حقيقة الاحتفال بالمولد النبوي النوراني

بسم الله الرحمن الرحيم،الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين. عادة الناس تحتفل بعيد مولد الأحياء لا الأموات،فتحتفل بعيد ميلادك،أو ميلاد ابنك،وليس بمنطقي الاحتفال بعيد ميلاد الميت،إذ هو قد مات،فالمحتفى به يجب أن يكون حاضرا،ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم انتقل إلى جوار ربه مند أزيد من 14 قرنا.فلماذا نحتفل؟و بمن نحتفل؟.                                                                 قال تعالى﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ﴾   وقال﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ ﴾فسيدنامحمد هوالحق، وماجاء به حق،ولكل حق حقيقة،ولا أحد يشك في أنه﴿رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ﴾،فاليقين ملازم لرسالته، ولليقين علما،وعينا،وحقا.فالصحابة الذين رأوه،عندهم عين اليقين بشخصه،أما التابعين وتابع التابعين،ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين،فلم يروه وعندهم علم اليقين برسالته.أما حق اليقين فحظي بها من شاهده سراجا منيرا للكون الإلهي،وحققه في الايات القرءانية.وعاين وساطته في التجليات الإلهية،والمقتضيات الاسمائية ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾.

اعلم ايها المحب لهذا النبي الكريم والرسول العظيم،أن كل حقيقة مهمادقت لابد أن تستمد وجودها من حقيقةأرقى منها الى أن نصل الى حقيقة ضرورية(أي بديهية)لاتحتاج الى برهان،وإلا ظل المحقق يطلب البرهان الى ما لانهاية.فافهم.فلابد أن ننتهي الى حقيقة ما،تكون سماء الجميع،يستمد منها الوجود كينونته.وإن قلت أفلا تكون الذات الالهية؟اذا كان الجواب بنعم فهذايعني أن الذات الإلهية علة للوجود والمعلول تابع لعلته ملازم لها(وقد أخطأ من قال:ياعلة العلل يا قديما لم تزل)لأن هذا يجعلها مرتبطة بالوجود،والوجود مرتبط بها،وهذاينفي عن الله تعالى الغنى المطلق”تفكروا في خلق الله ولا تتفكروا في ذات الله”(الحديث) فياترى الى من يستند الوجود وممن يستمد؟يجب ان تكون لهذا الممد الأسبقية في الظهور أي يكون وجوده سابقا لوجود الخلائق.قال تعالى﴿ الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾فياترى لمن علم القرآن قبل خلق الإنسان؟وأن يكون نائبا في الظهور﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَايُبَايِعُونَ اللَّهَ﴾﴿وَمَارَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ﴾”من رأني فقد رآى الحق” فأنابه منابه”،”وأقامه مقامه.فلايذكر الله الا ويذكر معه سيدنا محمد،لأن الحق تعالى ما أوجد العالم إلا لمعرفته،فأوجد النسبة من نوره ثم أوجدهم بتلك النسبة ليعرفوه بها.أي يجب أن تكون المعرفة بواسطة معرِّف،والمعرِّف لايكون الا متصلابالمعرَّف به﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْأَدْنَىٰ﴾اية عظيمة تعنون على مقام نبينا وصلى الله عليه وسلم عن قربه من الحق تعالى ليلة اسرائه،وهو اتصال فرقي ليبقى العبد عبد والرب رب،فافهم.فلا مناسبة بين الخالق والمخلوقات، ولامجانسة بين القديم والمحدث،إذ لاقدرة لهم على مكافحة حرارة التجليات الالهية،دون وساطته صلى الله عليه وسلم حتى ولو كانت جمالية﴿وَلَوْبَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْافِي الْأَرْضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُإِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾﴿فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ ﴾.

                    فأنت باب الله أي امرئ ●●اتاه من غيرك لايدخل

وبالتالي فله وجهة خلقية تنظر الى المخلوقات( إذهو عبد مثلهم ) ووجهة حقية،بمقتضى هذا الاستخلاف،وبمقتضى الميثاق المأخوذ في عالم الشأنية والتقديرات الاولية﴿وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ﴾ فهو نبي ورسول قبل القبل.متصف بصفتين ذاتيتين (2):نبوة تخصه، ورسالة مشتركة،فزيد نبيا وعند تمام الاربعين جاءته الرسالة﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾ولم يقل تعالى يامحمد إنا ارسلناك.الرسالة انتهت بانتقال رسول الله الى جوار ربه.أما نبوته فملازمة للكون،ملازمة الروح للجسد فهي سراج الكون ومدده، فكما لاتصح الحياة بدون شمس،ولاقمر، كذلك الوجود لا يصح بدون شمس حقيقته،وخلافة نبوته،قال تعالى﴿وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً﴾وسماه سراجا منيرا، كماسمى الشمس سراجا﴿تبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً﴾ فجمع له وصفين(سراجا) (وقمرامنيرا)،فنوره دائم لايأفل،كان موجودا قبل القبل﴿قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ﴾﴿قلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ﴾وبطبيعة الحال لكي يكون أول العابدين،وأول من أسلم فمن اللازم أن يكون أول مخلوق،إذ لايعقل وجود موجود قبله،  لايعبد الله.ورد في الحديث:يارسول الله متى كنت نبيا قال:”كنت نبيا وآدم منجدل في طينته” وبصيغ اخرى”متى بعثت””متى جعلت”،”متى استنبئت”.”كانت”،وما زَالَت إلى أن ظهر الجسم الشريف المولود من أم وأب،فرسول الله  صلى الله عليه وسلم له حقيقة،أو كينونة لانعلم كنهها،ولكن نعلم حدوثها .”كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث” فأخبرنا عن قدره ومقداره العظيم قبل الخلق:كما أخبرنا عن مقامه الفريد حين يستغيث به الخلائق يوم البعث فيقول”أنا لها”،فهذه من خصوصيات رسول الله اخبرنا،وعرفنا بالنبوة المطلقة التي خصه الله بها﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ فنحن نحتفل بنبوته،التي هي خليفة الله على كونه،ظاهرا وباطنا،أولا وآخرا.والتي أخذ الله تعالى لها الميثاق في عالـم الشأن﴿وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَامَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ﴾قال تعالى﴿ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ﴾فما فائدة هذا الخطاب، إن لم يكن جاءهم فعلا،واستمدوا منه شرائعهم فلا شك ان مجيئه تحقق بالكيفية التى ارادها الله،قال تعالى﴿هَذَا ذِكْرُمَن مَّعِيَ وَذِكْرُمَن قَبْلِي﴾هذا: أي القرءان ذكر أمتي،وذكر من قبلي من الانبياء والرسل.قال ” صلى الله عليه وسلم لو كان موسى حياما وسعه الا أن يتبعني”.قال تعالى﴿هَذَا نَذِيرٌ مِّنَ النُّذُرِ الْأُولَى﴾بإسم الاشارة الذي يقتضي الحضور أي محمد”نذير من النذرالاولى“.وأقسم بعمره﴿لَعَمْرُكَ﴾ وهل يؤخذ الميثاق على الغائب؟ وهل يقسم بحياة المعدوم؟ كما أنه صلى الله عليه وسلم الوحيد الذي ناداه الحق بصفاته تعظيما وتشريفا له،ولم يناديه باسمه (يامحمد)بل﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ﴾﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ﴾﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ ﴾﴿يا أَيُّهَا النَّبِيُّ﴾معرفة بالالف واللام، غيره﴿وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ ﴾﴿يَاآدَمُ﴾ ﴿يَانُوحُ﴾ …فمولانا رسول الله هو أعظم خلق الله،وأول العابدين،ومن حقيقة نبوته تفرعت الشرائع السابقة جميعها،فإن كان تعظيم الشرائع من تقوى القلوب،فما بالك بصاحب الشرائع،ألا يستحق كل التعظيم؟وعطف تعالى اسمه على رسوله في الكثير من الايات ولايجوز هذا في حق غيره.قال تعالى﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ﴾﴿وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُوا مُؤْمِنِينَ﴾ولم يقل أن يرضوهمـا.وقال﴿وَمَاكَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا﴾ ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَيُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَيَجِدُواْفِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً﴾مما قضيت أنت يامحمد ويسلموا تسليما﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾.﴿ إِلَّاأَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ﴾قال تعالى﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾.فانتبه أيها الأديب الأريب اللبيب إلى أن الاستجابة للرسول هي استجابة لله،وطاعة الرسول هي طاعة لله، ورضى الرسول من رضى الله،وقضاء الرسول من قضاء الله،ومحبة الرسول هي محبة الله ،ومبايعة الرسول هي مبايعة لله﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ﴾قال صلى الله عليه وسلم:الله المعطي وإنما أنا قاسم”ومن قسم لك فقد أعطاك.فهو الواسطة في كل شئ فمن رام معرفة الله دون سيدنا محمد فقد أتى البيوت من غير الابواب، ويجب رده إلى إصطبل الدواب.فهو الرحمة المهداة،فتعظيمه،وتوقيره واجب “لايومن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده و الناس أجمعين”.وقال “الايمان بضع   وسبعون شعبة فأفضلها قول لاإله إلا الله وأدناها إماطة الاذى عن الطريق ” فهل إماطة الاذى عن الطريق أفضل من مولد رسول الله؟ وهل الاحتفال به ليس من الايمان؟تُـزيل شَطبة عن الطريق أنت على السنة ومأجور.تحتفل بمولد سيد الأولين والآخرين والرحمة المهداة للعالمين وأحد ركني التوحيد،أنت على ضلالة وآثم ؟ياله من تفكير خائب،وفكر سخيف؟ وتراهم يحتفلون بأعياد ميلاد أبنائهم وزوجاتهم، وعيد ميلاد المسيح ويتجاهلون قوله تعالى﴿النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ﴾ بمعنى إذا عرض لك حق للنبي،وحق لنفسك،فحق النبي أولى وأسبق،وأهَمُّ وأحق، فقدِّمه على المال والبنون،وافرح به كفرحك بشفاعته يوم لاينفع مال ولا بنون.وهذا الإحتفال إنما يمثل جانبا ضئيلا مما يجب في حقه من صادق الحب وعظيم الامتنان.قال تعالى﴿قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَخَيْرٌمِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾فهو الفضل والرحمة الإلهية التي يجب الفرح بها،ولم يقل تعالى هـما خير مما يجمعون.الرحمة والفضل جمعتا في ذات واحدة متصفة بصفات الكمال.فبهذه الرحمة نفرح، وبهذا الفضل نحتفل.قال تعالى﴿وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا﴾فما أنكرها عليهم،إنما أنكر عليهم عدم رعايتها.ونحن ابتدعنا ابتغاء رضوان الله عيدا نفرح فيه بحبيبه،ونبينا عليه الصلاة السلام، ورعيناه حق رعايته”من سن سنة حسنة فله أجرها وأجرمن عمل بها إلى يوم القيامة.فأجاز لنا ابتداع ماهو حسن وجعل فيه الاجر لمن ابتدعه ،ولمن عمل به.فالشارع قد سمّى بدعة الهدى، سُنة، ووعد فاعلها أجرا.”إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه مااستطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه “ولم يقل صلى الله عليه وسلم وإذا تركت شيئا فاتركوه،وهذا دليل على أن ماتركه النبي ولم يفعله يبقى على أصله وهو الإباحة. فالنبوة حاضرة ولأصحاب”فبي يبصر”(3) ظاهرة،وللكون الإلهي ناظرة.قال تعالى﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ﴾ولايقال للغائب ارتقب﴿يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاك شَاهِداً﴾وحضور الشاهد ضروري والا فليس بشاهد،وتُعرض عليه أعمالنا ويرد السلام على المصلين والمسَلِّمين عليه،وهذه صفة الاحياء،بالحياة التي أرادها الله له.قال تعالى﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّرَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِين مَّاتَ أَوْقُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾(ال عمران).وفي سورة الأنبياء ﴿وَمَا جَعَلْنَالِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِين مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ﴾وجاء في الايتين ب”إن” التشكيكية ﴿أفإين مِّتَّ﴾وبياء زائدة في الرسم القرءاني(الرسم القرءاني مخالف للنطق)أين مات محمد؟﴿ أَفَإِين مَّاتَ﴾وإن مات حسا﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍمِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ﴾وقال تعالى لبشر،فمن حيث بشريته صلى الله عليه وسلم هو مثلنا داخل تحت مقتضيات الأسماء الإلهية،ومن جملة الاسماء،اسمه تعالى المميت. أما نبوته فهي طرف في التجليات الالهية.فهو دائما معكم في باطن الامر،حي بحياة النبوة (لابحياة محمد المولود من أم وأب)﴿بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ﴾ولو كان الامر يقتضي غير ذلك لوافق الرسم القرءاني اللغة العربية،ولجاء القرءان ب”إذا” “فإذا مت فهم الخالدون”التي تفيد في كلام العرب التحقيق وتستعمل للمقطوع بحصوله﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾و لابد للموت ان يحضر، فافهم وتمعن في سر الايتين.ولوسألتك عن إبليس أهو حي؟ لأجبت بنعم،دون تردد ،فكيف يكون البرزخ الشقي موجودا الى يوم يبعثون، والنور الإلهي،اي النبوة التي كانت قبله،انتهى سرها،وأفل سراجها،و انقطع ذكرها،واندثر امرها “أول ما خلق الله نور نبيك ياجابر”.قال صلى الله عليه وسلم “كنت نبيا وآدم منجدل في طينته” و”كنت”لها الاستمرارية ،كنت ومازلت، إذ لامبرر لوجود الصفة، الا بوجود الموصوف بها، وبوجود مقتضاها.فهي سراج الكون على الدوام،وهي التي يحتفل بها كل يوم أهل خصوصيته،العارفين بأسرار نبوته،المقرين بحقيقته،ومرة في السنة باقي المومنين المعتقدين في سيادته.فهو الشاهد والمشهود فمن عرف حقيقته، واطلع على خبايا نبوته في الايات القرءانية(4)فكل يوم هو بالنسبة له عيد تتجلى له النبوة في حلة جديدة.فهو الذي هدى الخلائق﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾وعرفهم بربهم، فالكون كله يسبِّح ،مُقر بوحدانية خالقه.ومن هنا كان لزاما أن يسلم المصلي صلاة الفرض على هذه النبوة على الاقل 5 مرات في اليوم في تشهده فيقول”السلام عليك أيها النبي ورحمة الله تعالى وبركاته” خطاب حضور واتصال لاغياب وانفصال،خطاب للحاضر،وهذا احتفال بها، واعتراف لها بالجميل. وكلمة السلام وردت مُعَرفة لتشمل جميع مراتب السلام.فتأمل كيف تسلم على هذا النبي وأنت بين يدي الله.فهذه هي الحكمة في تقديم السلام على النبي على الصلاة عليه،في قعود التشهد.مع أن الحق سبحانه قدم الصلاة على السلام﴿إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيما﴾ ومن فضائل يوم الجمعة، ومزاياه،أنه اليوم الذي خلق فيه آدم عليه السلام وهو عيد،فكيف باليوم الذي خلق فيه سيد الأنبياء وأشرف المرسلين؟وآدم ومن دونه تحت لوائه؟وكان يعظم يوم مولده، بالصيام كماجاء في الحديث عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله سُئل عن صوم يوم الاثنين فقال”ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ،وَيَوْمٌ بُعِثْتُ أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ” وهذا احتفال به،لعلمه أنه شعيرة من شعائر الله﴿وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ وإن اختلفت الصورة فالمعنى واحد،سواء كان ذلك بصيام،أو إطعام الطعام،أواجتماع على الصلاة عليه،وذكر شمائله الشريفة.أما الصحابة رضوان الله عليهم فلم يكن في عُرفهم الاحتفال بعيد مولد أحد،ولا يوجد أحد من العلماء اشترط في الدليل أن يعمل به الصحابة والذين اتبعوهم بإحسان والأئمة المجتهدون،بل صرحوا بأن”الدليل متى استوفى الشروط المقررة لِقَبوله وَجَب الأخذ به”. والصحابة كانوا يقومون بما هوأكثر،كانوا يتسابقون على نخامته، وعلى بقية وضوئه، ويفدونه بأرواحهم،وأموالهم. فلا نقارن أنفسنا بالصحابة فهم الصحابة،ونحن الإخوان.عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ “وَدِدْتُ أَنِّي لَقِيتُ إِخْوَانِي”قَالَ: فَقَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوَلَيْسَ نَحْنُ إِخْوَانَكَ؟ قَالَ:”أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَلَكِنْ إِخْوَانِي الَّذِينَ آمَنُوا بِي وَلَمْ يَرَوْنِي”. والمحتفون بمولده ماذا يفعلون؟هم يصلون،ويسلمون عليه، ويذكرون سيرته العطرة، ويتصدقون على اليتامى والارامل، يعبرون عن حبهم،وعن فرحتهم،وتعظيمهم لهذا النبي العظيم الذي منّ الله به عليهم. ولا يجوز الإحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم إلا بمايرضي الله تعالى،وكل شخص أدخل ما لايرضى به صاحب المولد الشريف كغناء،أورقص أو اختلاط،فهو مسؤول عن نفسه لذاينبغي التفريق بين التصوف الحقيقي، والدخلاء.فليس كل منحرف ممثلا للتصوف،كما أن المسلم بانحرافه لايمثل الإسلام،وأعظم القربات الصلاة على مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ،هي تسبيح لله”من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرا”، وتوقيره بالابتعاد عن التنقيص منه.فالمتبنون لمذهب بدعية الاحتفال بالمولد حتى الملصقات التي يضعونها في المساجد المكتوب عليها اذكار بعد الصلوات ليس بها الصلاة على الحبيب.فلم استصغرتم من عَظَّمَهُ الله،وقرن طاعته بطاعته،ومبايعته بمبايعته…قال تعالى﴿إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ  فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً﴾ فاحذر أن تكون ممن يؤذي رسول الله وتكون ملعونا بالنص القرءاني.وقد قال صلى الله عليه وسلم “كم من قارئ يقرأ القرءان،والقرءان يلعنه”.فاعرف قدر نبيك ووقره، وعظمه،وأقبل بكليتك على كل ما يتعلق بشخصه،واتبع سنته ظاهرا وباطنا، تحظى بشفاعته وتندرج في سلك عباد الله الصالحين،وتنال نصيبك من سلام المصلين،”السلام عليك أيها النبي، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين”ولا تحرم نفسك هذا الفضل العظيم فمحبته،وتعظيمه بمثابة الصدقة الجارية يصلك فضلها وأنت في قبرك.فالمصلي بين يدي الله،وفي هذه الحضرة،وساطة سيدنا محمد، وحضوره،لأنك تسلم عليه بصيغة الحاضر.فادخل هذه الحضرة،ولاتكن بخيلا على نفسك.   الى أصحاب الفتاوي المضادة للمولد النبوي الشريف أقول:في الواقع المعيش أنا أرتاح مع الجاهل المؤدب المحب لرسول الله،ولا أرتاح مع من ليس له أدب مع رسول الله،وقد أجمع أهل العقول الراجحة أن الادب مقدم على العلم،وأن الادب مع الجهل،خير من قلة الادب مع العلم.والحمد لله فالعالم الاسلامي يحتفل به كبيره وصغيره،عالمه وجاهله ويباركون لبعضهم  البعض حب هذا النبي الكريم، والقلة القليلة اصحاب”الفتوى التي لا رأس لها ولاذنب”يحق عليها المثل العربي:لايضر السحاب نبح الكلاب.فالكلاب تنبح على الأمير وعلى الفقير،على العالم وعلى الجاهل،على كل من لا تعرف. فذرهم ينبحوا ويلهثوا وراء محبي النبي صلى الله عليه وسلم جهلوا أصله،وأنكروا قدره،وجحدوا فضله.فلم يروا إلا فقير قريش ويتيمها يأكل الطعام، ويمشي في الاسواق﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ﴾ ومن انتسب منهم إلى أهل العلم،ومع ذلك يبدع عيدا تعظم فيه الأمة نبيها،وتصلي عليه وتمدحه،فكلامه قذورات تخرج من فاهه واعتقاده صحتها،ونشرها بين الناس،هو أكله لها،فهو كالحيوانات الجَلاَّلَة التي تأكل فضلاتها، وكلامهم نباح غير مباح.أمامن رآه  صلى الله عليه وسلم نورا صرفا حقانيا”من رآني فقد رآى الحق” ولايقوم مقام الحق الا الحق،أقر بمشروعية الاحتفال بمولده الشريف.قال تعالى﴿قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌوَكِتَابٌ مُّبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ﴾فهو نور الله وكتابه المببن،لا اختلاف الا في التعبير،أما الحقيقة فواحدة.لهذا قال تعالى يهدي به الله ولم يقل يهدي بهما، هذه هي حقيقته، وقد اشار اليها صلى الله عليه وسلم فقال:اني لست كهيئتكم”.” كلكم من ادم وادم من تراب “ولم يقل كلنا.لم يكن له ظل،كان يرى من خلف كما من امام ،وكان يرى في الضوء كما في الظلام ،يرى بنوره. كان الصحابة يتطيبون بعرق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ،والتعرق هو عملية افراز السائل الملحي من الغدد العرقية في الجسم.فكيفما أكل و شرب يكون العرق برائحته.وهو الذي يعطي الرائحة المميزة لكل شخص عن غيره من الناس وعند بعض الناس تكون لايستحمل شمها.بعض الصحابة شرب من دم حجامة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مثل ابن الزبير رضى اللَّه عنه.ولم ينكر عليه رسول اللَّه. وروى الطبرانى فى الكبير عن أم أيمن:”انها قامت من الليل وهي عطشانة فشربت ما في الفخارة فلما أصبح النبى صلى الله عليه وسلم قال يا أم أيمن قومى فأهريقى ما فى تلك الفخارة ،قلت قد والله شربت ما فيها،قالت فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ثم قال أما إنك لا تتجعين بطنك أبدا”(عجز قلمي  عن كتابة تفاصيل كلام أم ايمن  فحذفت منه)ولم يعترض صلى الله عليه وسلم عندما علم بالأمر بل ضحك!.عندما لُدغ سيدنا أبا بكر الصديق فى غار ثور فى الهجرة وتفل صلى الله عليه وسلم على موضع اللدغة تعافى أبو بكر من حينه.ونفس الأمر وقع لسيدنا على بن أبى طالب كرم اللَّه وجهه عندما تفل رسول اللَّه فى عينه الرمداء فصارت فى الحال أصح من السليمة .فريقه صلى الله عليه وسلم غير عادي هو ترياق للسموم  وهو علاج الرمد أيضا!فإذا كان ريق النجل فيه شفاءـ فأنا اقول أن ريقه صلى الله عليه وسلم شفاء من كل داء ودمه شفاء،وكل ما يتعلق بشخصه الكريم كريم “إني لست كهيئتكم” ولم يقل كصورتكم. ولد في الثلت الاخير من الليل،مختونًا مسرورًا،وعطس فحمد اللَّه تعالى…والثلت الاخير هو خاص بنزول الربوبية( ينزل ربكم في الثلث الاخير من الليل فيقول …الحديث).رَوَى كُتَّابُ السير”لما كانت الليلة التى ولد فيها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ارتجس إيوان كسرى،وسقطت منه أربع عشرة شرفة، وخمدت نار فارس، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، وغاضت بحيرة ساوة  “…. وهذا تكريم عظيم ليوم ولادته.   في معراجه واصل السير بعد سدرة المنتهى،وجبريل رئيس الملائكة،لم يتقدم خوفا من الاحتراق.أما ملك الموت مع كل الجلال الذي أوتي فهو يستأذن قبل الدخول على رسول الله…فهو﴿رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ ﴾(سورة البينة) منذ الأزل،قبل القبل و﴿رَسُولٌ مِّنْ عند اللَّهِ﴾(البقرة) و”عند” ظرف مكان وزمان، عند بعثته ونزول الوحي عليه.فَلِما لا نحتفل بهذه الخلافة المحمدية التي ظهرت بين أظهرنا في صورة آدمية اسمها محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ،ونحمد الله ونشكره أن خَصَّنابها فكنابها﴿خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾.      لقد استحدثت أمور كثيرة فى الدين ولم يقل أحدعنها شيئا،فسيدنا عثمان رضي الله عنه ابتدع آذانا ثانيا يوم الجمعة،ومن قبله عمر رضي الله عنه جمع المسلمين على إمام واحد في قيام رمضان،بل وزاد فى عدد ركعات القيام أضعاف ماهو عليه،فهل أنكر أحد من الصحابة ذلك؟وأبو بكر قام بجمع القرءان،وبعض السلف الصالح قام بتشكيله وتنقيطه، ولو كنت أنت أيه المنكر موجودا فى زمنهم، لخرجت عليه كما خرج الخوارج على عليّ رضي الله عنه فى أمور سخيفة !وشتان بين علم وعقل وأدب.وبين علم بلا أدب.         أول إحياء للمولد النبوي كان في القرن الرابع،ولم يعترض أحد من العلماء حتى القرن السابع،وأول من ثبت عنه الإنكار،عمربن علي اللخمي المعروف بالفاكهاني(ربما كان يبيع الفاكهة ،تفقه ولم يتفكه بمعرفة نبيه) وثانيهما:ابن تيمية الحراني(علمه اكير من عقله).فغلط والله الفاكهاني ،وكعادته ما أصاب الحراني (يصفه تلميذه ابن القيم،في نونيته بشيخ الوجود؟ شيخ الوجود؟) والسلوك الصحيح في مثل هذه الأمور هو أن تنظر في العمل المستحدث وترى هل فيه نوع مخالفة واضحة للشرع ؟ أو أن الأمر يسير لايستحق عناء مقاومته،فإن كان كذلك فأرح نفسك،ثم لا تفعله،ولكن لاتبدع الـمسألة وتعلنها حربا شنعاء،فهذا لا يحق لك،وسلم تسلم و إلزم الصمت تغنم،ولا تنكر تأثم.فالإحتفال بمولده هو احتفال بالنبوة ،وليس فيه من المخالفة شئ ،بل هو يغرس فى قلوب المسلمين وأبنائهم حب النبي وتعظيمه، وتوقيره،ويذكرهم بسيرته الطاهرة،وجهاده في سبيل نشر الدين. أما الاحتفال بالرسالة فيتجلى في امتثال الشريعة وهذا نحتفل به خمس مرات في اليوم.                     أما الخلاف الوارد حول يوم مولده،فهذا طبيعي إذ كيف يعرف يوم مولد من هو نور إلهي﴿قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ﴾وهو في حقيقة الأمر ليس مولدا،إذ النبوة لم تولد بل خلقت،إذ  لو ولدت لكان من ولدها سابقا لها زمنيا،:”كنت نبيا وآدم منجدل في طينته”أول ماخلق الله نور نبيك ياجابر “فهو أول العابدين أصله من الصفة الاحدية، فتضاءلت في معرفته الفهوم،وحارت في حقيقته العقول،وأصاب الذوق الذهول،ومن هذا الباب لم تعطف النبوة على الألوهية الا في اية وحيدة﴿وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ﴾”ماعرفني حقيقة غير ربي” .أما الهيكل المحمدي الشريف المولود من أم وأب،كل الصحابة رأوه،وعاشروه ،وعرفوه.فمولد الحقيقة النورانية مجهول لا تعرف له بداية،فالشريعة للجميع ،والحقيقة لأصحابها،ولهذا لم يرد السلام على سيدنا محمد في القرءان لأنه خلق قبل وجود الوجود،وقبل خلق الليل والنهار واليوم.ولما خص سيدنا عيسى بالسلام يوم مولده قال تعالى ﴿السَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ﴾وفي حق سيدنا يحيى﴿وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ﴾ونحن نقول لحبيبنا محمد “السلام عليك يانبي الله فيرد علينا السلام.أما مكان دفنه بعيدا عن مكة فهو زيادة في إظهار فضله وعلو قدره وأنه متبوع لاتابع،وليكون قصد زيارته مستقلا،ليس تابعا لغيره وحتى يتمايز الناس  في شد الرحال لزيارته(كما ورد على لسان بعض العارفين).فالبيت الحرام كعبة الأشباح، والروضة الشريفة كعبة الأرواح.و إذا عرفت حقيقة الكعبة،عرفت حقيقة النبوة.                                                                    حضرت مند أزيدمن  35 سنة ليلة المولد النبوي،مع إحدى الطرق الصوفية،وأنا في بداية سلوكي الصوفي،وكان يجلس بجواري أحد مريدي الطريقة لامعرفة لي به،كان يبكي ويردد”ياحبيبي،ياحبيبي  كنت استغرب منه، إذلم أدر مايبكيه،ولم أعرف من هو هذا الحبيب الذي أضنى مهجته، وأذرف دمعته،وأسهر ليلته.مضت سنين لكي يصبح حبيبه حبيبي،و أبكي عند سماع ذكره،ومدحه،والثناء عليه:

كل القلوب إلي الحبيب تميل ●●ومعي بذلك شاهد ودليل                       أما الدليل إذا ذكرت محمداً ●●صارت دموع العاشقين تسيل

فاحتفلوا بمولده.وأكثروا من الصلاة عليه،وخِبْتَ و خَسِرت إن كان أبو لهب خيرا منك أعتق جاريته يوم مولده ،وإن كان اليهود يحتفلون بيوم عاشوراء لنجاة سيدنا موسى من الغرق. قال صلى الله عليه وسلم: نحن أحق بموسى منهم.وصامه صلى الله عليه وسلم احتفالاً أيضًا بنجاة أخيه موسى عليه السلام ،ومن قال لك﴿ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا﴾قل له ما قال الخضر لسيدناموسى﴿هَٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ﴾قالهاعندما فهم حقيقة الامور،أقر بمشروعيتها.فكن موساوي المشرب ولاتكن أسير فَهْم الفاكاهاني، ولا عربدة الحراني”لقد غلا هذا المغيربي”ولا ترهات العييناني(5) “من توسل بالنبي فقد كفر” ؟ فما عرفوا قدر النبي العدناني. وجم غفير اقتدى بهم،سيماهم التحليق، ضئضئ ذي الخويصرة التميمي، ذرية بعضها من بعض.نظروا وما أبصروا،رفرفوا وما طاروا.أسلموا وما سلَّموا.قال تعالى ﴿فإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ومن منا لا يعرف أن القلوب في الصدور؟لاشك أن الذين لايعرفون محمدا، لايعرفون أن القلوب في الصدور.ومع كونها داخل الصدر ومحجوبة بالضلوع عن الظهور،فهي ترى بعين البصيرة فهم ينظرون إليه بأعينهم،ولايبصرون حقيقته ببصيرتهم﴿وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَيُبْصِرُونَ﴾.قال تعالى ﴿وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ﴾وقال﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ﴾فما هو الايمان بالنبي،وماهو الايمان بالرسول؟ مع النبوة استعمل”إلى”و”ما”﴿وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ﴾ومع الرسالة “على”و”الذي”﴿الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ﴾ ؟فما حقيقة ايمانكم يامنكرين؟ قال رسول الله  لكل حق حقيقة،فماحقيقة ايمانك ياحارثة؟ قال: كأني أنظر الى عرش ربي بارزا…فأثبت المشاهدة الملازمة للإيمان الحقيقي وأقر له رسول الله بالمعرفة: عرفت فالزم (الحديث)؟ فالكعبة الشريفة حق ،فماهي حقيقتها ؟ معرفتك بوجودها هو علم اليقين، إذا زرتها حصلت على عين اليقين ،اذا عرفت حقيقتها فأنت من أصحاب حق اليقين.إذا لم تعرف حقيقة إيمانك،ولم تعرف حقيقة الكعبة وهي من لبنات، فكيف لك بمعرفة حقيقة النور الإلهي﴿قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌوَكِتَابٌ مُّبِينٌ﴾فابحث عن خضر زمانك﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّاعُلِّمْتَ رُشْدًا﴾ ليريك محمدا صلى الله عليه وسلم سراجا منيرا مضيئا في الافاق، بعدما كنت لا ترى الا فقير قريش يمشى في الاسواق “من رآنى في المنام فسيرانى في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي” . ورد عن اصحاب الكشف قول رسول الله  صلى الله عليه وسلم “لايعرفني الا من عرف من عرفني” فابحث عمن عرفه،ليعرفك به . دون سلوك مقامات الإحسان لايسلم التوحيد من الأوحال،ويمازج الشرك الإيمان ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ﴾.فلا يستهوينكم السفهاء أعداء رسول الله وتنزلقوا في رفضهم كون النبي أول خلق الله،وأنه نور بدعوى أن ذلك من الغلو.فلايشك في الليل عاقل اذا غربت الشمس. فلنحتفل بمولده النوراني صلى الله عليه وسلم حتى يكرمنا الله عز وجل بلقائه ونتمتع برؤيته يوم “يا محمد ارفع رأسك واسأل تعطىى”،ولاتكن من المومنين فحسب.بل كن من المومنين حقا﴿اولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ (الانفال4). “لايومن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده و الناس أجمعين”. ” لا والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك ” ، فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي، فقال النبي   صلى الله عليه وسلم: الآن يا عمر”فليكن محمد صلى الله عليه وسلم أحب إليك من نفسك،وأحب كل ما يتعلق به “حياتي خير لكم ومماتي خير لكم تعرض علي أعمالكم ” وخِبْت وخسرت إن كان مجنون ليلى ،يحب ليلى، وديار ليلى،وأنت مشغول بالتنكير على من يفرح به،وربما كان هذا من رفع الصوت بحضرته وربما حق عليك قوله تعالى ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَاتَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾فالقرءان استمراري. ويرحم الله عبدا قال خيرا فغنم ،أو سكت فسلم.

     أعيا الورى فهم معناه فليس يرى●في القرب والبعد منه غير منفحم          كالشمس تظهر للعينين من بعد●●صغيرة وتكل الطرف من أمم             وكيف يدرك في الدنيا حقيقته●●قوم نيام تسلوا عنه بالحلم                       فمبلغ العلم فيه أنه بشر●●وأنه خير خلق الله كلهم

اللَّهُّم صَلِّ وَسَلِّــمْ وَبَارِكْ عَلَـى سَيِّدِنَا وَمَـوْلاَنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَــى آلِ سَيِّـــدِنَـا وَمَوْلاَنَا مُحَمَّد،الَّذِي مَوْلِدُهُ النوراني الشَّرِيفُ،هُوَ مِنْ أَسْرَارِ نُبُوَّتِهِ،وَعُنْوَان أَقْدَمِيَّتِهِ،فَلَمْ يَرِدْ،لاَ فِي سُنَّتِهِ،وَلاَفِي أَحْكَامِ شَرِيعَتِهِ.فَالنُّبُوَّةُ تَخُصُّهُ، وَالرِّسَالَةُ مُشْتَرَكَةٌ، وَالشَّرِيعَةُ مِنْ جُمْلَةِ الحَقَائِقِ،وَهِيَ لِلْجَمِيعِ.أَمَّا الحَقِيقَةُ فَلِأَصْحَابِهَا إِنَّهُ اِحْتِفَالٌ بِالنُّبُوَّةِ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَ القَبْلِ،وَالَّتِي بِظُهُورِهَا اِسْتَدَارَ الزَّمَانُ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَطَابَقَ البَاطِنُ الظَّاهِرَ.فَزَمَنُ مَوْلِدِهِ هُوَ زَمَنُ الاِصْطِحَابِ،وَهُوَ الزَّمَنُ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ القُرْءَانُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ،وَهُوَ زَمَنُ النُّزُولِ التَّفْصِيلِي،وَهُوَ لَيْلَةُ القَدْرِ﴿إنَّـا أَنـزَلنـَٰهُ فِي لَـيلَةِ ٱلـقَدرِ وَمَا أَدرَىٰكَ مَـالَيلَةُ ٱلـقَدرِلَيلَةُ ٱلـقَدرِخَـيرمِّن أَلـفِ شَـهر﴾هِيَ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ بِلَااِخْتِلَافٍ،وَلِغَيْرِنَا كُلَّ اِزْدِلاَفٍ،وَلَنَا بِكُلِّ حَسَنَةٍ أَضْعَافَ الأَضْعَافِ وَبِهَا كُنَّا﴿خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنَّاسِ﴾وَشُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ.هِيَ فَضْلُ اللهِ وَرَحْمَتُهُ ﴿قُل بِفَضلِ ٱللَّهِ وَبِرَحمَتِهِۦ فَبِذَٰلِكَ فَليَفرَحُواْ هُوَخَيرمِّمَّا يَجمَعُونَ﴾وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ.                       محمد بن  المبارك. يناير 2013 الموافق لربيع الاول 1434.                                                        1:ومن هنا ضل المعتزلة والباطنية حيث اهملوا الهدي النبوي وظنوا انهم يصلون للحق بالعقل استقلالا او بالقرءان.   

                                                  2: غيره من الانبياء، النبوة والرسالة لم تكونا ذاتيتين لهم بل بالجعل(وجعلني نبيا) وأمانة أدوها وانتهت مهمتهم ووصية ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَاوَصَّىٰ بِهِ نُوحًاوَالَّذِي أَوْحَيْنَاإِلَيْكَ وَمَاوَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى﴾. قال  صلى الله عليه وسلم  “كان كل رسول يبعث الى قومه خاصة وبعثت الى الناس كافة”.   

                      3:اشارة الى الحديث القدسي مايزال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به…الحديث .فكما أن الملوك والرؤساء وأصحاب الجاه معروفين عند عامة الناس فكذلك السيادة المحمدية على الكون الألهي مشهودة لخواص أولياء الله لاتغيب عنهم.

          4: اسرار النبوة المحمدية توجد في جميع الايات القرءانية ولا يخلو منها حرف من القرءان ومن كان  يحسن استعمال حساب البسط والكسر،ويعرف كيف يحلله،ويفهم اسراره،يرى العجب العجاب. وينبهر ببطون النبوة في كل الايات  القرءانية. فمثلا كسر اسم محمد يساوي 92 أما بسطا وكسرا فيساوي 354 عدد ايام السنة القمرية والتي التشريع منوط بها.

  5: نسبة الى عيينة مسقط رأس محمد بن عبد الوهاب.

1٬244 : عدد الزوار