وصايا في طريق القوم

__ ليحذر المريد من الإكثار من مجالسة الشيخ،فإن كثرة مجالسته تذهب هيبته عند غالب المريدين كما يذهب حرمة الكعبة لأهل مكة ولمن جاورها،فأين بكاؤه عند رؤيتها من جمود عينيه أيام المجاورة. والقاعدة أن كل شيء كثُرت مشاهدنه هان في العيون،والشيخ هو كعبة المريد التي يتوجه إليها في سائر مهماته..ومن هذا الذي قررناه حرم غالب نقباء الأشياخ وأولادهم ونساؤهم بركتهم لكثرة مشاهدتهم له وإدلالهم عليه

== قال الشيخ محيي الدين إبن عربي [ لقد تجسّد لي مرة حُبّي لشيخي أبي مدين رضي الله عنه،فكنت لا أقدر أن أنظر إليه،وكان يُخاطبني وأصغي إليه وأفهم عنه..ولقد تركني أياماً لا أشبع طعاماً،وكانوا كلما قدموا إلى المائدة،تَقف المحبّة على حرفها،وينظر إليّ ويقول لي بلسان أسمعه بأذني: تأكل وأنت تُشاهدني،فأمتنع من الطعام،ولا أجد جوعاً،وأمتلئ من الحب،حتى سَمُنت وعبّلت من نظري إليه،فقام لي ذلك مقام الطعام،أذوق ذواقاً ولا أجد جوعاً ولا عطشاً،وكان الحب لا يبرح نصب عيني في قيامي وقعودي وحركتي وسكوني ]

__ من شأن المريد أن (لا يرى نفسه على أحد من جماعة شيخ آخر)،فإنهم إخوانه في الطريق،لأن طريق أهل الله واحدة،ترجع إلى واحد وإن تعدّدت. وما إتخذ الناس لهم شيخاً إلا ليُهذّب أخلاقهم ويُزيل رعوناتهم،حتى يصير أحدهم يرى أن الناس كلهم ناجون وما هالك إلا هو..وهذا الأمر قد كثر في فقراء هذا الزمان،فيصحب أحدهم الشيخ إلى أن يموت،ثم يَصير مقراضاً في طوائف الفقراء،لا يُعجبه أحد منهم،مع أنه لا رآهم على كبيرة ولا إصرار على صغيرة،وهذا من أكبر المقت،نسأل الله العافية. وترى أحدهم يقول: (ما بقيت عيننا ترى أحداً مثل شيخنا)،فيُقال لهم: (ماذا إنتفعنم به؟)،فلا يجد شيئاً يقول. وكل جماعة يقولون: (شيخنا قفل بعده باب الله)،فلا يكاد ينتفع بأحد من أولياء عصره،نسأل الله العافية

ذ رشيد موعشي

299 : عدد الزوار