شرح الصلاة السابعة عشرمن خبيئة الأسرار

شرح الصلاة السابعة عشرمن خبيئة الأسرار
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى ال سيدنا ومولانا محمد،سر الأسرار، ونورالأنوار،وسيد المرسلين الأخيار.فما في الكون إلاسر أحمدا،وجمال محمدا،فهو مادة الوجود،ونفس الوجود،وروح الوجود،وسر حياة الوجود،الذي لولاه لانهد الوجود﴿فإما نذهبن بك فإنامنهم منتقمون﴾ولاشيء إلا وهو به منوط إناطة الرعية بالراعي،والملك بملكه،والتوحيد بإسمهلاإله إلا الله محمد رسول الله﴿وإذا سألك عبادي عني﴾لغناك يارب عن عبادة من يعبدك،ولأن بساط أحديتك لايقبل السوى،وللطفك بعبادك،خلقت لهم برزخا نورانيا عظيما، فأقمته مقامك﴿إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله﴾﴿وما رميت إذ رميت ولٰكن الله رمى﴾﴿فأجره حتىٰ يسمع كلٰم الله﴾وأنبته منابك﴿من يطع الرسول فقدأطاع الله﴾فهو الواسطة الذي بفضله اطمأنت الكائنات،فصارت مسبحات،ولله ساجدات،وصحبه وسلم.

*سر الأسرار : السرهو ما وصل المرء لمعرفته فاستأثر به لنفسه دون غيره.. فإذا اتسعت دائرة الابلاغ عن السر،ارتفع الإستئثار وشاعت الاخبار،فلم يعد سرا لذلك قيل( كل ما ليس في القِرطاس ضاع ،كل سر جاوز الاثنين شاع)…ارتبط السربالقول وبما وقر في النفس:فقيل في حق من بلغ شأوا في المعارف ودرجات الولاية تعبير(قدس الله سره)إشارة مدح و تعظيم، لانه صاحب سر لم يُطلعه إلا لمن يستحق، فالسر يؤخذ إلا بإذن ويُبَثُّ بإذن.ومن خالف تلك القاعدة في الحقيقة، عومل بحد سيف الشريعة .قال سهل بن عبد الله التستري :إفشاء سر الربوبية كفر. السرهو وقوفٌ عند حد من العلم قد أدركه المرء وصار كتمانه عن غيره متعينا،ومعرفته هوبالسر دون غيره هي حظوة اختصاص ورفع لمقام( ذَ ٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ یُؤۡتِیهِ مَن یَشَاۤءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِیمِ).
ومعرفة السرهي من دلائل قوة العارف،و ما سُمِّي العارفُ عارفا إلا بمقدار ما أطْلعَه الله على مظاهر ذلك السر في كونه، لذلك جاءت مفردة السر في موضعيْن إثنين من القرآن كله مرتبطةً بالعلم :(قُلۡ أَنزَلَهُ ٱلَّذِی یَعۡلَمُ ٱلسِّرَّ فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّهُۥ كَانَ غَفُورا رَّحِیما) (وَإِن تَجۡهَرۡ بِٱلۡقَوۡلِ فَإِنَّهُۥ یَعۡلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخۡفَى).. وذلك كله مرتبط بالعلم المكنون الذي ينتقل من صدر لصدر : فهوعلم مقترن بإذن،من مأذون لمأذون،علوم نبوية أشار إليها باب مدينتها علي بن ابي طالب رضي الله عنه حين ضرب صدره بيده وقال (إن هاهنا لعلوما جمة،لووجدت لها حَمَلة) وبقيت هاته القولة يتناقلها العارفون ذوو الأسرار الرفيعة حين عزّ حمَلة الأسرار وافتُقِدت الصدور المؤهلة لحمل أمانتها ..وإقرأ ياولي ما رواه سيدنا ابي هريرة (حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ وِعَائيْنِ فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَبَثَثْتُهُ وَأَمَّا الْآخَرُ فَلَوْ بَثَثْتُهُ قُطِعَ هَذَا الْبُلْعُومُ)فتلك إشارة .. وإقرأ : (إن من العلم كهيئة المكنون لايعلمه إلا العلماء بالله فإذا تكلموا به أنكره أهل الغِّرة بالله )..قال الإمام زين العابدين بن الحسين بن علي عليه السلام:
يارب جوهر علم لوأبوح به ●●لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا
ولاستحل رجال مسلمون دمي●●يرون أقبح ما يأتونه حسنا
فقول المحقق:(سرالأسرار)رجوع بالأمر لأصله: إذ أنّ النبوةَ هيولى كل شيء فهي الأصل الذي خرجت منه الأسرار والباقي فرع عنها..فهو الأمي الذي منه وعنه صدر كل شيء وهذا من معاني صفة الأمية.. ف(أسرار القرءان كلها إنشقّت منه) صلى الله عليه وسلم،قال تعالى﴿مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾ (في الكتاب) ولم يقل (في القرءان)،و(الشيء) أنكر النكرات،فلا يوجد شيء في عالم الملك أو الملكوت،إلا وذَكره(اللسان المحمدي)،ظاهراًكان أو باطناً،مستوراً وراء الحِكم القرآنية ووَراء الرّسم القرآني.
ونورالأنوار..جاء التعبير بنور الأنوار من باب إرجاع الكثرة لعين الوحدة… إذ الحقيقة أن النور واحد لايتجزأ:نور النبوة قال الحق سبحٰنه (قَدۡ جَاۤءَكُم مِّنَ ٱللَّهِ نُور)..وانتبه يا ولي لقول الحق : قَدۡ جَاۤءَكُم مِّنَ ٱللَّهِ: فالمعنى أنه كان موجودا حاضرا قبل أن يسمى الوجود وجودا، فجاء به الحق:فهوعين النور ذاتا وجاء ليكون سراجا للوجود فينيره شريعة وحقيقة،وصفه الحق تعالى ب :(نُور) وهي نكرة ،إشارة أنه كُنهه مطلسم ،متعذرعن الفهم بَلْهَ الإحاطة ،قال تعالى”هو الاول والاخر والظاهروالباطن” ولون الماء لون انائه كذلك الخليفة الذي اصطحب مع الاسماء الالهية ظهوره عين بطونه وبطونه عين ظهوره” ما عرفني حقيقة غير ربي(البخاري)…و من كمال سترالنبوة لشأن نوريتها العظيمة، أن مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله كان يقول في دعائه(اللهم اجعل في قلبي نوراً وفي لساني نوراً وفي بصري نوراً وفي سمعي نوراً وعن يميني نوراً وعن يساري نوراً،ومن فوقي نوراً،ومن تحتي نوراً ومن أمامي نوراً ومن خلفي نوراً واجعل لي في نفسي نوراً واعظم لي نوراً) “اللهم اجعل” بالجعل، مع ان الامور ذاتية له ولكن تواضعا منه صلى الله عليه وسلم،ولتوسيع مراتب أولياء أمته فكل واحد يستمد من نور من هذه الانوار،فلا بد لعارف سالك اليه على بصيرة أن يتحقق بنور من الانوار،فيصير هذا العارف،وذاك ،أنوارا عاكسة لنور النبوة وسريانها فيهم ،كل حسب مقامه وقامته بين القوم. “قُلْ هَٰذِهِۦ سَبِيلِىٓ أَدْعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِى”و مع شدة النور وقوته، فثمة من به عمى لا يبصر :
قَدْ تُنْكِرُ الْعَيْنُ ضَوْءَ الشَّمْسِ مِنْ رَمَدٍ= وَيُنْكِرُ الفَمُ طَعْمَ المَاءِ مِنْ سَقَمِ
والقرآن الكريم أكد أن الأبصار والبصائر كليلة في حضرة الحقيقة المحمدية.
(وَمِنۡهُم مَّن یَنظُرُ إِلَیۡكَۚ أَفَأَنتَ تَهۡدِی ٱلۡعُمۡیَ وَلَوۡ كَانُوا۟ لَا یُبۡصِرُونَ)…وقال سبحٰنه (وَتَرَىٰهُمۡ یَنظُرُونَ إِلَیۡكَ وَهُمۡ لَا یُبۡصِرُونَ)
ولذلك فنعت(نورالانوار)الوارد هورقيق رشيق دقيق.إذ النبوة نور،وهذه (الأنوار) هي: أنوار القرءان،أنوارمراتب النبوة المحمدية الأولية، أنوار الملائكة،أنوار الكتب السماوية (هي جزء من القرءان)،أنوار الأنبياء،أنوار الرسل الكرام،أنوارالأولياء،وأنوار كافة المومنين.ونور الإيمان،ونورالعقل،ونور العلم،والنفحات الإلهية ]،وكذلك [أنوار تجليات الأسماء الإلهية] التي ظهرت مقتضياتها في الكون الإلهي.
وسيد المرسلين الأخيار.. هو سيد الوجود : أعاليه و أسافله.
قال صلى الله عليه”أنا سيد ولد آدم ولافخر”وقال “أنا سيد الاولين والاخرين” فسيادته على الكون كله لا يشك فيها الاجاهل. لأن النبوة صفة ذاتية لمولانا محمد صلى الله عليه و سلم وهي لغيره بالجعل قال تعالى”قال اني عبد الله اتاني الكتاب وجعلني نبيا” فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين “اذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا” ولله در القائل:
كل النبيين والرسل الكرام أتوا =نيابة عنه في تبليغ دعواه.
فهوالرسول إلى كل الخلائق فـي =كل العصور ونابت عنه أفواه.
قال تعالى (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين): وإرساله رحمة للعالمين يقتضي أنه أفضل العالمين.قال تعالى”شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَاوَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ” هو وحي له ووصية لغيره.
فما في الكون إلا سر أحمدا ،وجمال محمدا
هذا جوهر توحيد المقربين : الذين لا يشهدون إلا سيدنا ومولانا محمد أحمد صلى الله عليه وسلم : الصفة المشار لها بأحمد والموصوف بها المشار له بمحمد..وهو نفس قول القائل وحدة الشهود..شهود الصفة وهي مصطحبة بموصوفها ،
وقد سبق بيان ذلك فيما سبق من شروح الصلوات آنفا..
فهو مادة الوجود ونفس الوجود، وروح الوجود،و سر حياة الوجود..
فهو مادة الوجود…المادَّة : كلُّ شيء يكون مددًا لغيره . فالحبر مادة للقلم مثلا في اللغة ..النبوة مادة الوجود باعتبارها مددا له،والوجود مرهونٌ بمدد النبوة ، و صُور ذلك المدد الساري عدّدها العارفُ في صور ومظاهرفقال :(ونفَس الوجود، وروح الوجود،و سرحياة الوجود.. )قال التاج بن عطاء في حكمه “ورود الإمداد بحسب الاستعداد”وما خلا مخلوق من افتقاره الى المدد، فالعالمين عن بُكرة أبيهم عالة على المولى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في وصول العطايا الالهية على يديه إليهم ،قال صلى الله عليه وسلم(الله المعطي وإنما أنا قاسم)(الحديث)..و لولا قسمته لما وصل عطاء لمحتاجه ،فمن قسم لك فقد اعطاك.
الذي لولاه لانهد الوجود﴿فإما نذهبن بك فإنامنهم منتقمون﴾: الوجودَ معلولٌ للنبوة : أي أن علة وجود الكون هي النبوة ،لولاها لما كان للوجود وجود .. فالذهاب بحقيقته يفتح المجال للجلال المحض،وهذا التجلي لا يستحمله الكون لو زالت وساطته “فإما نذهبن بك فإنا منهم منقمون”..النبوة هي الحقيقة المطلقة التي كانت سماءً للجميع ليتحقق لهم الاستناد إليها إيجادا وإمدادا …والمعلول تابع لعلته ملازم لها.
ولاشيء إلا وهو به منوط إناطة الرعية بالراعي،والملك بملكه…
تجليات الحق لا يقوم أمامها مخلوق دون حضورالبرزخ المحمدي ,إذ لا وجود لنسبة جامعة بين الحق والخلق إلاّ هُو صلى الله عليه وسلم : وهذا مِن مظاهر غناه سبحانه ..لذلك صار ما مِن شيء إلا وهو مرهون بالنبوة لانها في مقام السيد /الراعي/ الرب/ المعيل لعياله : سلطان النبوة مكَّن الوجود من الوجود ..فكل مربوبٍ مخلوقٍ هوموجودٌ تحت حيطة هذا السلطان وحكمه وحلِّه وعَقْدِه ،يقول الإمام الجيلي روّح الله روحه: أن مولانا رسول الله نسبة بين الله تعالى، وبين الكون بأكمله،ولو لم يكن موجودا،ما كان شئ من الموجودات يعرف ربه ،بل لم يكن العالم موجودا،لأن الله تعالى ما أوجد العالم ،إلا لمعرفته فأوجد النسبة أولا، ثم أوجدهم من تلك النسبة، ليعرفوه بها. انتهى…
اللهم = حسابها بالجُمّل 106… أي : حساب جُمّل : الله (66) + حساب جُمّل ميم(من اسم محمد المدغمة الباطنة) 40 =أي = 66+ 40 = 106= 53+ 53 أي= جُمّل (أحمد)… والنبوة لبَست قبل القبل حُلل الأسماء الإلهية المتجلية في الكون الإلهي ،فظهرت بِلوْنِيّتها،لها وجهة حقية (ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله)،وبالتالي فنحن نطلب اللطف في التجليات الإلهية،وفي مقتضياتها. والتجليات الإلهية تمرعبربرزخية حقيقته المحمدية،فهو صلى الله عليه واسطة في كل شئ،ولولاهذه الوساطة،لصارالوجود محض عدم،من هيبة الله،ولما استطاع الصمود أمام التجليات الإلهية،إذ لا نسبة بين الله والمخلوقات نسبتهم مع هذا الوسيط النوراني البرزخي.فسيدنا محمد هورحمة للعالمين،ومنة من الله عليهم. فكل ما ينزل من السماء سواء كان حسيا أومعنويا يمرعبر برزخيته(الله المعطي وإنما أنا قاسم)وكل ما يصعد من عبادات وأذكار،وتوسلات،وأعمال،تمرعبر برزخيته “تعرض علي أعمالكم ” ، كما جاء في الموقف الرابع عشر بعد المائة للاستاذ نفع الله به .
والتوحيد بإسمه ” لا إله إلا الله محمد رسول الله”.
لايصْلُح ويتحقق توحيدٌ من مخلوقٍ على الإطلاق إلا إذا كان موافقا لما جاء به سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم ،وهوسر قوله تعالى{ فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما”التوحيد يقتضي التفويض لله تعالى في كل الأمور وتنزيهه على كل التقديرات،ولا يقبل توحيد من موحد حتى يشهد له بالوحدانية ويسلم أمره لإرادته. وهذا مضمون الشهادة (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، فيعتبر قائلها موحدا لله تعالى ومُسلِّمًا أمره كله له،عرف أم لم يعرف.. والتوحيد نور سارٍ،قال تعالى﴿ ملة أبيكمۡ إبۡرٰهيمۚ هو سمىٰكم الۡمسۡلمين من قبۡل﴾فهوأبونا،ونحن على ملته، والملة هي”لا إله إلا الله”.وعندما بعث سيدنا محمد،أضيفت إليها “محمد رسول الله”.ولم يقترن قط اسم نبي ولا رسول،بكلمة التوحيد غيرنبينا محمد ﴿وإذ ابتلىٰ إبرٰهيم ربه بكلمٰت فأتمهن ﴾أتم كلمة التوحيد”لا اله الا الله” ب “محمدرسول الله”فاستحق الإمامة،الإمامة بمعرفة هذا النبي الكريم﴿ربنا وابعث فيهم رسولا منهم ﴾فهوعلى معرفة ببعث هذا النبي الكريم ،الذي من مهامه، التزكية والتعليم .
﴿وإذا سألك عبادي عني﴾لغناك يارب عن عبادة من يعبدك،ولأن بساط أحديتك لايقبل السوى…
وإذا سألك عبادي عني= هذه آية فاصلة في إثبات الوساطة المحمدية.. فما قال الحق سبحٰنه (وإذا سأل عبادي عني﴾.بل أثبت للنبوة كاف خطابه سبحٰنه لها ، فالمسؤول هوسيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله والسائل هو من دونه من العباد جميعا،الكاف للخطاب والمُخاطَب حاضر،وحضوره شهادة ..و الحاضر الشاهد،لابد أن يؤدي دوره المنوط به في الإجابة نيابة عن الحق سبحٰنه لأن الله له الغنى ..فمن مستلزمات الغنى الإلهي أن يقوم الحاضر الشاهد صلى الله عليه وسلم مقام من أنابه في الإجابة : الإجابة هي عطاء والسؤال لا ينقطع ..و الجواب والعطاء لاينقطعان، وانتبه يا ولي لاشارة ذلك في الآية( یَسۡـَٔلُهُۥ مَن فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ كُلَّ یَوۡمٍ)..فهل يبقَ العباد دون عطاء ولا جواب مع تحقق غنى الحق عن الخلق (ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَنِیُّ ٱلۡحَمِیدُ)….؟
وللطفك بعبادك،خلقت لهم برزخا نورانيا عظيما:
الحقيقة المحمدية ما كان لها أن تبرز لولا اللطف الإلهي بالمخلوقات …وهو تحقيق لغاية إرساله صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين جميعا ..لكن لم قال العارف :(وللطفك بعبادك) ولم يقل(ولرحمتك بعبادك)؟.. الإسم اللطيف هو إسم قائم بكل الأسماء الإلهية وسقياها منه ..هذه معرفة غائصة جدا أشار لها العارف الله دَرُّه و تفاصيلها دونها خرط القتاد..أما معنى البرزخ هاهنا فهو سيدنا و مولانا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله كما قدمنا، فهوالقائم صلى الله عليه و سلم بين الحق والخلق .ليحافظ لكل مرتبة على خصوصياتها ويبقى الرب رب والعبد عبد.
فأقمته مقامك﴿إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله﴾﴿وما رميت إذ رميت ولٰكن الله رمى﴾﴿فأجره حتىٰ يسمع كلٰم الله﴾وأنبته منابك﴿من يطع الرسول فقدأطاع الله﴾:
الخليفة قائم بأمر مَن استخلفه: هبْ أنَّ سلطانا أورئيس دولة أعطى لنائبه مطلق الصلاحيات في مملكته وصارت كل القوانين تصدر،وتُنفّذ بقرار مِن ذلك النائب عن السلطان: هل يستطيع أحدٌ أنْ يخالف تلك القوانين والقرارات ؟ لا..ولله المثل الاعلى ..لذلك قال العارف المحقق: فأقمته مقامك﴿إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله﴾النبوة قائمة بكل الأسماء والصفات الإلهية التي بها يسير الكون وبها تنصلح أمورالعالمين دقيقها وجليلها،قيامه صلى الله عليه وسلم بذلك هومن مقتضى الاستخلاف المطلق عن الحق سبحانه،فالله تعالى غني عن العالمين، وغناه سبحانه استلزم قيام الخليفة المحمدي صلى الله عليه وسلم وعلى آله بوظائف تصريف وتطبيق ومراقبة وتسيير كل شؤون الرعية المخلوقة وفق إرادة الله سبحانه ..فالحق تعالى أقام سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم مقامه في رعاية الرعية وإعالتهم ..والإشارة في الحديث(من راني فقد رأى الحق)..ولا ينوب عن الحق إلا الحق .
فهو الواسطة الذي بفضله اطمأنت الكائنات،فصارت مسبحات،ولله ساجدات، وصحبه وسلم :وُجود الوساطة النبوية بين الرب والمربوبين،جعل الكونَ وأهله في كهف أمانه ورحمته :عَلِم ذلك مِن علمه وجَهِله مَنْ جَهِله “وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِیُعَذِّبَهُمۡ وَأَنتَ فِیهِمۡۚ” .. و من مسميات هاته الوساطة المحمدية : الوسيلة..فهو وسيلة العٰلمين إلى الله ..لولاه لما تمت لهم رحمة.فهو عين الرحمة المتوسل به .الوسيلة جُمَّلها 777 أي العدد 111 المناسب لكلمة قطب،مضروبا في الرقم 7.وسبعة هوأس الكون العددي.فالنبوة هي قطب رحى الكون وعليها وبها مداره .. (ٱللَّهُ ٱلَّذِی خَلَقَ سَبۡعَ سَمَـٰوَ ٰت وَمِنَ ٱلۡأَرۡضِ مِثۡلَهُنّ)(الطلاق) ..فالكون كله مستند مستمد من العطاء الإلهي الواصل على يده صلى الله عليه وسلم وعلى آله ..هاته الرحمة المحمدية السارية في الكون هي مِن مُقتضيات الإرسال (وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ إِلَّا رَحۡمَة لِّلۡعَـٰلَمِینَ)فما من شئ إلا وهومشمولٌ برحمته صلى الله عليه وسلم ،فاستلزم ذلك قيام العالمين على قدم العبادة والتسبيح للحق سبحٰنه (تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتُ ٱلسَّبۡعُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَن فِیهِنَّۚ وَإِن مِّن شَیۡءٍ إِلَّا یُسَبِّحُ بِحَمۡدِهِ وَلَـٰكِن لَّا تَفۡقَهُونَ تَسۡبِیحَهُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ حَلِیمًا غَفُورا).الجميعُ عابدٌ مُسبِّحٌ لله طوعا وكرها..وما ذلك إلا بتعريفٍ وبركةٍ مِن وليّ النعمة وعين الرحمة سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم..فهو العارف والمعرِّف والمعرَّف..الحمد لله رب العٰلمين والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد سيد الأنبياء والمرسلين، وعلى مولاتنا فاطمة الزهراء سيدة نساء العٰلمين ،وعلى سيدتنا خديجة الكبرى ام المومنين،وعلى آله وصحبه اجمعين.ابن الهاشمي.

604 : عدد الزوار