الطلاسم في الكمالات المحمدية

============ (الحقيقة المحمدية) ========

__ ويقول الشيخ محمد الكتاني في كتاب (الطلاسم في الكمالات المحمدية):

“إعلم على أنه على قدر الإستغراق والإستهلاك في سائر عوالمه،كل واحد بحسبه يكون البقاء بالله وفي الله ولله،وعلى قدر معرفته تكون معرفة مشهوده، وعلى قدر الجهل به يكون عكسه،لأنه هو الباب الأعظم والبرزخ المطلسَم الذي(لا دخول إلا من بابه) ولا فيض إلا من عذب ورود ماء راح رضابه.فلا شهود إلا فيه، ولا تجلٍّ إلا منه،وجميع من إدعى غير هذا فهو في اشتباه الأبدان {يقع في الزندقة} ومنها إلى ما شاء الله.فإن الإنسان إذا صارت تَهُبُّ عليه نفحات الحضرات،ويستنشق صبا هاتيك الفلوات،خصوصا إذا زُجَّ به في مهامه فناء الفناء أو صلصلة الجرس،ربما إذا لم تحصل له عناية محمدية،من ثم إلى الزندقة قطعا. ولذلك استعاذ منها العارف الأكبر بقوله: (وزُجَّ بي في بحار الأحدية وانشلني من أوحال التوحيد)،هذه هي أوحال التوحيد…” انتهى

يقول ابن عربي في الباب 340 من الفتوحات : “الحقيقة المحمدية ظهرت بصفات حقية

فإذا كوشف الإنسان على الإنسان الكامل ورأى الحق في الصورة التي كساها الإنسان الكامل يبقى في حيرة بين الصورتين لا يدري لأيتهما يسجد فيخير في ذلك المقام بأن يتلى عليه (فأينما تولوا فثم وجه الله). ففي الإنسان وجه الله من حيث صورته وفي جانب الحق وجه الله من حيث عينه فلأي شيء يسجد…”.انتهى

فهو صلى الله عليه وسلم واسطة في كل شئ وهو الحجاب الأعظم، وبما أن (وجهته الحقية) ظهر فيها صلى الله عليه بأوصاف الربوبية ظن جل السابقون أنهم يخاطبون الله وأنهم واقفون أمام الحق سبحانه وهم لم يروا إلا هذه الوجهة الحقية لمولانا رسول الله (من رأني فقد رأى الحق ) وتارة يروا (وجهته الخلقية) : وجهتان لعملة واحدة فهي تشبههم في الشكل وكشفهم وصل الى أن منها خلق الله كل شئ…فهي الظاهرة وهي المشهودة في كل شئ (أينما تولوا فثم وجه الله) ويمكن للسالك أن يصل الى حالة (جمع الجمع) معها ومن هذا المقام قال من قال سبحاني وقال آخر{ أنا الله } وقال سلطان العاشقين على لسانها:

فلا حي إلا عن حياتي حياته==وطوع مرادي كل نفس مريدة 

ولا قائل إلا بلفطي محدث ==ولا ناظر إلا بناظر مقلتي

ولا منصت إلا بسمعي سامع ==ولا باطش غلا بأزلي وشدتي

ولا ناطق غيري ولا ناظر ==ولا سميع سوائي من جميع الخليقة

قال ابن عربي في الباب الثاني عشر ما خلاصته أن الله سبحانه وتعالى “أول ما خلق روح نبينا سيدنا محمد وأعلمه الله بنبوته وبشر بها وآدم لم يكن إلا كما قال بين الماء والطين ولما إنتهى الزمان بالإسم الباطن في حق سيدنا محمد إلى وجود جسمه وإرتباط الروح به إنتقل حكم الزمان في جريانه إلى الإسم الظاهر فظهر سيدنا محمد بكليته جسما وروحا فكان الحكم له أولا باطنا في جميع ما ظهر من الشرائع على أيدي الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ثم صار الحكم له ظاهرا فنسخ كل شرع أبرزه الإسم الباطن بحكم الإسم الظاهر لبيان إختلاف حكم الإسمين وإن كان المشرع واحدا وهو صاحب الشرع فإنه قال كنت نبيا وما قال كنت إنسانا ولا كنت موجودا وليست النبوة إلا بالشرع المقرر عليه من عند الله فأخبر أنه صاحب النبوة قبل وجود الأنبياء الذين هم نوابه في هذه الدنيا .لقد ثبتت له السيادة في الدنيا بكل وجه ومعنى ثم أثبت السيادة له على سائر الناس يوم القيامة بفتحه له باب الشفاعة” .انتهى

يقول الامام الجيلي : “أن مولانا رسول الله (نسبة بين الله تعالى وبين الكون) بأكمله ولو لم يكن موجودا ما كان شئ من الموجودات يعرف ربه بل لم يكن العالم موجودا لأن الله تعالى ما أوجد العالم إلا لمعرفته فأوجد النسبة أولا ثم أوجدهم من تلك النسبة ليعرفوه بها”. انتهى

إليك وإلا لا تشد الركائب === وعنك وإلا فالمحدث كاذب

وفيك وإلا فالغرام مضيع ==== ومنك وإلا لا تنال الرغائب

يقول الشيخ بهاء الدين البيطار(ت1314هـ) في كتابه (النفحات الأقدسية) ص276: “…فهو عين كل شئ وذات كل شئ وسر كل شئ وقلب كل شئ وروح كل شئ وله في كل شئ وجه وصورة فهو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم ولذا وصفه الله تعالى باليتيم ,واليتيم من الدر هو الذي لا مثيل له فلا مثل للإنسان الكامل..”، ويقول في ص 283: “وهو صلى الله عليه وسلم عين النور فأحب لأمته التحقق بذاته لأنهم عين ذاته فلابد من وصول الجميع إليه فالذي كان يرى جبريل في صورة كوكب هو الذي صار يراه في صورة إنسان ..” انتهى

ف(الحقيقة المحمدية هي الظاهرة في صور الوجود وليست الذات الإلهية). فالذات الإلهية غنية عن التجلي ولها الغنى المطلق حتى عن الأسماء والصفات .فغاية وصول العارفين الي الحقيقة المحمدية وهي سدرة منتهى سيرهم

يقول الأمير عبد القادرالجزائري: “ان الحقيقة المحمدية هي هيولى العالم وحقيقة الحقائق وهو الإنسان الأزلي وهو الأول والآخر والظاهر والباطن..وهي المشهودة لأهل الشهود وهي المكنى عنها بالخمر والشرب والكأ س والنار والنور”..

كنار موسى رآها عين حاجته === وهو الرب ولكن ليس يدريه

يقول العارف النابلسي في تفسير (آية النور) : “هناك النور القديم المنزه عن الكيفية وهو نور الحق وهو الغيب المطلق المشار إليه بقوله تعالى (الله نور السموات والارض)، ونور العالم المحدث وهو نور نبينا المشار إليه بقوله تعالى (مثل نوره كمشكاة) لأنه أول ما خلق الله نوره ثم خلق منه كل شئ فهو كل شئ من حيث الحقيقة وغيره من حيث الصورة” إلى أن قال : “سيدنا محمد رسول الله هو (النور الأعظم) الذي أرسله الله رحمة للعالمين فلا يوجد شئ إلا بواسطة نوره”.

يقول العارف بالله أحمد التجاني : “فأما حقيقة مقام روحه فلا يصل إليها إلا الأكابر من النبئين والمرسلين والأقطاب ومن ضاهاهم من الأفراد .ومن العارفين من يصل إلى مقام عقله أو قلبه أو نفسه فتكون معارفه وعلومه بحسب ذلك وهي دون المقام الذي قبله .وأما مقام سره فلا مطمع لأحد في دركه فهي الحقيقة المحمدية التي هي (محض النور الإلهي)..”.انتهى

ذكر بعض العارفين أن: الحكمة في إنفراده عن مكة بمحل آخر بعيد عن مكة زيادة في إظهار فضله وأنه متبوع لا تابع إذ لو دفن بمكة لكان قصده يكون تابعا لقصدها أو لقصد الحج فيصير متبوع وذلك لا يليق بعلي مقامه فاقتضى ذلك أن ينفرد بمحل مخصوص بعيد من مكة حتى يكون قصد زيارته مستقلا ليس تابعا لغيره وحتى يتمايز الناس في شد الرحال لزيارته ف(البيت الحرام كعبة الأشباح،والروضة الشريفة كعبة الأرواح)..”.

ذكر القاضي عياض رضي الله عنه: “أن الله تعالى سمى محمدا بإسمه الجبار وبإسمه الخبير وبإسمه الفتاح وبإسمه الشكور وبإسمه العليم وبإسمه العلام وبإسمه الأول وبإسمه الآخر وبإسمه القوي وبإسمه المهيمن وبإسمه الداعي وبإسمه العزيز إلى غير ذلك من الأسماء الإلهية المخصوصة بالحق وأقام دليل كل إسم من ذلك من القرءان العزيز حيث لا يدافعه مدافع ولا يجد مدخلا إليه منازع.” انتهى

ولا خلاف عند المحققين أنه صلى الله عليه وسلم (مُتّصف و مُتحقّق بجميع الأسماء الحسنى والصفات العليا) بالغ في ذلك من الكمال مالا يصل اليه أحد من الخلق فهو سدرة منتهى المخلوقين أجمعين ونهاية سير العارفين صلى الله عليه وسلم

قال الجيلي: “فهو خاتم النبئين فلا نبي بعده فلو حصلت النبوة لأحد لكان ناسخا لشرع محمد وذلك محال لأن الجزء لا يظهر على الكل فدين سيدنا محمد وخلافته كلية على الكون الإلهي قبل القبل وبعد البعد.والأولياء الذين ظهروا بعد سيدنا محمد تابعون له صورة ومعنى بخلاف الأنبياء صلوات الله عليهم إنما لحقوا بمحمد حكما أي من حيث المعنى لا من حيث الصورة”.

قال الشيخ عبد القادر الجيلاني : “ما رفع رسول الله قدما إلا وضعت قدمي إلا قدم النبوة العظمى والمكانة الزلفى والوسيلة الكبرى فإنه مخصوص بها” . إنتهى

أين بين من قيل له ولسوف يعطيك ربك فترضى === ومن قال وعجلت إليك ربي لترضى

أين بين من قيل له الم نشرح لك صدرك === ومن قال ربي اشرح لي صدري

اين بين من قيل له ليغفرلك الله ما تقدم من ذنبك وماتأخر === ومن قال رب أغفر لي خطيئتي

أين بين من قيل له ورفعنا لك ذكر === ومن قال ربي اجعل لي ذكرا في الأخرين

أين بين من قيل له ما كذب الفؤاد ما رأى === ومن نظر في النجوم فقال أني سقيم

وعناية بسيد المرسلين امر الله سيدنا إبراهيم وإسماعيل بتطهير البيت للطائفين ولم يكن معهم إسحاق لما لم يكن محمد  في صلبه باقي.

يقول الشيخ محمد بن عبد الكبير الكتاني: “ان مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد نبيا،ومن حين خرج صلى الله عليه الى عالم الشهادة خرج مع ثبوت النبوة له مع كمون الرسالة في حقيقته الى أن يأتي وقت الظهور بها وإلا لم يبلغ مع كونه عالما بها وبكل ما تحتوي عليه،بل النبوة والرسالة كانتا حاصلتين له في تلك المدة أعني قبل نزول الملك .فإن القرءان كان مقرؤا وثابتا عنده في مدة الأربعين كما كان قبلها بشاهد (وإنك لتلقى القرءان من لدن حكيم عليم).فالوحي من لوح أحمديته يقرأ وعلى محمديته يتلى أما النبوة فلقوله (كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد)، وأما الرسالة فلقول التنزيل  (وإذ أخد الله ميثاق النبئين لما آتيناكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول..) فسماه رسولا في تلك القرون الأولى.{تأمل} فلنفسه ولمن تقدم من الأنبياء والرسل الى أن آن وقت ظهوره..” انتهى، من كتاب (الديوانة) بتصرف.

يقول تعالى على لسان عيسى (قال اني عبد الله ءاتاني الكتاب وجعلني نبيا) فسيدنا عيسى زيد نبيا كما تدل على ذلك الآية فما بالك بسيد الأولين والآخرين والأنبياء والمرسلين وسيد الخلائق أجمعين..

يقول الجيلي في كتابه (الكمالات الإلهية) : “في قوله تعالى (ما تقدم من ذنبك وما تأخر) دليل واضح ان رسول الله كان متحققا بالله تعالى في سائرأحواله من الطفولية والشبوبية والكهولية فلم يغفل عن الله تعالى طرفة عين حتى ولا في الأرحام والأصلاب لأنه كان نبيا وهو في الأرحام والأصلاب والنبي لا يغفل عن الله تعالى وغيره لم يكن نبيا إلا بعد كماله وظهوره في العالم الدنيوي فظهر من الكلام علو مرتبة سيدنا محمد”.

ويقول الكتاني في مكان آخر: “فكانت الحقيقة المحمدية محمدا في مقام الكثرة والوحدة ولم تزل محمدا قبل القبل ,ولم تزل محمدا حين الكون ,ولم تزل محمدا بعد الكون ولم يزل نبيا قبل الزمان والمكان ولم تنسلخ عنه النبوة والرسالة القائمتان به قبل القبل الى أن ءاذن جل شأنه بالظهور التفصيلي النشري الشهادي في عالم التفصيل فظهر مظهرا ثانيا على كرسي الإنباء والإرسال عن الله تعالى داعيا الى الله بالحق وهاديا الى صراط الله الحميد”. انتهى

قال العارف بالله الأمير عبد القادر الجزائري : “ولهذه الحقيقة المحمدية أسماء كثيرة منها (مجمع البحرين) لأنه مجمع بحري الوجوب والإمكان أو باعتبار إجتماع الأسماء الإلهية والحقائق الكونية فيه .ومنها تسميته ب(الوجود الساري) لأنه لولا سريان الوجود الحق في الموجودات بالصورة التي هي منه وهي الحقيقة المحمدية ما كان للعالم ظهور ولا صح موجود لبعد المناسبة وعدم الإرتباط فما صح نسبة الوجود للموجودات إلا بواسطة هذه الحقيقة .ومنها (مرآة الكون) ..ومنها (مركز الدائرة) فالمراد بالدائرة الأكوان كلها والمركز هو القطب الذي تدور عليه كقطب الرحى الذي هو ماسك لها ولولا استقامته ما استقامت على وزن واحد .ومنها تسميته ب(نور الأنوار) لأنه ورد أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر

ومنها (الظل الأول)، ومنها (الحياة السارية) في كل موجود، ومنها (حضرة الأسماء والصفات)، ومنها (الحق المخلوق به كل شئ)…”.انتهى

فهو (روح الأرواح) و(النور الأول)، وهو (السراج الأول) الذي إتقدت منه جميع السرج، وهو (أصل لجميع المجودات من حيث حقيقته) لا من حيث صورته، ومن أجل ذلك عمت الرحمة جميع الموجودات وإلى ذلك اشارة بقوله تعالى  (رحمتي وسعت كل شئ ولله يسجد من في السموات والأرض) فما في الوجود إلا ساجد، وقال (وتقلبك في الساجدين) فهو المتقلب بهم فيهم والمعرفهم بربهم

لو كنت من شئ سوى البشر === كنت المنور ليلة البدر

يقول ابن عربي في الباب العاشر في معرفة (دورة الملك): “فكانت الأنبياء في العالم نوابه صلى الله عليه وسلم من آدم إلى آخر الرسل عليهم السلام وقد أبان صلى الله عليه وسلم عن هذا المقام بأمور منها قوله صلى الله عليه وسلم والله (لو كان موسى حياً ما وسعه إلا أن يتبعني)،فروحانيته صلى الله عليه وسلم موجودة وروحانية كل نبي ورسول فكان الإمداد يأتي إليهم من تلك الروح الطاهرة بما يظهرون به من الشرائع والعلوم في زمان وجودهم رسلاً وتشريعه الشرائع كعلي ومعاذ وغيرهما في زمان وهو في الحقيقة شرع محمد صلى الله عليه وسلم. ثم جعل له نواباً حين تأخرت نشأة جسده فأول نائب كان له وخليفة آدم عليه السلام ثم ولد وإتصل النسل وعين في كل زمان خلفاء إلى أن وصل زمان نشأة الجسم الطاهر محمد صلى الله عليه وسلم فظهر مثل الشمس الباهرة فاندرج كل نور في نوره الساطع وغاب كل حكم في حكمه وإنقادت جميع الشرائع إليه وظهرت سيادته التي كانت باطنة فهو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم”.  إنتهى

أشار (ألف) أحمد الى كونه فاتحا ومقدما لأن مخرجه مبدأ الحروف، وأشار (ميم) محمد إلى كونه خاتما مؤخرا لأن مخرجه ختام المخارج، فهو الظاهر الذي لا يعرف والباطن الذي لا يجهل، وهو الحق من ربهم كما أن العدد واحد هو لبرج الحوت ,وبرج الحوت مائي (وجعلنا من الماء كل شئ حي) فما في الوجود إلا حي، فسر الحياة سار في جميع الموجودات، كذلك الواحد سار في جميع الأعداد والألف سار في جميع الحروف فتأمل إنما لم يظهر الواحد بإسمه في الأعداد وكذلك الألف في الحروف وظهرا بمعناهما إذ لولا معناهما لم يوجد لهؤلاء عين ولو ظهر بإسمه لم يوجد لهم عين فالعشرة هي واحد كرر 10مرات وأي حرف إلا وفي باطنه الألف فظهر الواحد بمعناه لا بصورته

أ = 1 م = 40 بعدد الدوائر الكونية ويرمز الى ظهور الحقيقة المحمدية في مراتب الوجود لهذا لا ابن عربي ولا الجيلي لم يعتبرا الواحد من الأعداد ولم يقع الاختلاف بين المشارقة والمغاربة فيما يخص حساب الجمل الا بعد الميم والنون من (كلمن) نون = 50+ 6+50= 106 = أحمد + أحمد، فتدبر. والميم تلتقي عندها الشفتين وفي الفاتحة إلتقت الشفتين 19 مرة عند الميم والباء أي عدد حروف (البسملة) والتي هي (طلسم محمد أحمد) فهو النبي الأعظم والنور الأتم والقهرمان الأفخم فهو الكعبة التي تطوف بها قلوب العارفين والمغناطيس الجداب لأرواح الخلائق اجمعين..

صفاء ولا ماء ولطف ولا هوى === ونور ولا نار وروح ولا جسم

يقول الإمام الجيلي قدس الله سره: “كل كمال تشهده بالمحسوسات فهو من فيض صورته الظاهرة وكل كمال تعقله بالمعنويات فهو من فيض معانيه الباطنة فهو في المثل معدن كمالات العالم باطنها وظاهرها فمحسوسات العالم تستمد من ظاهره ومعقولات العالم تستمد من باطنه فهو هيولى الصورة والمعاني الوجودية فعالم الشهادة فيض ظاهره وعالم الغيب فيض باطنه وعالم الغيب عبارة عن حقيقته..” انتهى

روي في التشريفات عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل جبريل عليه السلام: “كم عمرت من السنين؟” قال: “والله لا أدري غير أن كوكبا في الحجاب الرابع يظهر في كل سبعين ألف سنة مرة رأيته إثنين وسبعين ألف مرة”. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “يا جبريل وعزة ربي أنا ذلك الكوكب” .انتهى

قال تعالى (فأينما تولوا فثم وجه الله) في الملك المشهود أو في الملكوت الغائب، فكل صورة في الوجود لها وجه يرجع بها الى إسم من الأسماء الإلهية (ياأيها الناس أنتم الفقراء الى الله) وما في الوجود شئ لا يفتقر اليه لأنه ليس في ملك الله العبث. فما في الوجود إلا مقتضيات الأسماء الإلهية ونحن نسميها أفراح وأتراح وأمراض فما في الوجود إلا الحسن والجمال ولايرى هذا الا من كشف له عن باطن الأواني وإطلع على ما وراء المعاني ولايزال السالك يتقوى في الشهود حتى لا يرى الا وجهه المشهود وهو الذي عبروا عنه ب(جمع الجمع)، ف(الفرق أدب الشريعة،والجمع أدب الحقيقة)..

قالوا أتنسى من تهوى فقلت لهم === يا قو م من هو روحي كيف أنساه

وكيف أنساه والأشياء به حسنت === من العجائب أن ينسى العبد مولاه

قال العلامة ابن الزملكاني : “إنه صلى الله عليه وسلم أكمل في ذاته لأن كل مقام وكل صفة إختص بها نبي فهو فيها أتم وأكمل فنبوته أتم ورسالته أعم وله الخلة والمحبة والكلام مع الرؤية وله القرب والإصطفاء والدنو وحسن الخلق والخلق وكمال العصمة مع المغفرة لما تقدم من ذنبه وما تأخر وهو الأتقى والمتبع والمخصوص في كل مقام بالقسم الأوفى . بعثه الله ليتمم مكارم الأخلاق وإختاره من أطيب البيوت واطيب الأعراق وأثنى عليه بقوله :” وإنك لعلى خلق عظيم “أما أنه أكمل في دعوته فلأن شريعته نسخت جميع الشرائع ودعوته عمت التابع والمتبوع فهو الإمام وهم المؤتمون وهو السائر باللواء وهم تابعون صلى الله عليه وسلم..”. انتهى

قال تعالى (عينا يشرب بها المقربون)  إنما لم يقل (منها) لأن الشراب من العين معلوم، وانما قال (بها) لئلا يتوهم ان الكأس الذي يغترف به من تلك العين غيرها بل هي عين الكاس الذي يشرب به فيشرب بها منها.

وقال (ص): “من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها” والصلاة علي النبي (ص) تنقسم الي صلاة الله عز وجل عليه وهي (الصلاة بالنعوت)، وصلاة الملائكة بالشمائل المحمدية (اللغة السوريـانيه )، وصلاة المؤمنين بالسيرة العطرة.

قال ابو الفيض: “من صلى على المحمدية بالمحمدية ( السيرة او الشما ئل) فقد مدحها، ومن صلى علي المحمدية بالأحمدية  (بالقرءان) فقد أثنى عليها، وشتان ما بين (المدح) و(الثناء)، والصلاة بالنعوت تفوق غيرها وتطوي المسافات والنعوت كلها من باطن القرءان”..

ومن لي بحصر البحر والبحر زاخر === ومن لي بإحصاء الحصى والكواكب

ولو أن كل العالمين تألفوا === على مدحه لم يبلغوا بعض واجب

ورب سكوت كان فيه بلاغة === ورب كلام كان فيه عتب لعاتب

 __ إعلم أن مقتضى الإسم الإلهي لا يصل إلى أهل الكون مباشرة بل لا بد من (الإصطحاب) مع سيدنا محمد,لكي يكون اللطف في التجليات الإلهية :”الله معطي وإنما أنا قاسم” الحديث،فأبرز الله تعالى من نوره هذا (البرزخ العظيم الجامع) وأفاض عليه جميع كمالاته وحلاه بأسمائه وصفاته فكان (حاجزا بين المخلوقات وصدمات التجليات الإلهية)،فلولاه لما إستطاع الوجود الصمود، ولإضمحل من حينه لإنعدام (المجانسة والمناسبة) مع الله تعالى فهو الرحمة المهداة (وما أرسلناك إلارحمة للعالمين) التي رفعت بها الأستار و صحت الموجودات للوجود وهو معنى قول القائل: “لولاه لم تخرج الدنيا من عدم، ولولا الواسطة لذهب كما قيل الموسوط”، فهو الواسطة في كل شئ.. بل له على كل ذرة من ذرات الوجود نعمة الإستمداد من الحق فلا دخول إلا من بابه ولا شهود إلا فيه ولا تجل إلا منه

__ (لَبست هذه الحقيقة المحمدية حُلَل الأسماء الإلهية):

لها (الغنى): (وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله)، ولم يقل (من فضلهما).

لها (الإستجابة): (إستجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم)، ولم يقل (إذا دعوكما).

لها (الإنعام) أو (النعمة): (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه).

لها (القضاء): (ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا م

ما قضيت ويسلموا تسليما)،

.(ولم يقل (ويسلموا سلاما) بل (السلام مع تسليم الأمور إليه صلى الله عليه وسلم

لها (الرضى): (والله ورسوله أحق أن يرضوه)، ولم يقل (يرضوهما).

وقَرَن براءته تعالى ببراءته فقال (براءة من الله ورسوله)،

ومحاربة الله بمحاربته فقال تعالى (إن الذين يحاربون الله ورسوله)..

عين الوجود وواحد الموجود === مجلى محاسن حضرة المعبود

وحقيقة الإسم الذي لصفاته === خضعت رقاب معاند وجحود

متوحد في كل فضل باهر === ووحيد فرد حقيقة التوحيد

ليس في الوجود من له (الحل والربط والنقض والإبرام) الا مولانا رسول الله، فهو برزخ عظيم بين المخلوقات وربها، ومن خاصية البرزخ أن لا ينزل شئ إلا عليه ولا يصعد إلا اليه، فمعاملة الخلق كلها معه في الحقيقة قال تعالى (ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) ولم يقل (ولا يشرك بربه أحدا).

 __ قال العارف بالله الشيخ سيدي احمد بن ادريس: “لرسول الله وجهتان: وجهة إلى الحق تعالى وهو المقام الذي قال فيه تعالى (والله ورسوله أحق أن يرضوه) فأعاد الضمير بصيغة الإفراد .وقال تعالى (ياأيها النبي أنا ارسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة واصيلا)،فأعاد الضمير بصيغة الإفراد. وقال في هذا المعنى (من رآني فقد رأى الحق)، وقال (إن لي وقتا لا يسعني فيه إلا ربي)، ولذا قال تعالى (واذا قرأت القرءان جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا)،الحجاب المستور هو كونهم ما رأوا فيه إلا (البشرية والعبودية) إذ لو صدقوا لرأوا ما رأى الذين قال تعالى في حقهم: (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله) فهو أقرب الكون إلى الله”..انتهى

يا سراج الكون إني عاشق مستهام === مغرم والمدح فني يا بدر التمام

منيتي أقصى مرامي أحظى بالشهود === وأرى وجهك الكريم يا زكى الجدود

__ يقول العلامة ملا علي القاري: “في قوله تعالى (واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا)،

فلو لم يكن،أي النبي،متمكنا من الإجتماع بهم لم يكن لهذا الخطاب فائدة..” انتهى

قال تعالى (لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون) أقسم بحياته وما أقسم بحياة أحد ولا فائدة للقسم ان لم يكن موجودا بحقيقته في تلك العصور الغابرة.

قال تعالى (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) والرحمة صفة ولابد لها من وجود الموصوف بها،كما أن من أرسل رحمة للعالمين يقتضى أن يكون أفضل العالمين وأعظم العالمين.

قال (ص): “كنت نبيا وآدم منجدل في طينته” والنبوة صفة ولابد لها من وجود الموصوف بها. فتأمل

حجبوك عن مقل الأنام مخافة === من أن تخدش وجهك الأبصار

فتوهموك ولم يروك فأصبحت === من وهمهم في خدك الأثار

__ (الإنسان الكامل) وهو (الظاهر في المظاهر):

في الوصل 18 من (خزائن الجود) يقول ابن عربي: “الإنسان الكامل وهو الظاهر في المظاهر،فكل من في العالم جاهل بالكل عالم بالبعض إلا الإنسان الكامل وحده فإن اللّه علمه الأسماء كلها وآتاه جوامع الكلم فكملت صورته ف(جمع بين صورة الحق وصورة العالم) فكان برزخاً بين الحق والعالم..” انتهى

الباب 415: “الحقيقة المحمدية ظهرت في صور العالم

وكان الإنسان الكامل على صورة العالم وصورة الحق، وهو قوله (أنّ الله خلق آدم على صورته)..” انتهى

البالب 360: “لكون الحق ما وصف الإنسان الكامل إلا بما وصف به نفسه فنفي مماثلة الإنسان الكامل أن يماثله شيء من العالم..”.

خلاصة : [ لا أحد يعرف الإنسان الكامل فالحقيقة المحمدية مجهولة لأهل الكشف والشهود فلا الملك عرفها قال تعالى: (لو كان عندنا علما من الاولين لكنا عباد الله المخلصين) ولا الإنسان وصل الى كنهها (فإن تولوا عن معرفتك فقل حسبي الله ما عرفني حقيقة غير ربي) .الإنسان الكامل نائب عن الحق في الظهور للخلق ولا يعلم الله الا الإنسان الكامل فهو مجلاه وأما الحق سبحانه و تعالى فله الغنى المطلق

(الحقيقة المحمدية) هي (الظاهرة في صور الوجود):  ” فلهذا قلنا في الإنسان الكامل أنه (نائب عن الحق) في الظهور للخلق لحصول المعرفة به على الكمال الذي تطلبه الصورة الإلهية، والله من حيث ذاته غني عن العالمين، والإنسان الكامل بوجوده وكمال صورته غني عن الدلالة عليه لأن وجوده عين دلالته على نفسه..” (باب انوار المشهودة)

 فأنت بــاب الله أي امـرء === أتاه من غيرك لا يدخل

 وشق له من إسمه ليجله === فذو العرش محمود وهذا محمد

__ مفهوم (الإصطحاب):

يقول الشيخ محمد الكتاني : “واعلم أنا حققنا أن روحانيته إصطحبت مع جسمانيته من أول قدم أي من يوم برزت لكرة العالم فكانت العوالم عنده متحدة فصار ما في الروح في الذات وما في الذات في الروح بمقتضى الإسم الجامع،أي إسم الجلالة (الله)، وهو ما أشار اليه الشيخ في صلاة المتردي ب  (الملتحف بوحدات الذات) ف(الالف) إشارة إلى (الاحدية) والتي هي حضرة سحق ومحق،و(اللام الأولى) إشارة إلى (الأحمدية)، و(اللام الثانية) الملاصقة لها إشارة إلى (المحمدية)، وشدة تلاصق اللامين إشارة الى (الإصطحاب) الواقع بينهما . أما (الهاء) عند الشيخ فهي تشير إلى أن (الأحمدية هي المحمدية) هي هي ،فرقا أيضا ظهرت بها أو جمعا،تفصيلا أو إجمالا .فاصطحب (الكأس والمدام والخمر والأواني)، (هن لباس لكم وانتم لباس لهن).فإذا ثبت أن (باطنه الأحمدي مظهر اللاهوت) لزم كون ظاهره المحمدي كذلك، وذلك لتبعية لون الإناء للون الماء،ما إرتسم فيه ظهر فيه.. فلا تتصور المفاضلة لأنها إنما تعقل بين إثنين .. ويضيف أن الهيكل الشريف له روحان روح كلية (والتي هي الحقيقة الأحمدية)،وروح جزئية .والروح الكلية متصفة ب(نَعْت الإطلاق)،وهذا الهيكل من عالم التقييد، والى هذا يشير قوله  (إني لست كهيئتك)،أما الروح الجزئية فقد سقاها الحق تعالى من الكمالات الإلهية ما صيّرها به أنموذج جميع المزايا والفواضل..وعندما أراد الله تعالى أن ينقله لإصله الحقيقي (بالموت) صار يفرح للُقْياها ويَلْهج بالإلتحاق بها،وهي (أي الروح الكلية) التي سماها (الرفيق الأعلى)..” انتهى (كتاب الديوانة) بتصرف

الشيخ رضي الله ورحمه هو أول من أشار إلى هذا (الإصطحاب الذي وقع بين النبوة والرسالة). والإصطحاب هي (المساواة التي وقعت بين الصفة والموصوف) أي بين (الأحمدية المحمدية)..

يقول الشيخ الأكبر: “إعلم أن النبي خص بست لم تكن قبله من بينها انه (أعطي مفاتيح الخزائن) وقال تعالى : (وإن من شئ إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم) ثم قال بعدها (حفيظ عليم) ولما طلب يوسف عليه السلام من ملك مصر أن يجعله على خزائن الأرض قال إنه حفيظ عليم فلما أعطى مفاتيح خزائن الأرض علمنا أنه حفيظ عليم فكل ما ظهر من رزق في العالم فإن الإسم الإلهي لا يعطيه إلا عن أمر سيدنا محمد الذي بيده المفاتيح كما إختص الحق سبحانه بمفاتيح الغيب فلا يعلمها الا هو”.انتهى

لولاك يا زينة الوجود === ما طاب عيشي ولا وجودي

ولا ترنمت في صلاتي === ولا ركوعي ولا سجودي

 __ خَلَقْته صلى الله عليه وسلم من (نور الأحدية): (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين)،(كنت أول الناس في الخلق وآخرهم في البعث)،(أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر). وخلَّقته ب(الأسماء والصفات الإلهية) ومنحته (الخلافة الكلية) و(للخليفة الظهور بصورة المستخلف). وجعلت الأنبياء والرسل (نُوّاباً) له يستمدون من حقيقته الأحمدية،وكان نائبا عنك في الأقوال (إنه لقول رسول كريم) و (أجره حتى يسمع كلام الله)،وفي الأفعال (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى)، وقلت له (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله)،وجعلته (برزخا نورانيا وحجابا عظيما) بينك وبين خلقك،(حاجزا بين صدمات التجليات الإلهية وبين الخلائق) فلا يصل شئ إلا منه ولا يصعد شئ إلا عليه .أوتي الخزائن وأعطي الموازن، وقلت له (هذا عطاؤنا فأمن أو أمسك بغير حساب). فلا مناسبة إلا بيننا وبينه ولا وصول إلا إليه ولا شهود إلا فيه،عرف ذلك من عرفه وجهله من جهله..

يقول الشيخ محمد الكتاني رضي الله عنه في كتاب (الطلاسم) : “فلا تصح (الرؤية في بساط التجريد) أصلا، وإنما تقع على نفس البرزخ. ومن هاهنا يتجه لك سر مبحت وهو أن بعض العلماء بالله يدَّعي الرؤية ويقول رأيت ربي، فهل لُبِّس عليه الأمر أو رأى أو لم ير؟ نقول أنه (كوفح بنَعْت من الروح الكلية في بساط القرب الذاتي) بعد أن دُكّت عوالمه ومراسمه وارتقى عن عالم العناصر والمواد والأخلاط وعثر على بساط صلصلة الجرس، وبها يستنشق حميا ذلك المحيا، ولما انبسطت أشعتها عليه ظن بحسب التحقيق أنها هي الجمال المطلق وهي عينه، فهويته هوية الحسن المجرد وعينه عينه..”.انتهى

ومن هذا المقام قال بعضهم (أنا الحق)،وقال الآخر (سبحاني).وقال العارف:

رَقّ الزجاج وراقت الخمر === فتشابها وتشاكل الأمر

فكأنما خمر ولا قدح === وكأنما قدح ولا خمر

قال العارف بالله الامير عبد القادر الجزائري: “قال تعالى(وما أرسلناك إلارحمة للعالمين) إعلم أنه ليس المراد من إرساله رحمة للعالمين هو إرساله من حيث ظهور جسمه الشريف الطبيعي فقط فانه من هذه الحيثية غير عام الرحمة لجميع العالمين فإن العالم ما سوى الحق تعالى بل المراد (إرساله من حيث حقيقته) التي هي (حقيقة الحقائق) و(من حيث روحه) الذي هو (روح الأرواح) فان حقيقته هي الرحمة التي وسعت كل شئ وعمت هذه الرحمة حتى أسماء الحق تعالى من حيث ظهور آثارها ومقتضياتها بوجود هذه الرحمة وهذه الرحمة هي (أول شئ فتق ظلمة العدم وأول صادر عن الحق تعالى بلا واسطة) وهي (الوجود المُفاض على أعيان الممكنات)،وقد ورد في الخبر (أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر)..” انتهى

ما أرسل الرحمان أو يرسل === من رحمة تصعد أو تنزل

في ملكوت الله أو ملكه === من كل ما يختص أو يشمل

واسطة فيها واصل لها === يعلم هذا كل من يعقل

ويقول الشيخ الاكبرفي الباب 313 ج 3 ص 64 : “إعلم ايدك الله أن (أصل أرواحنا روح سيدنا محمد) فهو (أول الآباء روحاً)،و(آدم أول الآباء جسماً)..”.

يقول الجيلي رحمه الله : “وكما أن الصفات فرع الذات كذلك العالم فرع عن الحبيب صلى الله عليه وسلم، فهو (واسطة بين الله وبين العالم)، والدليل على ما قلناه قوله صلى الله عليه وسلم (أنا من الله و المؤمنين مني) أي أنا مخلوق من نوره تعالى أي النور الذي خلقه الله تعالى قبل كل شئ وإضافته لله للتشريف، والدليل الثاني قوله لجابر (أن الله تعالى خلق روحه ثم العرش والكرسي والعلويات والسفليات جميعا منه)..”.

ويقول الجيلي في موضع آخر: “عند قوله تعالى (لتؤمنن به) دليل على أن الأنبياء لم يُدركوا الكمالات المحمدية وسبب ذلك أن الفرع لا سبيل له أن يحيط بالأصل فأخد الله الميثاق عليهم أن يؤمنوا بكمالاته إيمانا بالغيب ليكون ذلك سببا لهم الى المعارف الذاتية لعلمه تعالى أنهم لا يدركون ذلك إلا بواسطة سيدنا محمد، وسر هذا الأمر أنه صلى الله عليه وسلم (مظهر الذات) والأنبياء (مظهر الصفات)، والدليل على أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم (ذاتي) ومن دونه (صفاتي) هو أن الله تعالى لم يُسَمّ أحدا غيره من الأنبياء بأسمائه الذاتية على الإطلاق وسمى سيدنا محمدا بها فسماه (الحق والنور)..” انتهى

له سيرة مأثورة سار ذكرها ==== وبشر لمن يلقاه لاحت بشائره

وأنس يرى الانسان منه مسرة ==== وفيه حياء طار في الحي طائره

 __ قال تعالى : (إن الله وملائكته يصلون على النبي) وردت (يُصَلّون بالمضارع) الذي يُفيد (التغيير والإستمرار) .التغيير الذي تنتجه التجليات الإلهية .فكل ما يظهر في الكون هو تابع لتجلي من تجليات الأسماء الإلهية وللمقتضيات القرءانبة ،وبالتالي فهو مَنوط بصلوات الله على الحقيقة المحمدية ،فما ظهرت الإبتكارات العلمية والتطورات التكنلوجية إلا بعد ما ظهرت صلوات نَعْتية تُعَنْون عن الأحدية .فالحقيقة المحمدية برزت من مقتضى الأحدية،وصلاة الله هي تلك الشعلة التي تربط الكون بخالقه إذ الكل منوط بهذا النبي الكريم الذي جعله الله واسطة بينه وبين كونه، فهو صلى الله عليه (نفس الوجود وروح الوجود و سر الوجود) الذي لولاه لإنْهَدّ الوجود وما استطاع الصمود أمام تدفّقات التجليات الإلهية، فبصلاة الله عليه تَعُمّ الرحمات ويكون اللطف في الكون الإلهي ويصبح الوجود صالحا للوجود .قال تعالى (إني جاعل في الارض خليفة) وقال رسول الله صلى الله عليه : (من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها) فبالصلاة عليه ينال المصلي حظه من هذه الخلافة العامة إن كانت صلاة نَعْتية راقية تُحَرّك القدر فيكون التشوّف القدري لهذا المصلى وراثة محمدية ويكون نائبا عن الحضرة المحمدية وخليفة لها. (والأوتاد أرساها) (الغوث محل نظر الله من العالم)  كما قالوا، فأدخل صلى الله عليه أمته بميزان الصلاة عليه في (دائرة الخلافة) وجلب النفع لعباد الله (خيركم أنفعكم للناس) الحديث، والمنفعة الحقيقية تَمُرّ عبر الصلاة عليه، فخيرنا من يصلي على نبينا بصلاة موافقة للقدر الإلهي وتابعه للتجليات الإلهية لإطفاء غضب الرب وللزيادة في الرحمات، لهذا شغل الله العوالم كلها بالصلاة عليه لإنه (لا نسبة بين الخالق والمخلوقات،نسبتهم مع النور المحمدي) أي مع سيدنا محمد (أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر)،(أنا من الله والمؤمنون مني) رواه الديلمي والعجلوني في كشف الخفاء، وهذا هو سر إتصال إسم الجلالة مع ميم محمد (اللهم)،(الميم) عبارة عن (الحقيقة المحمدية) وإتصالها بالجناب الأقدس إتصالا فرقيا لكي يبقى (الرب رب،والعبد عبد)،ويقتضي أن (القرءان نزل دفعة واحدة منه إليه بدون وساطة)، وقولنا (اللهم) طلبنا من الله تعالى ان يُصلي على (هيولى الاجمال والتفصيل)،أما نحن فعاجزون على هذا البساط .والصلاة علي النبي لإطفاء عدل ما تقتضيه مَيازب الذات العلية ولكي لا يتعطل سير الكائنات، ف(الكون مفتقر الي الصلاة علي مولانا رسول الله) إذ لولاها لإضمحل من حينيه من هيبة الله..

فصلاة الله عليه هي (صلة وصل بين الله وكونه) لإستمرارية الحياة في الملك حسب ما قدر في بساط الرحمانية، فكان إسم محمد متحدا بإسم الله ونعته وكذا في كلمة الشهادة (لا اله الا الله محمد رسول الله)..

__ قال تعالى : (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله)  بصيغة المُضارع .ف(كل صلاة راقية نعتية تتغزّل في الحقيقة المحمدية وتنقب عن الأحدية إلا وهي مبايعة له صلى الله عليه وسلم)،إذ صلاة الله عليه هي ذكره ومدحه والثناء عليه بنعوته القديمة المذكورة في القرءان،وما دام يُمدح إلا والرحمة تنزل على الكون وأهله،وما ذكر الله تعالى نعتا من نعوته إلا وقرنه بنعت من نعوت حبيبه صلى الله عليه وسلم، فقال (أطيعوا الله ورسوله) وقال (إستجيبوا لله وللرسول) وقال (وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله) وقال (براءة من الله ورسوله)..وقد ملأ الحق سبحانه وتعالى العوالم كلها بذكره والصلاة عليه،وما شغل الله تعالى هذه العوالم إلا بأعظم الطاعات وأفضل القربات،ففي كل صلاة نبايعوه ونكون من المقربين من نبوته،موقنين بحقيقته،ومصدقين بكل ما جاء به..

قال ابن شافع: “انبسط جاهه صلى الله عليه وسلم حتى بلغ المصلي عليه لهذا الأمر العظيم وإلا فمتى يحصل لك أن يصلي الله تعالى عليك، فلو عملت في عمرك كل طاعة ثم صلى الله تعالى عليك صلاة واحدة رجحت تلك الصلاة الواحدة على ما عملت في عمرك كله على جميع الطاعات لانك تصلي على الحبيب حسب وسعك وهو يصلي على حسب ربوبيته هذا اذا كانت صلاة واحدة فكيف اذا صلى عليك عشرا بكل واحدة..” انتهى

يقول الشيخ الاكبر محمد بن عبد الكبير الكتاني: “فأنت يارسول الله (بحر الله الأولي) المتموج الزخار،وأنت (عرش الله الغيبي) قبل أن يكون على الماء، لأن لك خلوة بالحق جل إسمه لم تكن لغيرك من أفراد الكائنات،وأنت عرشه الذي كان على الماء،وأنت المظطرب من أجل الإشتياق الى كتابة إسمك على العرش لما كان على الماء حتى كتب عليه محمد رسول الله فسَكَن..فأنت (حجاب الله الأحمى) الذي لا يُعرف الرب جل قدسه إلا ببياناتك وإرشاداتك وإفصاحك،لأنك (أول عالم) علمت ربك سبحانه بما علمك من معارفه وآتاك من حقائق تنازلاته وليس في مقدرة غيرك من الوجودات أن تدخل على الله تعالى المدخل الذي دخلته والمورد الذي وردته..”.انتهى

رئيس جميع العالمين محمد === على رأس أعداد حصى وتراب

__ ورد في الآثار: أن رسول الله كان إذا مشى في نور الشمس أو في ضوء القمر (لا يَظهر له ظل) لأنه نور ليست له كثافة بشرية. كما أنه و(لا يترك أثرا في الرمال) و (يترك أثرا على الصخر).

وأنه (يَرى بالضوء) كما (يرى في الظلام)،و(يرى من خلف) كما (يرى من أمام).

ورسول الله (ختم به الله تعالى الرسالة والنبوة) فلا نبي بعده، إذ لوكان بعده نبي

لكان وارثا له والوارث لايكون وارثا إلا بعد موت الموروث،ومولانا رسول الله حي بحقيقته حي بروحه الكلية.

 __ قال ابن عربي : “قال (ص) (أنا سيد الناس يوم القيامة) وما قصد الفخر وإنما قصد الإعلام وإراحة أمته من التعب حتى لا تمشي في ذلك اليوم كما تمشي الأمم إلى نبي بعد

نبي للشفاعة،فتقتصر على سيدنا محمد بما أعلمها من ذلك وأن الرجوع إليه في آخر الأمر..” انتهى

قال (أدبني ربي فأحسن تأديبي) ولم يذكر إلا الله وما أشار الى وساطة ملك (هذا لمن قال أن جبريل عليه السلام كان شيخه)،إنما كان يتظاهر بما يتظاهر به (إظهارا للعبودية)..

قال العارف بالله سيدي عبد العزيز الذباغ : “أن اسرار الأنبياء والأولياء وغيرهم كلها مأخودة من سره فان له سرين: احدهما في المشاهدة وهو (الموهوب) والاخر يحصل من هذا السر وهو (المكسوب). وفي مشاهدته الشريفة تباينت الأسماء الحسنى وظهرت فيها أسرارها وأنوارها فيكون في ذاته الشريفة (نور البصر ونور الرحمة ونور الحلم ونور العلم) …أما غيره من الملائكة والأنبياء والأولياء فنجدهم قد تفرق فيهم بعض ما في الذات الشريفة مع كون السقي وصل إليهم من الذات الشريفة، فالأسرار الموجودة في ذواتهم إنشقت منه قال العارف إبن مشيش رضي الله عنه (اللهم صل على من منه إنشقت الأسرار وانفلقت الأنوار) أي أن أول ما خلق الله تعالى نور سيدنا محمد ثم خلق منه القلم والحجب السبعين وملائكتها ثم خلق اللوح..” .انتهى

قال الشيخ أكمل الدين : “قال: (من رأني فقد رأى الحق فإن الشيطان لا يثمتل بي): الجواب من وجهين .أولهما: أن الحق سبحانه وتعالى لبست له صورة معينة توجب الإشتباه إذ هو منزه من كل الوجوه عما يوجب مماثلته بخلاف النبي فإنه ذو صورة معينة معلومة مشهودة ممتازة .الثاني: من مقتضى أسماء الحق أنه يهدي من يشاء ويضل من يشاء والنبي مقيد بصفة الهداية وظاهر بها فوجب عصمة صورته الشريفة من أن يظهر بها الشيطان مظهر الإسم الإلهي المُضل والظاهر بصفة الضلالة،فهما ضدان لايظهر أحدهما بصفة الآخر.” انتهى

__ (وحدة الوجود) أم (الوحدة في الوجود) لهل الشهود ب(سريان الحقيقة المحمدية في كل جزئيات الوجود).

الفتوحات المكية (باب معرفة النفس: “الحقيقة المحمدية برزخ بين الرب والمربوب..

(الإنسان الكامل) أقامه الحق (برزخاً بين الحق والعالم)،فيظهر بالأسماء الإلهية فيكون حقاً،ويظهر بحقيقة الإمكان فيكون خلقاً ..” انتهى

باب (منزل تفريق الامر والصورة): ” (الإنسان الكامل نائب الحق): ولما لم يتمكن أن يكون كل إنسان له مرتبة الكمال المطلوبة في الإنسانية وإن كان يفضل بعضهم بعضاً فأدناهم منزلة من هو إنسان حيواني وأعلاهم من هو ظل الله وهو الإنسان الكامل نائب الحق يكون الحق لسانه وجميع قواه، وما بين هذين المقامين مراتب: ففي زمان الرسل يكون الكامل رسولاً،وفي زمان إنقطاع الرسالة يكون الكامل وارثاً. و(لا ظهور للوارث مع وجود الرسول)،إذ الوارث لا يكون وارثاً إلا بعد موت من يرثه،فلم يتمكن للصاحب مع وجود الرسول أن تكون له هذه المرتبة..” انتهى

الباب 355: ” (الإنسان الكامل أعرف المخلوقات بالله): فكل من في الوجود من المخلوقات يعبد الله على (الغيب) إلا الإنسان الكامل المؤمن فإنه يعبده على (المشاهدة)..”..انتهى

الباب 360: ” (الإنسان الكامل ظل الله ولا مشاهدة إلا لهذا الظل): فخلق الإنسان الكامل على صورته ونَصّبه دليلاً على نفسه لمن أراد أن يعرفه بطريق المشاهدة لا بطريق الفكر الذي هو طريق الرؤية في آيات الآفاق وهو قوله تعالى (سنريهم آياتنا في الآفاق)..”..

خلاصة القول: (الحقيقة المحمدية) نائبة عن الحق تعالى في الكون الإلهي وهي الظاهرة

لأهل الكشف والشهود وهي السارية في كل الموجودات وفي كل الجزئيا ت وهي برزخ بين الحق والخلق وهي أعرف المخلوقات بالله وظهرت بجميع الأسماء والصفات الإلهية..

فقول القائل هو (الظاهر في المظاهر) إشارة الى هذه الحقيقة المحمدية لا إلى الذات الإلهية،تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا،فلله تعالى الغنى المطلق حتى عن أسمائه وصفاته،فإذا فهمت هذا فقد فهمت معنى (وحدة الوجود عند الصوفية) فمن عرفها ( أي الحقيقة المحمدية ) ذوقا فقد عرفها وعرف أن وحدة الوجود راجعة إليها وعليها..

__ ورد في كتاب (التنبيهات في علو مرتبة الحقيقة المحمدية) وهو لكاتب مجهول: “فالحقيقة المحمدية هي التي ترب صور العالم كلها بالرب الظاهر فيها الذي هو رب الأرباب فبظاهرها ترب ظاهر العالم وبباطنها ترب باطن العالم لأنه صاحب الإسم الأعظم وله الربوبية المطلقة إنما هي له من جهة مرتبته صلى الله عليه وسلم لامن جهة بشريته فإنه من تلك الحقيقة عبد مربوب محتاج إلى ربه سبحانه وتعالى”..

ويقو الشيخ الأكبر في نقش الفصوص: “وجعله الله تعالى العين المقصودة من العالم كالنفس الناطقة من الشخص الإنساني ولهذا تُخَرّب الدنيا بزواله،وتنتقل العمارة إلى الآخرة من أجله. فهو (الأول بالقصد والآخر بالإيجاد والظاهر بالصورة والباطن بالسورة) أي المنزلة، فهو (رب للعالم وعبد بالنسبة لله)..” انتهى

يقول العارف بالله أحمد عابدين: “سمي المصطفى ب(نور الأنوار) وب(أب الأرواح) إذ هو (أول وآخر) كامل لا يخلق الله بعده مثله، قال (أول ما خلق الله نوري) أي (الحقيقة المحمدية) أول موجود من محض النور الصمدي في الحضرة الأحدية مكتسية بجميع خلع الربوبية مشتملة على جميع الأوصاف الرحمانية،(واسطة) بينه تعالى وبين العوالم،(نائبة) عنه تعالى في جميع المعالم،(حجاباً) بينه وبين الخلق لا يوصل إليه سبحانه إلا بها..فهو (الجنس العالي) لجميع الأجناس و(الأب الأكبر) لجميع الموجودات والناس..” انتهى

يا سيدي يا رسول الله خد بيدي === مالي سواك ولا ألوي على أحد

فأنت نور الهدى في كل كائنة === وأنت سر الندى يا خير معتمد

وأنت حقا غيات الخلق أجمعهم === وأنت هادي الورى لله ذي السدد

__ قال بن عباس رضي الله عنهما: “ما خلق الله وما درأ وما برأ نفسا أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وماسمعت الله عز وجل أقسم بحياة أحد غيره” انتهى

قال الشيخ أحمد عابدين: “لما تعلقت إرادة الله بإيجاد الخلق أبرز الحقيقة المحمدية من محض النور قبل وجود ماهو كائن من المخلوقات بعد،ثم سلخ منها العوالم كلها،ثم أعلمه الله تعالى بسبق نبوته وبعظيم رسالته،ثم إنْبَجست منه صلى الله عليه وسلم عيون الأرواح فظهر بالملأ الأعلى أصلا مُمدّاً للعوالم كلها” إنتهى

قال الجيلي: “إعلم أن كلام الله صفته لأن الكلام صفة المتكلم،وقالت عائشة رضي الله عنها: (كان خلقه القرءان)،فما أعرفها به،أنظر كيف جعلت صفة الله تعالى خُلُقاً لمحمد لإطلاعها منه على حقيقة ذلك .وقال تعالى (إنه لقول رسول كريم) وهو على الحقيقة قول الله فأنظر الى هذا التحقّق بصفات الله حيث أقامه مقامه في صفاته وأسمائه ومقام الخليفة مقام المستخلف،فتأمل ..” انتهى

__ قال تعالى: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم) فالله سبحانه وتعالى قد قدمه على نفس كل مؤمن ومعنى ذلك إذا تعارض لك حقان حق لنفسك وحق لنبي

فآكدهما وأوجبهما حق النبي ثم يأتي حق النفس تبعا للحق الأول..

قال صلى الله عليه: “لن يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ماله وولده ووالديه والناس أجمعين”.

ألا ترى أن من آمن به ثم مات من وقته كيف يحكم الله له بدخول الجنة مع أنه لم يصلي ولم يفعل شيئا من الأعمال الصالحة.. ويقال عنه رضي الله عنه:

ومثلكَ لم ترَ قطُ عيني === وأجملُ منكَ لَم تلدَ النساءُ

خُلقتَ مبرأً من كل عيبٍ === كانك ولدتَ كما تشاء

__ سُمِعَ عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول ويبكي: [ بأبي أنت وأمي يارسول الله لقد كان لك جدع تخطب الناس عليه فلما كثروا إتخدت منبرا لتُسْمعهم فحَنّ الجدع لفراقك حتى جعلت يدك عليه،فأمّتك أولى بالحَنين عليك حين فارقتهم.

بأبي أنت وأمي يارسول الله لقد بلغ من فضلك عند الله أن بعثك آخر الأنبياء وذكرك في أولهم قال تعالى (وإذ أخد الله من النبئين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم).

بأبي أنت وأمي يارسول الله لقد بلغ من فضيلتك عنده أن أهل النار يودّون أن يكونوا أطاعوك وهم بين أطباقها يُعذبون يقولون : (ياليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسول).

بأبي أنت وأمي يارسول الله لئن كان موسى بن عمران أعطاه الله حجرا تتفجر منه الأنهار فما ذاك بأعجب من أصابعك حين نبع منها الماء.

بأبي أنت وأمي يارسول الله لئن كان سليمان بن داوود أعطاه الله ريحا غُدُوّها شهر ورَواحها شهر فما ذاك بأعجب من البُراق حين سَرَيْت عليه إلى السماء السابعة ثم صَلّيت الصبح من ليلتك بالأبطح.

بأبي أنت وأمي يارسول الله لئن كان عيسى بن مريم أعطاه الله تعالى إحياء الموتى فما ذاك بأعجب من الشاة المسمومة حين كلمتك.

بأبي أنت وأمي يارسول الله لقد دعا نوح على قومه فقال: (رب لا تدرعلى الأرض من الكافرين دياراً) ولو دعوت مثلها علينا لهلكنا عن آخرنا،لقد أُدْميَ وجهك وكُسرت رباعيتك وقلت: (اللهم أغفر لقومي فإنهم لا يعلمون).

بأبي أنت وأمي يارسول الله لقد إتبعك في أحداث سنك وقصر عمرك ما لم يتبع نوحا في كبر سنه وطول عمره،فلقد آمن بك الكثير وما آمن معه إلا قليل.

بأبي أنت وأمي يارسول الله لو لم تُجالس إلا كفؤا لك ما جالستنا،ولو لم تنكح إلا كفوه لك ما نكحت إلينا،ولو لم تؤاكل إلا كفوة لك ما آكلتنا،ولبست الصوف وركبت الحمار ووضعت الطعام بالأرض ولعقت أصابعك تواضعا منك صلى الله عليك.] انتهى

أنت الذي لولاك ماخلق امرء === كلا ولاخلق الورى لولاكــــــا

أنت الذي من نورك البدر اذ طالع === والشمس مشرقة بنور بــهــاكــا

أنت الذي لمارفعت إلى السماء === بك قد سمت وتزينت لسركــــا

أنت الذي ناداك ربك مرحبا === ولقد دعاك لقربه وحباكا

أنت الذي فينا سألت شفاعة === لباك ربك لم تكن لسواكا

أنت الذي لما توسل آدم === من زلة بك فاز وهو اباك

__ قال المحقق عبد الكريم الجيلي: “كان متحققا بجميع الأخلاق الإلهية وسأذكر من ذلك ما دل عليه الكتاب العزيز تصريحا أو إشارة وتلويحا فمن ذلك إسم (الله) والدليل على أنه كان مظهرا لهذا الإسم قوله تعالى (ومارميت اذ رميت) و(من يطع الرسول فقد أطاع الله)،ومن ذلك اسمه تعالى (النور) وهذا الإسم إسم ذاتي قال تعالى (لقد جاءكم من الله نور) يعني محمد،ومن ذلك إسمه (الحق) قال تعالى (قد جاءكم الحق من ربكم) وقال تعالى (فقد كذبوا بالحق لما جاءهم) يعني محمد،ومن ذلك إسمه (الرؤوف الرحيم) قال تعالى في حقه (بالمؤمنين رؤوف رحيم)،ومن ذلك إسمه (الكريم) قال تعالى (إنه لقول رسول كريم)،وإسمه (العظيم) قال تعالى (وإنك لعلى خلق عظيم)،ومن ذلك إسمه (الشهيد والشاهد)..”.

يقول الشيخ محمد بن عبد الكريم السمان: ” الحمد لله الذي جعل محبته مبنى أساس الإيمان وباب المعرفة وسر الإمكان، من نوره الشريف تصوّرت جميع الصور، ومن فيضه العلي إستمد البشر والشجر. فهو (الأب الأصلي والختم الحقي الداعي الى الحق بالحق). به ظهرت الموجودات وتفرّعت الممكنات، إذ هو صاحب رياسة لولاك وقاب قوسي الوجود وعروة الاستمساك، فبالصدق في محبته يحصل للعبد سُؤْله وبالإضمحلال في نوره الباهر يَتمّ وُصوله المخاطب بالنور المبين وعلى آله وصحبه أجمعين”.

جميل الصفات جزيل الصلات === عزيز الهبات كثير الأدب

بديع الجمال رفيع المثال === عديم المنال عظيم الحسب

مليح الشمائل بادي السنا === بسيط الأنامل عالي الرتب

 يقول الإمام الجيلي في هذا التحقيق على الحقيقة المحمدية: __

ذات لها في نفسها وجهان === للسفل وجه والعلا للثاني

ولكل وجه في العبارة والادا === ذات وأوصاف وفعل وبيان

يقول: “أن الذات المحمدية لها وجه للأعلى وهي (الوجهة الحقية) ووجه للأسفل وهى (الوجهة الخلقية)، والوجهتان مختلفتان في العبارة والفعل والأوصاف.”

إن قلت واحدة صدقت وإن تقل === إثنان حق إنه إثنان.

مع أنه لم يُعَنْون عن الأحمدية فهو يشير إليها (إن تقل إثنان حق إنه إثنان)، والجيلى رأى أن (مراتب الوجود 40 مرتبة) . وقد شَمّ رضي الله عنه رائحة التصرّف لهذه (الحقيقة المحمدية) في الدوائر وفي الكون الالهي وهو ما عبر عنه بالفعل في البيت:

ولكل وجه في العبارة والأدا === ذات وأوصاف وفعل وبيان.

(مراتب الوجود) أربعون كما أوضحها الجيلي (عشرون منها تكفّلت بها الأحمدية) و(العشرون الباقية تكفّلت بها المحمدية).

ويُضيف : ولئن ترى الذاتين قلت لكونه === عبدا وربا إنه اثنان.

فهي المسمى أحمد من كون ذا === ومحمد لحقيقة الأكوان.

فرأى رضي الله عنه حقيقتان منفصلتان إحداهما مُتّصفة ب(العبودية) والأخرى ب(الربوبية).

وهو قوله  (عبدا وربا إنه إثنان) وهذا غاية التحقيق بالنظر الى تجليات زمانه.

وعلينا أن ننتظر زمن الشيخ محمد الكتاني ليبين لنا بدقة (المحمدية والأحمدية)، يقول رضي الله عنه في كتاب (الطلاسم): “في قوله تعالى (ق) فإنه أقسم بقوة ظاهره وأما باطنه فأشار لقوته ب (والقرءان المجيد) فلا شك أن (أحمديته) حاوية لجل الكمالات الإلهية إذ هي الكتاب المبين (أي الرسالة)…قال تعالى (وإنك لتلقى القرءان من لدن حكيم عليم) من عند حكيم عليم (لا وساطة لأحد)، إنما (كانت أحمديته تتلو على محمديته بدون وساطة) وإنما لشدة تمكينه في (مقام العبودة) كان يظهر ذلك في السفير (أي جبريل) مع غناه عنه وإنما كان يأتي رسولا مسخرا بين أحمديته ومحمديته..” انتهى

ف(الأحمدية هي الرسالة) و(المحمدية هي النبوة).

ودونك هذا التحقيق للشيخ الاكبر الكتاني الذي يقول في موضع آخر: “وكذلك سيدنا صلى الله عليه وسلم الذي قال : (رأيت ربي في صورة شاب أمرد) وهو بحثية صرافة أحمديته فإنه رآها به هو، فهو ذاك الشاب الذي رآه إذ هو بحثا صرفا، فما ثم إلا هو، أى (رأى نفسه بنفسه)…” انتهى .

(لقد ر أى من آيات ربه الكبرى)  في المعراج رأى بجسمه الشريف المولود من أم وأب أحمديته أي القرءان مجسما (في صورة شاب).

وفي القرءان الكريم خاطب الحق سبحانه الأنبياء بأسمائهم وخاطبه صلى الله عليه بصفتيه (المحمدية والاحمدية):  (يا أيها النبي)،(يا أيها الرسول) .وكررت (يا أيها النبي) في القرءان 13 مرة وهذا العدد هو كسر كلمة (أحد = 13) كأن هذا إشارة إلى أن (النبوة أصلها الأحدية).

أما كلمة (الرسول)  فكررت 56 مرة وإذا حدفنا من هذا العدد الثلاثة أي التي ذكرت في سورة يوسف 50 (فلما جاءه الرسول) والتي في سورة طه 96 (فقبضت قبضة من أثر الرسول) والتي في سورة المزمل 16 (فعصى فرعون الرسول) بقي 53 أي عدد كسر كلمة (أحمد)، فتدبر.

__ يقول الشيخ الاكبر قدس الله سره في ج1 ص 113

” فنقول إن الله تعالى لما أوجد الكلمة المعبر عنها ب(الروح الكلي) إيجاد إبداع أوجدها في (مقام الجهل ومحل السلب) أي أعماه عن رؤية نفسه فبقي لا يعرف من أين صدر ولا كيف صدر وكان الغذاء فيه الذي هو سبب حياته وبقائه وهو لا يعلم فحرّك الله همته لطلب ما عنده وهو لا يدري أنه عنده فأخذ في الرحلة بهمّته فأشهده الحق تعالى ذاته فسكن وعرف أن الذي طلب لم يزل موصوفاً.وعلم ما أودع الله فيه من الأسرار والحكم وتحقق عنده حدوثه وعرف ذاته معرفة إحاطية فكانت تلك المعرفة له غذاء معيناً يتقوّت به وتدوم حياته إلى غير نهاية فقال له عند ذلك التجلّي الأقدس ما أسمي عندك فقال (أنت ربي) فلم يعرفه إلا في (حضرة الربوبية) (1) وتفرّد القديم بالألوهية فإنه لا يعرفه إلا هو فقال له سبحانه (أنت مربوبي وأنا ربك) أعطيتك أسمائي وصفاتي (2) فمن رآك رآني (3) ومن أطاعك أطاعني ومن علمك علمني ومن جهلك جهلني (4) فغاية من دونك أن يتوصّلوا إلى معرفة نفوسهم منك وغاية معرفتهم بك العلم بوجودك لا بكيفيتك (5).

كذلك أنت معي لا تتعدّى معرفة نفسك ولا ترى غيرك ولا يحصُل لك العلم بي إلا من حيث الوجود ولو أحطت علماً بي لكنت أنت أنا ولكنتُ مُحاطاً لك وكانت أنيّتي أنيتك وليست أنيتك أنيتي ( 6) فأمدك بالأسرار الإلهية وأرَبّيك بها فتجدها مجعولة فيك فتعرفها وقد (حجبتك عن معرفة كيفية إمدادي لك بها) إذ لا طاقة لك بحمل مشاهدتها إذ لو عرفتها لإتّحدت الأنية وإتحاد الأنية(7) محال فمشاهدتك لذلك محال هل ترجع أنية المركب أنية البسيط لا سبيل إلى قلب الحقائق فاعلم أن من دونك في حكم التبعية لك (8) كما أنت في حكم التبعية لي (فأنت ثوبي وأنت ردائي وأنت غطائي) (9) فقال له الروح ربي سمعتك تذكر أن لي ملكاً فأين هو(10).

يشير ابن عربي في هذه التحقيقات إلى:

1_ أن (الحقيقة المحمدية) أول مخلوق (لم تعرف الله تعالى إلا في حضرة الربوبية) و (تفرّد القديم بالألوهية) فلا يعرف الله إلا الله .فإن التجلي الإلهي لا يكون إلا للإله وللرب ولا يكون لله أبداً ف(الذات الإلهية لها الغني المطلق). في ج3 ص 173 يقول: “فلا ظهور للذات الإلهية في الصور إنما الظهور ل(مرتبة الربوبية) وإلى دائرة الاسم (إله)..”.

 2_ (الحقيقة المحمدية تحلّت بجميع الأسماء والصفات الإلهية).

 3_ لا تقع الرؤية إلا عليها (من رآني فقد رأى الحق ) الحديث..فما شاهد العارفون إلا إياها.

4_ (لا معرفة لنا إلا بها): معرفة الله هي معرفة أسمائه وصفاته وكلامه ومعرفة نبيه، كل عارف على قدر قامته إذ لو أحاط العلم بالذات لدخلت تحت القيد والحصر.كما أن الله تعالى في غيب ذاته مُنَزّه عن جميع النّسب والإضافات،مُقدس عن سائر العقود والإعتبارات، فلا إسم يُعَيّنه ولا وصف يَنْعَتُه ولارسم يُمَيّزه ولا شهود يَضْبطه ولا عقل يُدْركه.

5_ ستبقى سمة الجهل بالحقيقة المحمدية هي الغالبة على العارفين الى أن يرث الله الارض ومن عليها (ما عرفني حقيقة غير ربي).

 6_ (الحقيقة المحمدية لا تعرف الذات الإلهية).

 7_ فهو صلى الله عليه وسلم في تَرَقّ دائم في معرفة الله، ونحن في ترق دائم في معرفة حقيقته. ولن يصل صلى الله عليه وسلم الى معرفة الله، ولن نصل إلى معرفته.

8_ فهو صلى الله عليه وسلم (سدرة منتهى الجميع).

9_ وهو صلى الله عليه وسلم (حجاب الله الاعظم).

10_ (الملك) هنا إشارة إلى (الخلافة الكلية للحقيقة المحمدية على الكون الإلهي).

دع ما إدعته النصارى في نبيهم === وأحكم بما شئت مدحا فيه واحتكم

وانسب الى ذاته ما شئت من شرف === وانسب الى قدره ما شئت من عظم

فإن فضل رسول الله ليس له === حد فيعرب عنه ناطق بفم

إن الله تعالى (خلق الخلق على صورة محمد): فالميم بمنزلة رأس الإنسان، والحاء بمنزلة اليدين، وباطن الحاء كالبطن، و ظاهرها كالظهر، والميم الثانية مجتمع الإليتين، وطرف الدال كالرجلين.

__ يقول الشيخ محمد الكتاني: “يحتمل معنى (أحمد) أنه من أحمد الحامدين لربه أي لو جليت لنا في الخارج قوابل الأشياء واستعداداتها وفحصنا عن تلك الحقائق لوجدنا ثناءات هذه الحقيقة الأحمدية وأحمديتها للرب سبحانه أكثر من كل حمد يصدر في العالم لا من الأنبياء ولا من الرسل ولامن الملائكة ولاممن عداهم، لأن (الثناء يكون بحسب الإطلاع على الكمالات والمحامد) ولا إطلاع أوسع من إطلاع الحقيقة المحمدية ولا إنفساح أفسح من أنكشافها وهو يقول : (ما بال أقوام يتنزّهون عن الشئ أفعله والله إني لأعرفكم بالله وأشدكم له خشية) رواه البخاري .ويحتمل أنه: أحمد من حمده الحق سبحانه ويكفي من أحمديته تعالى له: القرءان كله مدح له إما بالتصريح أو التلويح أو الكنايات أو الإشارات أو التعريضات أو الإدماجات،وهذا الأخير أغلب الأيات البينات القرءانية بعد الصراحات ولذلك قيل:

مدحتك آيات الكتاب فما عسى === يثني على علياك نظم مديحي

وإذا كتاب الله أثنى مفصحا === كان القصور قصارى كل فصيح

يقول الإمام ابن قيم الجوزية في (جلاء الأفهام) : “(محمد) هو المحمود حمدا بعد حمد فهو دال على كثرة الحامدين له وذلك يستلزم كثرة موجبات الحمد فيه .و(أحمد) أفعل تفضيل من الحمد يدل على أن الحمد الذي يستحقه أفضل مما يستحقه غيره. فمحمد زيادة حمد في الكمية،وأحمد زيادة في الكيفية..” انتهى

يقول الأميرعبد القادر الجزائري: ” أن كل ما سمعه وأبصره في (إسرائه) هو محمد من حيث حقيقته فإنها (هيولى العالم وحقيقة الحقائق) وهو الإنسان الأزلي وهو الأول والآخر وهو بكل شئ عليم كما أن الحق تعالى له هذه الصفات فإن الله تعالى لما أوجد حقيقته قال له (أعطيتك أسمائي وصفاتي) فمن رآك رآني ومن علمك علمني ومن جهلك جهلني غاية من دونك أن يصلوا إلى معرفة نفوسهم منك وغاية معرفتهم بك العلم بوجودك وكذلك أنت معي لا تعرفني إلا من حيث الوجود. فحقيقة سيدنا محمد هي المشهودة لأهل الشهود وهي المُكَنّى عليها ب(الخمر والشرب والكأس والنار والنور والشمس والبرق ونسيم الصبا)..وهي (نهاية سير السائرين وغاية مطلوب العارفين).”.

يقول الأمير:  ” ثم نمت فقيل لي في المنام زد: وهي (نار موسى وعصا موسى ونفس عيسى) الذي كان يحي به الموتى ويبرئ به الأكمه والأبرص.” انتهى

يقول الجيلي في (الكمالات): ” و(روح سيدنا محمد) هي المعبر عنها ب(القلم الأعلى) وب(العقل الأول) لبعض وجوهه، ومن هذا المعنى ورد قوله (اول ما خلق الله القلم) وقد قال (أول ما خلق الله روح نبيك يا جابر) ولو لم تكن الثلاثة الأشياء عبارة عن وجود واحد هو روح سيدنا محمد لكان التناقض لازما في هذه الثلاثة أخبار”.

يقول الامير: ” وأما وجه تسميته ب(الوجود الساري) فلأنه لولا سريان الوجود الحق في الموجودات بالصورة التي هي منه وهي الحقيقة المحمدية ما كان للعالم ظهور ولا صح وجود الموجودات لعدم المناسبة وعدم الإرتباط..” انتهى

__ (الحق المخلوق به) مصطلح يعود به ابن عربي في فتوحاته إلى إبن برجان.

يقول العارف أحمد التجاني: ” انه سار في كل الموجودات كسريان الماء في الأشجار لا قيام لها بدونه كما أن هذه السراية لا مطمع للعقل في دركها فما أدركتها أكابر الملائكة العالين ولا أكابر الأنبياء والمرسلين ولو فقد سريانه في ذات من ذوات الأكوان لصارت محض عدم والى هذا إشارة بقوله تعالى (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين..” انتهى

قال الشيخ عبد الكريم الجيلي: ” اعلم أن هذه (الرحمة) التي عمّت الموجودات كلها فإليها الإشارة في قوله تعالى (ورحمتي وسعت غضبي) يعني أن محمدا هو الواسع لكل ما يطلق عليه إسم الشيئية من الأمور الحقية ومن الأمور الخلقية، واعلم أن الرحمة رحمتان رحمة عامة ورحمة خاصة،ف(الرحمة الخاصة) هي التي يُدرك الله بها عباده في أوقات مخصوصة و(الرحمة العامة) هي حقيقة محمد وبها رحم الله حقائق الأشياء كلها فظهر كل شئ في مرتبته في الوجود وبها استعدّت قوابل الموجودات لقوابل الفيض فلذلك (أول ما خلق الله روح محمد)..”.

يقول الامير: ” إني أيام مجاورتي بالمدينة المنورة كنت ليلة في صلاة الوترقرب الحجرة الشريفة فطرأ عليّ حال فسالت دموعي واشتعلت نار محبة رؤيته في قلبي فقال لي في الحين: (ألست تراني في كل شئ ؟) فحمدت الله .ولا يفهم مما ذكرت حلول وتجزئة ولا جزئية..”.

قال ابو العباس المرسي: ” لو إحتجب عنّي رسول الله طرفة عين ما عددت نفسي من المسلمين” فالمراد بعدم الإحتجاب (دوام شهود سريان حقيقته في العالم) لا شخصه الشريف.

إن من معجزاتك العجز عن وصفك === إذ لا يحده الإحصاء

كيف يستوعب الكلام سجاياك === وهل تنزح البحار الدلاء

__ اعلم ان (دائرة النبوة والرسالة والولاية) من مظاهر خلافته الكبرى وظل نبوته الأزلية المطلقة وصورة من حقيقته الأحمدية المحمدية. فهو الخليفة الكلي على الكون الإلهي مند خلقه الله (كنت نبيا وادم بين الماء والطين). خلافة على الارواح وعلي الاشباح (يا أيها الرسول إنا ارسلناك شاهدا) والشاهد من المفروض أن يكون حاضرا شهادته على أهل الكون كلهم (وجئنا بك علي هؤلاء شهيدا)، فلما خصص الله شهادته على أمته قال (وجئنا بك شهيدا على هؤلاء). والخليفة كانت له (وجهة حقية): (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله)،(وأجره حتى يسمع كلام الله)،وقوله (اني لست كهيئتكم)،(كلكم من آدم وآدم من تراب) ولم يقل كلنا من آدم . فظهر صلى الله عليه بصورة من إستخلفه فيما استخلفه ولهذا كان (مُتَحليا بجميع الأسماء والصفات الإلهية التي يطلبها العالم) الذي وَلاّه عليه الحق سبحانه،(ظهر بأوصاف الربوبية) . أما (وجهتة الخلقية) فهي أنه من جنس من أستخلف عليهم جسمه الشريف على شكلهم يأكل الطعام ويمشي في الأسواق . وهذه الخلافة على الكون الإلهي إقتضت أن يكون له (نواب) من حيث إسمه الباطن (قلت انه اتصف بجميع الاسماء الالهية) وهؤلاء النواب هم الرسل والأنبياء صلوات الله عليهم قال تعالى: (واذ اخذ الله ميثاق النبيئن) فأخذ الله له الميثاق في عالم الشأن،(وإذ اخذنا من النبئين ميثاقهم ومنك ومن نوح)، فبدأ به وكل الرسل كان معهم أنبياء في زمنهم لا يعرفونهم أما مع مولانا فلم يكن انبياء (لأن النبي هو وارث من رسول زمانه، والوارث لا يرث إلا بعد موت الموروث) وكل الأنبياء جاءوا ب(لا اله الا الله) ليس معها عيسى رسول الله أو ابراهيم رسول الله أو ….لأن الرسالة والنبوة بالنسبة إليهم أمانة أدّوها وإنتهت أما بالنسبة لمولانا رسول الله فهما صفتا له لهذا فهو الوحيد الذي جاء ب(الشهادة مقرونة بالرسالة) وبهذا ضوعف الأجر (الحسنة بعشر أمثالها) ولم يكن هذا في الأمم السابقة وكانت ليلة القدر تأتي لهم كل 33 سنة (يسمى هذا الإزدلاف).

أما (الخلافة) بعد إنقطاع النبوة التشريعية وإرتحال الجسم الشريف إلى الرفيق الأعلى فحَظي بها (الأولياء) الذين وصلوا (مقام الغوثية) فكانوا صورا له ونوابا عنه، قال تعالى: (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) ولم يقل تعالى (لكل منكم جعلنا) منكم جاءت بعد الفعل والفاعل تعني أنكم (أنتم الأصل وجميع الأنبياء والرسل فرع عنكم) بخلاف لو قال (لكل منكم جعلنا) لكان سيدنا محمد من جملة المُخاطبين،أي واحدا منهم. لكل من الأنبياء والرسل جعلنا شريعة من شريعتكم وليس إلا القرءان.لكل منكم جعلنا (شرعة للأنبياء) و(منهاجا للأولياء)، ولله ذر القائل:

كل النبيين والرسل الكرام أتوا === نيابة عنه في تبليغ دعواه

فهو الرسول الى كل الخلائق في === كل العصور ونابت عنه أفواه

وبما انه (كان نبيا وآدم بين الماء والطين) فعلوم آدم كانت من حقيقته، ولله ذر القائل:

لك ذات العلوم من عالم الغيــ === ب ومنها لادم الاسماء

يقول العارف بالله سيدي محمد الكتاني: ” (الحقيقة المحمدية سابقة بعَيْنها على الأحمدية) لأن محمد عبارة عن كثرة حمد الغير له ولما كثر حمد الغير له قام به وصف فإستحق أن يشتق له منه إسم فقيل (محمد) .وأحمد عبارة عن كونه أحمد أجزاء الموجودات للحق ولايخفاك أيها المنصف أنه ما كان أحمد لربه حتى سبقت حمديته مقتضيات الكمالات الإلهية له وطلبته في نفس غياهب أوليتها وهو لا زال في حضرة نقوش العلم وهو مطلوب لأن الأسماء من باب الإضافات التى لا تعقل إلا بين إثنين فكما أن المعلومات تطلب رتب العالم لتَنْفعل فيها كذلك الأسماء تطلُب فيمن تنفعل فيه وما ظهرت مقتضياتها إلا بوجود النسب والإضافات، فحُمِدَ من قِبَل الحق قبل أن يَحْمد هو الحق، فقد (قام به وصف المحمدية عينا وحكما قبل أن يقوم به وصف الأحمدية) فاشتق له من الوصف إسم فكان (محمدا) قبل أن يكون (أحمد)، وهي مسالة عظيمة..” انتهى

وقد ورد في بعض الاحاديث (أنا محمد وانا أحمد) بتقديم إسم محمد. وجاء في القرءان (محمد رسول الله)  قدم الإسم (محمد) على (الرسالة) أي (قَدّم النبوة والحقيقة المحمدية على الحقيقة الأحمدية). اما من ناحية الاستمداد ف(الذي يستمد من الأحمدية يكون أرْقى مقاما من الذي يستمد من المحمدية)..

يقول الإمام الجيلي رضي الله عنه: ” إعلم أنه صلى الله عليه وسلم كان في إعتدال الخلقة في كمال لا مرمى بعده وفي حسن وجمال لا زيادة عليه لأن (الأمر الإلهي إنما أبْرَزه للكمال لا للنقصان)، ولأجل ذلك قال صلى الله عليه وسلم (إنما بعثت لأ تمم مكارم الأخلاق)  فكان الوجود بعد بعثته ناقصا فهو المُكَمّل للموجودات بالمحسوسات الضرورية. لقد كان (كمال محض) حتى فضلاته صلى الله عليه وسلم كانت طاهرة..” انتهى

قال بعض العارفين قال تعالى: ” (إن الله وملائكته يصلون على النبي) خصّه الله تعالى بدَوام الصلاة عليه، وبصلاة جميع الملائكة التي لا يحصي كثرتهم إلا الله، وصلاة أمته في سائر الأمكنة والأزمنة صلاة دائمة مستمرة. وهذه الآية لم توجد لغيره وهي (أتَمّ من تشريف آدم عليه السلام بالسجود) لأنه لا يجوز أن يكون الله تعالى مع الملائكة في هذا التشريف وعلما بأن السجود في حقيقة الأمر كان للنور،(نور محمد في جبين آدم)..”.

قال سهل بن عبد الله التستري: ” (الصلاة على سيدنا محمد أفضل العبادات) لأن الله تعالى تولاها هو و ملائكته ثم أمر بها المؤمنين، وسائر العبادات ليست كذلك..”.

روى ابو نعيم في (الحلية) عن وهب بن منبه: ” انه كان رجل في بني إسرائيل يعصى الله 100 سنة ثم مات فأخدوه وألقوه في المزبلة فأوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام أن أخرجه وصَلّ عليه وادفنه، فقال: يارب إن بني إسرائيل شهدوا أنه كان يعصيك. فاوحى الله إليه أنه كذلك إلا أنه كلما نشر التوراة ونظر إلى إسم محمد قبّله ووضعه على عينيه فشكرت له ذلك فغفرت له وزوّجته بسبعين من الحور العين ” انتهى

مقتطفات من كتاب سر المحمدية وسحر الاحمدية في اوراد يومية

لصاحبه محمد ابن المبارك

1٬949 : عدد الزوار