خواطر عرفانية حول مراتب الوجود الأولية

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الانبياء والمرسلين،وعلى مولاتنا فاطمةَ الزهراء سيدة نساء العالمين ،وعلى سيدتنا خديجةَ الكبرى امِّ المومنين ،وعلى اله وصحبه اجمعين. لطالما شعرت بالنفَّس الرحماني وهو يشق طريقه عبر رئتي إلى قلبي فاستنشق هواء هو الحياة واشعر بداخلي بإحساس يصعب التعبير عنه ولكن استوقفني معنى التواصل كيف يسير النَفس الرحماني حامل الخواطر والرسائل المتعددة ثم يخرج مرة أخرى من صدري حامل الشكر والذكر وتنهيدات الحب والشوق والتواصل مع الأكوان من حولي … هذا التواصل والاتصال امره عجيب يلفك يأخذك إلا بعيد … ثم القي الي خاطر آخر ان الصمت هو ايضاً كلام فالصمت له صوت تفهمه الأرواح بلا حرف أو رسم …ولكن يبقى سر هذا النَفس الذي يحمل الينا الحروف ويخرجها … سبحان الله العظيم …
أليس الكون كله تجليات للأسماء والصفات وأليس سر الخلق والظهور في “كن”؟ فالحرف سر … فأمره سبحانه بين الكاف والنون
انه سر الحرف فالوجود والظهور حرف لا تكون الكتابة إلا به، والخلق كتابة والكتابة غرس، والغرس نفس والنفس وجود … إنها دائرة في وسطها نقطة تحرك الحروف باسرارها … أو الأسماء أو الصفات ….
النقطة هي اصل كل الحروف وسبب ومادة إيجادها …..

“كان الله ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه كان”
كان سبحانه كنزا مخفيا كأننا نقول نقطة مصمته كنزية في عماء حيث لا زمان ولا مكان ولا أبعاد . هذه النقطة حملت في داخلها كنوزها اسرارها وعلومها وكلماتها وحروفها ومعانيها كلها مخفية مطونة في ذاتها … إلى ان شاءت وأحبت أن تُعرف فتُشهِد موجوداتها وخلقها وجودها وإبداعها وكمالاتها التي لا نهاية لها وصفاتها العلية .
فانفلق من نورها بحكمة وعلم وارادة وقدرة نقطة نورانية هي من نور الذات الاحدية برقت فكانت للذات مرآة حملت العلوم والاسرار فهي الحق المشهود الذي عقل من ربه بلا واسطة ما يريد ان يخلق به ،حمل اسرار الخلافة الكلية فحكمه نافذ في الاكوان وهو الروح الكلية التي منها اتقدت جميع السرج الكونية فهو فاتحة الوجود. إذا نسبته الى الخلق فهو عبد الله والعقل الأول الذي عقل عن ربه وأول من كان قابلا لفيض وجوده.
وإذا نسبناه إلى الحق نقول هو القلم الأعلى وأول تنزل لصفة العلم الإلهي بالاجمال. هذا النورهومظهر الحق،هو وجه الحق هو نور الحق هو ماء الحياة ،هوالروح الأعظم وهو نور احدي لا مثيل له في المخلوقات هونقطة الصّفة التي أظهرتْ صفات النّقطة المصمتة من الكنزية الى الظهور بالآثار في عالم التجلّي والخلْق .جمع بين الصّفة الأحدية، و كنزيةى العما، وبين الظهور الصفاتي والتعيّن في عالم الصفات والخلْق.. وعبر القرءان عنه ب: (ن)”نون”
فهو ان شئت ماء الحياة او البرزخ النوراني الجامع او العقل الأول اوالنسبة او الواسطة ا نقطة الصّفة التي بها ومن أجلها خلق الله سبحانه وتعالى هذا العالم بين علوّه وسفله او نور النبوة او النور المحمدي في بساط الأحدية وهي اول مرتبة وجودية .
ثم سالت النقطة النورانية المتصفة بالعبودية إلى أبحر الهوية،حجب بلا ظهور ولادهور تعرف فيها النور المحمدي على المقتضيات الكونية والأشكال والصور والمعاني الوجودية، وعلى سر وسير الكائنات فلا يفاجئها من عصى او انكر فعلمت ان سلطان التجلي حاكم لا مفر منه .
وفي بساط الالوهية الإسم الجامع ” الله” تنزلت النقطة ليشرق ضحاها، فأفاض الله علىها لتتخلق وتتحقق بالأسماء الالهية المجموعة في كلمة “الله” كالعزيز والعليم والقادر والرحمن والرحيم وكل الأسماء الالهية . سالت النقطة فكتبت في اللوح المحفوظ تفصيلا للعلم الإجمالي لكل ما أراد الله وما يريد فصار اللوح محل تنزل النقطة وتعينها فظهر في اللوح المحفوظ كل شيء كان في علم الله وما يريده الله من هذا الوجود

ارتدت النقطة الأسماء والتحفت بوحدات الذات فالاسماء تدل عل الذات و لاتوصل إليها فالعرش مكان لحكم الله وأحكامه وليس لذاته. فكانت النقطة النورانية الحجاب الأعظم للذات ورداء الكبرياء .
ثم تم الاصطحاب مع الفيضة القرانية التي برقت من نفس المشكاة الاحدية فكان مقام تفصيل لإظهار المقتضيات على مر العصور حسية ظاهرة وغيبية …فحمل نور النبوة الرسالة ليتعرف العباد على رب العبآد ورازقها وخالقها وما ارتضى لهم وشرع فكان محمدا أحمدا الوسيلة العظمى والواسطة الكبرى ورئيس ديوان الحضرة الالهية اعطى الانطلاقة للدوائر الكونية (المعبر عنها بحرف الكاف) وظهور المقتضيات الوجودية وفق المشيئة الالهية .
وفي بساط الربوبية بساط الحمد الأولي(الحمد لله رب العالمين)والميثاق الأزلي (ألست بربكم) اُخذ له الميثاق بأنه صلى الله عليه وسلم رب العالم اي مربيه وسيده وولي نعمته. فهو صلوات ربي وسلامه عليه عبد الله له وجهة حقية من مقتضى الاحدية حيث لبس حلل الربوبية، ووجهة خلقية من مقتضى الاسماء التشاجرية وهو مقام ترتيب المخلوقات حيث رتبت ترتيبا تنازليا ليعتلي الإنسان عرش الكائنات تمهيدا لحمل الأمانة او الخلافة المحمدية.

فهو صلوات ربي وسلامه عليه مربي العالمين في كل العوالم،البرزخ النوري العظيم الذي هو رحمة للبرية دائم التجلي،معلم برازيخ الوحي الأولية، وهادي الخلق إلى الحق ، فقام مقام الحق سماء وارضا وحاز على الحمد الأولي والميثاق الأزلي والمشاهدة العيانية في الاخرة في الجنة .
وفي بساط الواحدية، بساط القالب الاحمدي والشكل المحمدي تساوت المقتضيات الاسمائية وهو مقام الجمع كثرة في عين الوحدة ووحدة في عين الكثرة فلا تضاد فكل إسم هو عين الآخر فالمعطي عين المانع والنافع عين الضار. فالواحدية عداد جمعي لكثرة تجلياته الرحموتية فلا تكرار في الوجود لكثرة الوسع الالهي والصلاة عليه والتي فرضت على المؤمنين لا سيما الصلوات التي تثني على المحمدية بالأحمدية هي مبايعة له صلوات ربي وسلامه عليه وعلى اله تحت تشاجر الأسماء الالهية لتظهر المقتضيات القرانية والتطورات العلمية لتسير الدواير الكونية وتصل البركة إلى الأكوان.

…ويظل الواحد في الاعداد له الاحدية العددية وله الفردانية والأولية والأخرية وان بطن في باقي الأعداد وتكاثرت الصور فالواحد كالألف لا يتعلق بشيء وكل شيء يتعلق به فهو فرداني ولكنه باطن في كل الحروف ومنه تشكلت كل الحروف .
فكل الحروف والكلمات والتجليّات من عماء النقطة المحمدية الاحمدية . غير أنّ هذه الحروف العاليات لم تكن في الأخير والحقيقة سوى النقطة الأولى… فالالف هو الف القطبانية التي به فتق رتق والوجود والألف هو خطّ الحروف والكلمات وحبرها. فكان وجهُ النقطة يلوحُ في كل حرف وكلّ كلمة وكل لمسة لأنّها أصل كل شيء،ولأنه في التحقيق ما ثمة سوى تلك النقطة المصمتة وما تجلّى شيء إلا في ذاتِها ولكنّها قدرت وشاءت أن تتجلّى لمخلوقاتها وموجوداتها وحروفها وتُشهدَهم وجودها وخلقها وإبداعها وكمالاتها الغير متناهية وصفاتها العلية. فأبرزَتهم من مرآة شهودها نقطة الصفة . فكانت نقطة الصّفة هي حامل لسر النقطة المصمتة وما جاء من بعدها من حروفٍ عاليات أخذوا عن صورة الشهود نقطة الصفة وكانوا على قدمها وبواسطتها. وفي بساط الرحمانية، نقيب الأسماء الالهية،احتضن الترجمة القرانية وجمع كل المظاهر الوجودية والحقائق الكلية والجزئية الحقية والخلقية بما في ذلك الحروف الهجائية .فكل شيء في هذا البساط مسطروفق ما سطر في اللوح المحفوظ مسير بالمشيئة الالهية مُيسَّر بالنبوة تحت حكم القضاء وهو بساط الاستوائية … “الرحمن على العرش استوى” … فالرحمة شملت كافة المخلوقات بأجناسها وهومقام التجلي صورة الحضرة الاسمائية فالخالق لابد له من مخلوق والرازق من مرزوق والقادر من مقدور …. وهكذا …. والتجليات لا نهاية لها فلا تكرار في الوجود ولإن ظهر في الشهور للوسع الالهي وكل تجلي يظهر المقتضيات حين ياتي وقتها وزمانها
اما بساط الرحيمية فهو متعلق ببساط الرحمانية حيث ينتخب منه من سبقت لهم الهداية الربانية والعناية المحمدية في الأزل ،وعندما حان وقت الظهور والتجلي كان حرف الباء دليلا على هذا الظهور وعلى سيد الخلق صلوات ربي وسلامه عليه إذ هو النسبة والواسطة التي بها برز هذا الوجود وطرف في جميع التجليات فهو باء باطنه ألف اصله نقطه هي مرآة الشهود …. له وجهة حقيقة ووجهة خلفية من اجله خلقت الأكوان لتظهر التجليات الاسمائية المتشاجرة بواسطته وتظهر المقتضيات القرانية ويتعرف العباد على رب العباد فهذا الباء دل على سيد الخلق واسطةً للعالم الشهادي والصوري والتعيّني الذي ظهر به وبواسطته،ولهذا قال الله سبحانه في الحديث القدسيّ ”لولاك لولاك ما خلقتُ الأفلاك“أي يا محمد لولاك ولولا مظهرك ومقامك الذي أقمته لك، ونسبتك التي خصصتها لك في أزلي ما خلقت الأفلاك، ولاظهرت فأنت واسطتُها والنّسبة بيني وبينها، وأنت حجابي الأعظم دونها.
وإذا نظرنا إلى حرف الباء وجدنا ألف صغيرة في بدايته دالة على الألف الأصلية في بدايته ثم الألف الممدد الذي هو الظل المنفعل عن تجليات الأسماء والصفات فتظهر صور وتجري احداث..فالأقدار ليست سوى تجلّيات إلهية تعيّنت في عالم الحكمة والتعيّن والصور، وأعطت ما أعطت من تقدير وأقدار وارتباطات.
حرفُ الباء هومجلى سيد الخلق سيدنا ومولانا محمد صلوات الله وسلامه عليه،وأوّلهم وروحهم وواسطتهم، ولذلك كان الرّسول الجامع الأوّل، وكان النبيّ الأمثل، صلى الله عليه وسلّم،نبي الأنبياء، نال مقامَ الإنباء وختم النبوّة في أم الكتاب،بهذه الواسطة العظمى،والنسبة العليا التي تدلّت وتجلت منها سائرُ الأشياء والأعيان؛ وكان سيّد العالم والأكوان،الجامع للبرزخية بين شقّيها وقوسيها ، الرّوح والجسد،الغيب والشهادة،الملك والملكوت ، الحقيّة والخلقية، الذاتية والصفاتية،كما قال الله تعالى {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ} (النّجم-9) . ومن هنا سمّي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الحقيقة المحمدية، او الروح الأعظم او الكنز المطلسم او البرزخ الجامع ،او روح الوجود، او ماء الحياة ،او النفس الكلية او القلم الأعلى،او العقل الأول، اوالنور الذاتي، او اللوح المحفوظ ،او عرش الرحمن، و كلها تسميات معبرة عن مراتب النبوة اللامتناهية والتي عبر عنها العارفون بما فتح الله عليهم من معرفة وما جادت به الحضرة المحمدية من علوم … كذلك سمي عليه الصلاة والسلام وجه الله ومظهر الحق ونور الله ، تسميةً للدّلالة على الصفات التي تجلّت بذاتها،وعين التجليّات والمخلوقات ولكن يبقى كنه النقطة المصمتة غيب لا يدرك فما ادركت نقطة التجلي الذاتي إلا علم الأسماء والصفات والكمالات وهي في ترقي دائم لا ينتهي … فالرب رب والعبد عبد وما للذاتِ في المخلوقات ذوق ولاحلول تعالى الله سبحانه عن ذلك علوا كبيرا، فكما ان الإحاطة بكنه الذات محال فكذا الإحاطة بالنور المحمدي محال ويبقى الجهل هو عين الإدراك.
فما الوجود إلا احرف عاليات تشكلت في الكثير من الصور من حرف الألف فهو المادة، وقامت به فهو الباطن، تجلت فانفعل الوجود كله لتظهر الصور وتتوالى الأحداث والأقدار والمعلومات والاختراعات وكلها مقتضيات الكتاب الدي حوى كل ما كان وما سيكون إلى ان ينطوي بخروج كافة المقتضيات وذهاب الألف ليقوم به عالم الاخرة في مشهد آخر وخلق جديد . فسبحان الذي خلق فابدع وأحب فتفضل وجاد وأذهل بعظيم القدرة وروعة الدقة وعلو الكمال وبديع الجمال فلا فطور ولا نقص.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد النبوة ،أحمد الرسالة ،نقطة الصفة، البرزخ الهادي، وجه الله المشهود في كل ذرات الوجود والنسبة التي أوجدها الحق جل وعلا ليعرفه بها خلقه، قهرمان التجليات،من نعله فوق كل الحضرات، من نعوته الخصوصية مستورة في الايات والضمائر القرانية، مجلى الكمالات الإلهية الأعظم ، فهو الواحد في المرتبة الوحداني في الصفات،المخصوص في فردانيته ، الفاني في محبوبيته، المستهلك في عبوديته، المهيمن على الملك والملكوت بإذن ربه فهو الفاعل وسواه فعل، ادمُ ادم ومعلم الأنبياء والرسل، من هو وتر وكل مادونه في مرتبة الشفعية،الحجاب الأعظم المستمد الممد الذي يُرى ولا يسمع إلا منه، نور الملك والملكوت ،سر الصلاة الوسطى ،ورئيس يوم العرض ” يوم يقوم الروح والملائكة صفا” وعلى اله وصحبه وسلم. وصلى الله على سيدنا محمد نبي الله ،وعلى الزهراء بَضعة رسول الله ،وعلى اله وصحبه الفقيرة الى عفو ربها مريدة المعهد الفاطمي المحمدي :هالة حامد.

22 : عدد الزوار