال قبل الجلال (رحمتي سبقت غضبي)

فالإصطحاب عظّم قدره، ورفع ذكره، وستر أمره.

سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالاصطحاب جمع بين ضدين :وجهته الحقية من مقتضى الأحدية ،ووجهته الخلقية من مقتضى الأسماء التشاجرية.

وإصطحاب النبوة مع الاسم الجامع الله ومع باقي الأسماء والصفات الإلهية هي من مظاهرتعظيم قدره صلى الله عليه وسلم ..فحيثما كانت التجليات الإلهية إلاوالنبوة حاضرة،وشاهدة، لوجود كمال استخلافها وقيوميتها على العالمين،

ومن كمال الرفعة انْ لبِسَتِ النبوةُ المحمدية،حُلل الأسماء الإلهية: فاتصفت بالغنى “وما نقموا إلا أن أغنيٰهم الله ورسوله من فضله”(ولم يقل من فضلهما)لها الإستجابة “إستجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم “(ولم يقل إذا دعوكما) لها الإنعام أو النعمة :”وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه” لها القضاء :” ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما”(ولم يقل ويسلموا سلاما بل السلام مع تسليم الأمور له) لها الرضى”والله ورسوله أحق أن يرضوه “(ولم يقل يرضوهما)وقرن براءته تعالى ببراءته قال تعالى”براءة من الله ورسوله ومحاربة الله بمحاربته، قال تعالى” إن الذين يحاربون الله ورسوله”..

فكان من مظاهر هاته الرفعة : اقتران إسمه صلى الله عليه وسلم باسم الله ،فكلما ذُكر الله تعالى ،ذكر حبيبه صلى الله عليه وسلم معه،بل إن هذا الاقتران نفسه جُعِل شرطا في الايمان وعنوانا للرسالة وبابا للدخول بكلمة الشهادة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) لا حرف بين إسم الجلالة والاسم الشريف محمد (الله محمد) وفي الاذان ،وفي جلوس التشهد في الصلاة بصفة الحضور :السلام عليك أيها النبي…الى غير ذلك.قال تعالى”ورفعنا لك ذكرك” وانتبه يا ولي :ما قال الحق (ورفعنا ذكرك) بل خصصها ب (لك) تفريدا له صلى الله عليه وسلم وتمييزا وزياده في التعظيم و رفع الشأن..لك لا لغيرك، فأصبح مجهولا عند كل العوالم “ماعرفني حقيقة غير ربي”. فسدلت دون حقيقته الأستار وما أدركته الأبصار.. .فافهم يا ولي قدرعظمة شأن نبيك سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم.

فسدلت دون حقيقته الأستار.. الأوعية و القوابل التي تستوعب الأسرار والحقائق ليست كلها على مستوى واحد من القوة : فمهما وصلت تلك القوابل من درجات التحمل فليس بإمكانها استيعاب حقائق النبوة العظيمة ..ألم يقل المولى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم (ما عرفني حقيقة غير ربي)ما للنفي .و من رحمة النبوة بالخلائق أنها لم تنف عنهم الوصول لحقيقته بالكلية بل قال(ما عرفني حقيقة): أي أن ثمة معارف يمكن أن يطلع عليها المتأهلون من اهل الله في هذا المهيع : وهي رشحات من بحر تلك المعرفة، فقط رشحات ،فكيف تستطيع أوعية المكلفين وقوابلهم وهي من عالم الشيء، استيعاب حقائق النبوة وهي من عالم الشأن ،وعالم الاطلاق ؟قال استاذنا في الصلاة السادسة من خبيئة الأسرار (الجهل بها معرفة، ومعرفتها جهل﴿وترىٰهم ينظرون إليك وهم لايبصرون﴾ حقيقتك.فللحضرة المحمدية من الكمالات ما للحضرة الإلهية من التجليات،لأنه الواسطة العظمى لتأثير الأسماء والصفات، فتنوعت تجلياتها،واستحالت الحيطة بشؤونها.”ولون الماء لون إنائه”انتهى.

واعلم يا ولي أن معرفة النبوة رحمة، لأن هاته المعرفة ترفع صاحبها الى اعلى مقامات الولاية فيصبح التشوف القدري له (لذا قالوا الغوث محل نظر الله من العالم)لأنه حازعلى أسرار تميزه عن غيره من الأولياء ،فالأقطاب وإن كان مقامهم واحد فهم مختلفون في معرفة الحقيقة المحمدية،والختم اكبر منهم معرفة بمولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم.ولذلك تجد القوم رضي الله عنهم يقال للواحد منهم حين يُذكر إسمه “قدّس الله سره” قال مرشدنا في شرحه لصلاة العارف سيدي ابي الحسن البكري رضي الله عنه (القدسيين هم من ورثوا اسرارا لم تكن عند من سبقهم ونقول في حقهم ” قدس الله سره”فالسر إرثٌ نبويٌّ مُقَدَّسٌ فمَنْ لم يات بعلوم لدنية واسرار ربانية فخاسرة قولنا في حقه”قدس الله سره “اذ لاسر لها مقدس .فلكل مقام مقال ..و لكل مقال عِقال..وما كل ما يُعرف يُقال ..وما كل ما يُقال حضَر أهله..وما كل مَن حَضَر أهله تعيَّنَ زمنه..أما ماخفي عنهم من الحقيقة المحمدية فهو رحمة بهم وينتظر ابان ظهور وحضورالتجلي الخاص به لذلك قال مرشدنا في الموقف 83…..

حجبوك عن مقل الأنام مخافة ♣ من أن تخدش وجهك الأبصار

فتوهموك ولم يروك فأصبحت ♣ من وهمهم في خدك الأثار

 فما حجبت حقيقته إلا الأسماء الإلهية المتضادة، الظاهرة في صور الوجود. فحكم وهمهم على خده أي حقيقته بالأثر،مع أنهم لم يعرفوا منها إلاما يرى من السيف في غمده.ومن عجب أن الظهور تستر،وأضاف في نفس الموقف( إن الذین ینادونك من وراۤء الۡحجر ٰت أكۡثرهمۡ لایعۡقلون”وردت “ینادونك”بالمضارع الذي يفيد التجدد والإستمرارية،ورسمت الحجرات بالألف المحذوفة، والحذف يشيرإلى أن هناك معاني اخرى وراء الرسم القرءاني للكلمة،وليس المقصود فقط الحجرات المادية،مفرد حجرة، أي بيت فحسب،بل المعنى أوسع من ذلك :هي حجرات من لبنات،وهي حجرات معنوية : حديث النفس،والظنون،والجهل، والكشف الخاطئ…كلها حجرات تنادى النبوة من وراءها. فالكل يناديه من وراء الحجرات بداية من العامة، ومرورا بعلماء الرسوم،ووصولا إلى العارفين. أكثرهم لايعقلون حقيقته،ولايعرفون محتده ، ولامراتب نبوته،وكيف لهم بمعرفته وهو الروح الكلية “ویسۡٔلونك عن الروح قل الروح منۡ أمۡر ربی”. “ولوۡ أنهمۡ صبروا۟ حتىٰ تخۡرج إلیۡهمۡ لكان خیۡرا لهمۡۚ والله غفوررحیم” فهو يخرج على أهل كل زمان، وفق تجليات عصرهم،ووفق ما يريد الله تعالى إظهاره.”والله غفور رحيم “أي من عرفه فهو مأجورعلى ذلك،ومقامه في ترق، ومن لم يعرفه فلا ذنب عليه،ولكن لا حق له في المقامات.قال تعالى “وما أوتيتم من العلم الا قليلا “…..اهــ.

وما أدركته الأبصار*ما عرفني حقيقة غير ربي” ما أدركته الأبصار لوجود حجب قائمة بين السوى و بين معرفة حقيقته .. انحجبت الحقيقة المحمدية في كهف ذات اسم الجلالة “الله” فحروفه تشير بالتوالي الى الاحدية والاحمدية والمحمدية واخيرا الهاء تشير الى سدرة منتهى جميع المقامات، كما انحجبت حقيقته وراء تجليات الأسماء والصّفات.فتعددت الصور واستحالت الاحاطة ولو بالقليل من مراتبها وحضراتها “والعجز عن الادراك ادراك” وفي الصلاة5 من الخبيئة(فما حجبت حقيقته إلا الأسماء الإلهية،المتجلية في الأعيان الوجودية.فكل اسم كساه،وأفرغ عليه مقتضاه، ومن عجب أن الظهور تستر)، ومن مظاهر هذا التستر،الظهوربالبشرية ﴿قُلْ إِنَّمَاأَنَابَشَرٌمِّثْلُكُمْ﴾.. وفي الصلاة 60 من أسرار و حقائق.. (فَحُجِبَ الأَوَّلُونَ بِالوَسَاطَةِ الجِبْرِيلِيَّةِ. وَحُجِبَتِ الصَّحَابَةُ بِالهَيْئَةِ الجِسْمَانِيَّةِ المُحَمَّدِيَّةِ،وَبِالصُّورَةِ الدَّحْيِيَّةِ. وَالعَامَةُ بِالبَشَرِيَّةِ. وَحُجِبَ إِبْلِيسُ بِالطِّينِيَّةِ وَبِنَفْسِهِ الشَّيْطَانِيَّةِ.وَحُجِبَ آخَرُونَ بِالضَّمَائِرِ القُرْءَانِيَّةِ) والحمد لله على سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم .                           الفقير الى عفو ربه ابو ملك

773 : عدد الزوار