شرح القاعدة 36

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد،وعلى مولاتنا فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين،وعلى خديجة الكبرى أم المؤمنين،وعلىآله وصحبه أجمعين. [ بما أن الكون يستمد كينونته من الألوهية،فهو بذلك يُظهر هذه الأسماء،وعلى هذا الأساس فالكون هو تجليّات الأسماء والصفات الإلهية،هو الظاهر في المظاهر بأسمائه وصفاته ]. اعلم أن علاقة الكون مع المرتبة المُسمّاة بالألوهية،التي تحتوي الأسماء والصفات الإلهية،ولا علاقة له بالذات الإلهية،تعالى وتقدّس سبحانه عز وجلّ.. فالألوهية تطلُب الكون،والذات لا تطلبه.. فما أوجد الله تعالى العالَم إلا ليظهر سلطان الأسماء الإلهية،فإن قُدرة بلا مقدور ورازقاً بلا مرزوق ورحيماً بلا مرحوم: حقائق معطّلة التأثير.. فالحق تعالى إنما أمر عباده بمعرفته في مرتبة الألوهية،وما أمرهم بمعرفة ذاته التي هي الغيب المطلق والوجود البحت،بل نهاهُم عن طلب ذلك. قال الله تعالى: (ويُحذّركم الله نفسه)،وقال صلى الله عليه وسلم: “تفكّروا في آلاء الله ولا تتفكّروا في ذاته”،وآلاؤه هي آثار أسمائه الفعلية.. يقول الأمير عبد القادر الجزائري في مواقفه: [ فالذات ــ من حيث هو هو ــ لا يُدرك حسّاً ولا عقلاً ولا كشفاً،بخلافها من مرتبة الألوهية فإنها تُدرك حسّاً وعقلاً وكشفاً ].. وارتباط الكون بالله هو ارتباط ممكن بواجب ومصنوع بصانع.. قال مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كان الله ولا شيء معه” أي الألوهية،لا الذ ات.وأدْرِج في الحديث قولهم: “وهو الآن على ما عليه كان”. والألوهية عند العارفين نِسَب وإضافات وسُلوب، فالكثرة في النّسب ــ التي هي من أحكام الألوهية ــ لا في العيْن التي هي الذات،كما يقول الشيخ الأكبر،ويُضيف: [ و”الآن” و”كان” عائدان علينا،إذ بنا ظهرا وأمثالَهُما،وقد انتفت المناسبة ].. فلا تخرج ذرّة في الوجود عن تأثير الأسماء الإلهية،وجوداً واستمراراً.. كما يقول أستاذنا: [ فما ثَمّ إلا الأسماء الإلهية ومقتضياتها، هي طعام الكون وغذاءه،هي المسيّرة للدوائر الكونية بأيادٍ خفيّة لا يُشاهدها إلا أصحاب مقام الوحدة الشهودية.. ]. يقول الشيخ الأكبر في فتوحاته: [ وإذا تأمّلت: فما ثَمّ وجود إلا الله خاصّة،وكلّ موصوف بالوجود ــ ممّا سوى الله ــ فهو نِسبة خاصّة. والإرادة الإلهية إنما متعلّقها إظهار التجلّي في المظاهر،وهو نِسبة. فإن الظاهر لم يزل موصوفاً بالوجود،والمظهَر لم يزل موصوفاً بالعدم،فإذا ظهر أعطيَ المظهر حُكماً في الظاهر بحسب حقائقه النفسيّة. فانطلق على الظاهر من تلك الحقائق،التي هو عليها ذلك المظهر المعدوم،حُكم يُسمّى: إنساناً أو فلَكاً أو ملَكاً،أو ما كان من أشخاص المخلوقات. كما رجع من ذلك الظهور للظاهر اسم يُطلق عليه،يُقال به: خالق وصانع وضار ونافع وقادر،وما يُعطيه ذلك التجلّي من الأسماء. وأعيان الممكنات على حالها من العدم،كما أن الحقّ لم يزل له حُكم الوجود. فحدَث لعَيْن الممكن اسم المظهَر، وللمُتجلّي فيه اسم الظاهر.. ]. ولهذا يقول العارفون: [ الأسماء بناولنا، ومَدارهاعلينا،وظهورهافينا،وأحكامهاعندنا،وغاياتهاإلينا،وعباراتهاعنّا،وبدايتها منّا.. ]. ويبرهن الشرخ الأكبر عن هذا النّفَس العرفاني في مسائله بقوله: [ معقولية الأوّلية للواجب الوجود بالغير هي نِسبة سلبيّة عن وجود كون الوجوب المطلق،فهوأوّل لكلّ مقيّد. إذ يستحيل أن يكون له هناك (أي: في مرتبة الوجوب المطلق) قَدم. لأنه لا يخلو أن يكون بحيث الوجوب المطلق،فيكون: إمّا هو نفسه،وهومُحال،وإما قائماً به،وهو مُحال لوجوه: منها أنه قائم بنفسه،ومنها ما يلزم للواجب المطلق ــ لو قام به هذا ــ من الافتقار،فيكون إما مقوّماً لذاته وهو محال،أو مقوّماً لمرتبته وهو محال. فمعقولية الأوليّة للواجب المطلق هي نِسبة وضعيّة،لا يَعقل لها العقل سوى استناد الممكن إليه،فيكون أولاً بهذا الاعتبار. ولو قُدّر أن لا وجود لممكن، قوّةوفعلاً،لانتفت النّسبة الأولية،إذ لا تجد متعلّقاً ]. وهذا ما قصدته القاعدة في قول أستاذنا بإظهار الكون للأسماء الإلهية ولا يؤثّر تعدّد التعلّقات من المتعلّق،وفي كونه تعالى واحداً في نفسه،كما لا يؤثّر تقسيم المتكلّم به في أحديّة الكلام.. فقد أجمع العارفون أنه لا وجود إلا الوجود الواحد الحق، والمسمّى عالَماً وخَلقاً: مَظاهره. فحقّ بلا خلق لا يَظهر،وخلق بلا حقّ لا يوصف بالوجود.. يقول الشيخ الأكبر في نص جامع،نورده رغم طوله، يذكر علاقة الأسماء الأمهات بالعالَم: [ اعلم أن الأسماء الحسنى ــ التي تبلُغ فوق أسماء الإحصاء عدداً،وتَنزل دون أسماء الإحصاء سعادة ــ هي المؤثّرة في هذاالعالم،وهي “المَفاتح الأول” التي لا يعلمُها إلا هو. وأن لكل حقيقة وجودية اسماً يخُصّها من الأسماء.. فإذا نَظرت الأسماءكلها، المعلومة في العالَم العلوي والسّفلي،تَجدالأسماء السبعة،المُعبّر عنها ب”الصفات” عند أصحاب علم الكلام،تتضمّنها.. وهذه الأسماء هي “أرباب” الأسماء،وما عَداها ف”سَدَنة” لها.. ف”الحيّ” هو “ربّ الأرباب والمَربوبين”،وهوالإمام. ويَليه في الرّتبة “العالِم”. ويَلي العالِم “المُريد”. ويلي المريد “القائل”،ويلي القائل “القادر”. ويلي القادر “الجواد”. وآخرهم “المُقسط”،فإنه “ربّ المراتب”،وهي آخر منازل الوجود. وما بَقي من الأسماء فهو تحت طاعة هؤلاء الأئمة الأرباب. فأول من قام لطَلب هذا العالَم،الإسمين الإلهيين “المُدبّروالمُفصّل”،عن سُؤال الإسم “المَلِك”. فعندما توجّها الإسمان على الشيء الذي عنه وُجد “المِثال” في نفس العالِم،من غير عَدم مُتقدّم،ولكن تقدّم مرتبة لا تقدّم وُجود،كتقدّم طُلوع الشمس على أول النهار،وإن كان أول النهار مُقارناً لطلوع الشمس.. فلمّا دَبّر العالم وفَصّله هذان الإسمانالإلهيان،من غير جهل مُتقدّم به أو عَدم علم،وانتشأتصورة المِثال في نفس العالم ــ تعلّق اسمه تعالى “العالِم”، إذ ذاك،بذلكالمِثال،كما تعلّق بالصورة التي أخذ منها،وإن كانت غير مَرئية لأنها غير موجودة.. ] اهـ. ويضيف رضي الله عنه: [ والعالَم يطلب من الحقائق الإلهية أربع نِسَب: “الحياة والعلم والإرادة والقدرة”.. والأصل “الحياة”،فإنها الشرط في وجود “العلم”.. فلمّأ تميّزت المراتب في هذه النّسب الإلهية،تميّز الفاعل من المُنفعل،خرج العالَم على هذه الصورة: فاعلاً مُنفعلاً.. فأوجد الله تعالى العقل الأول من نسبة الحياة،وأوجد النفس من نسبة العلم. فكان العقل شرطاً في وجود النفس،كالحياة شرط في وجود العلم. وكان المُنفعلان عن العثل والنفس: الهباء والجسم الكلّ. فهذه الأربعة هي أصل ظهور الصور في العالَم.. ] اهـ. قال سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي الصحيح كشفاً: “كنت كنزاً مخفياً لم أعرف،فأحببت أن أعرف،فخلقت الخلق وتعرّفت إليهم،فبي عرفوني”. والكنزية هنا هي كنزية الأسماء الإلهية في بساط الأحدية.. ففي مرتبة الألوهية خرجت الأسماء والصفات الإلهية من بُطونها،وطلبت أن تُعرف وأن تظهر في الموجودات،عِلماً وقدرة ورزقاً وكلاماً.. ويقول الأمير عبد القادر الجزائري في مواقفه: [ وهذه المحبة هي السّبب الأول لوجود العالَم،وهي المَيْل إلى الظهور بالأسماء والصفات.. ]. وهنا يندرج مفهوم “الأعيان الثابتة”،حسب الشيخ الأكبر،وهي المقتضيات التي تسمع الأمر الإلهي “كُن” وتمتثل إليه “فيكون”.. فالأسماء الإلهية هي المدبّرة لشؤون الكون،الساهرة على استمراريته وفق الإرادة الإلهية والتقديرات الأولية: (كل شيء خلقناه بقدر). والتجلّي الإلهي هو ظهور مقتضى الإسم الإلهي في الوجود.. فالتجليات الإلهية هي التي تسيّر الكون الإلهي وتضمن استمراريته،ولا تكرار في الوجود ــ كما أجمع عليه العارفون ــ للوُسع الإلهي: (كل يوم هو في شأن).. فالتجلّي يُظهر المقتضى عندما يحضُر أجله،كما جاء في الحديث: “إن الرزق ليطلب العبد كما يطلبه أجله”.. فالرزاق يطلب المرزوق،والتواب يطلب المُذنب،وقس على ذلك باقي الأسماء الإلهية.. فقامت صُور التجلّي في الألوهة،مَقام اختلاف صور أشخاص النوع في النوع. فقام الدليل على أن تغيّر أشخاص النوع إنما جاء من هذه الحقيقة الإلهية. فلولا أنه في استعداد هذا النوع،المُتغيّر بالشخص في الأشكال والألوان والمقادير التي لا تُخرجه عن نوعيّته،لما قَبل هذا التغيير،ولكان على صورة واحدة.. قال الله تعالى: (وفي أنفسكم أفلا تبصرون)،وقال صلى الله عليه وسلم: “من عرف نفسه عرف ربه”.. ويظهر من هذا سرّ مَظهرية الإنسان،والإنسان الكامل خصوصاً،بجميع الأسماء الجمالية والجلالية.. وأيضاً سرّ مُضاهاة الإنسان الكبير (العالَم) بالإنسان الصغير (الإنسان).. قال الشيخ الأكبر: [إن لم تعرف الأمور من جهة حقائقها،لم تعرف أن العالَم خرج على صورة الحقّ،يرتبط ما فيه من الحقائق بالحقائق الإلهية. وهذا مَدْرك صعب،عليه حُجب كثيرة لا ترتفع بفكر ولا بكشف.. ]. يقول شيخ أستاذنا قدّس الله سرّه: [ فكان تجلّي الأحمدية في الأشياء قبل وجود الأشياء،فما ظهرت أعيان الوجود إلا بها كضيّاء الشمس ونور القمر وإنبات الأرض وفتق حواء من جسم آدم،وما إلى ذلك ممّا ظهر بدون سبب،فإنه من تجلّي الأحمدية،وبعد ذلك خالطتها المحمدية في خصائصها.. ].. فالمظاهر الكونية لا تخرُج من الوجود العلمي إلى الوجود العيني إلا بوساطة مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم،ففي كل تجلّ إلهي توجد مرتبة محمدية،فهو وجه الله في كل شيء.. وهو الظاهر في المظاهر والحق المخلوق به كل شيء: (فأينما تولّوا فثم وجه الله)،(إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله)،”من رآني فقد رأى الحقّ”.. فلا دخول إلا من بابه،ولا شهود إلا فيه،ولا تجلّ إلا منه.. فهو صلى الله عليه وسلم الخليفة الكلّي على الكون الإلهي،ولهذا كان متحلّياً بجميع الأسماء والصفات الإلهية التي يطلبها العالم الذي ولاّه عليه الحق تعالى،فظهر بصورة من استخلفه فيما استخلفه.. فالحقيقة المحمدية نائبة عن الحقّ في الكون،وهي الظاهرة في المظاهر لأهل الكشف والشهود.. ومن أسمائه صلى الله عليه وسلم المرتبطة بقاعدتنا المباركة: “حضرة الأسماء والصفات”.. و”الوجود الساري”،إذ لولا سريان الوجود الحقّ في الموجودات،وهي الحقيقة المحمدية،ما كان للعالَم ظهور ولا صحّ وجود موجود،لبُعد المناسبة وعدم الارتباط.. الكون لا يصمُد أمام التجليات الإلهية دون حائل،فكان نور النبوة حاجزاً بين الكون وبين حرارة التجليات الإلهية (فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون).. فلولاه لما استطاع الوجود الصمود، ولاضمحلّ من حينه لانعدام المناسبة مع الله تعالى.. وفي هذا المعنى قال القائل: [ لولاه لم تخرج الدنيا من عدم،ولولا الواسطة لذهي كما قيل الموسوط ].. ونصادف مفهوم “الكون الجامع” الذي يطلقه الشيخ الأكبر ابن عربي على: “الإنسان الكامل،من حيث أنه جمع في كونه جميع حقائق الحضرتين: الحقيّة والخلقيّة”. والإنسان الكامل ــ ويسميه العارف الجيلي ب”الإنسان الأكمل” ــ (ويصطلح عليه أستاذنا: “البشر الحقاني الأكمل”) بالأصالة هو مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم.. كما نصادف مفهوم “الظلّ”،فالكائنات التي نورها الإسم “النور” هي ظلال الأسماء والصفات.. وهذه الإنارة هي بواسطة الحقيقة المحمدية،التي هي برزخ البرازخ ومجلى النور.. يقول الشيخ القاشاني: [ الظل: هو الوجود الإضافي الظاهر بتعيّنات الأعيان الممكنة وأحكامها التي هي معدومات ظهرت باسمه تعالى “النور” الذي هو الوجود الخارجي المنسوب إليها،فيستُر ظُلمة عدميتها النور الظاهر بصورها،صار ظِلاً لظهور الظلّ بالنور وعدميته في نفسه. قال الله تعالى: (ألم تر إلى ربك كيف مدّ الظلّ) أي: بسط الوجود الإضافي على الممكنات ].. ويستعير أهل الله،كالشيخ الأكبر مثلاً،مفهوم الظلّ لتقريب فكرة الوجود الواحد المُتكثّر في المظاهر أو المَجالي أو الظّلال.. أو علاقة الحقّ بالخلق،والحقّ هنا هو المرتبة وليس الذات،مرتبة الألوهية التي تتضمّن الأسماء والصفات الإلهية المرتبطة بالكون.. وليس أكمل من استعارة الظلال في التعبير عن تبعية الصورة لفعل الأصل،يقول الشيخ الأكبر: [ ظلّك على صورتك،وأنت على الصورة،فأنت ظلّ. قام الدليل على أن التحريك للحق لا لكَ،كذلك التحريك لك لا للظلّ ]. فأصل كل مُتكثّر الواحد: فالأجسام ترجع إلى جسم واحد، والأنفُس ترجع إلى نفس واحدة،والعقول ترجع إلى عقل واحد. ولكن لا يكون من الواحد الكثرة بمجرّد أحديّته،بل بنِسَب واعتبارات.. وقد تأوّل العارفون قوله تعالى: (ليس كمثله شيء) بأن الكاف هي كاف الصفة.. فمعنى الآية الكريمة: إثبات المِثل له تعالى،وهذا فيه إثبات التنزيه للحق عز وجل. فإنه إذا كان لا مِثل لمِثله،كان نفي المثل عنه تعالى أولى وأحقّ.. ويكون معنى الآية: “ليس مثل مثله شيء”،والمِثل المنزّه هو مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أصالة وحقيقة،إذ هو الأصل في إيجاد العالَم ولو تأخّرت صورته.. ولما كان سبب وجود الكون المحبّة الإلهية،وارتبط بالأسماء الإلهية،قال الإمام الغزالي: [ ليس في الإمكان أبدع مما كان ]،ومصداقه قوله عز وجل: (وقيل للذين اتّقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيراً).. فما من حُكم في العالَم إلا وله مُستند إلهيّ ونعت رباني،فمنه ما يُطلق ويُقال،ومنه ما لا يجوز أن يُقال ولا يُطلق وإن تُحقّق. فما من جزء من العالَم إلا وهو مرتبط باسم إلهي،وكما يقول الشيخ الأكبر: “المخلوقات مِنصّات مَجلى الحقّ”.. قال صلى الله عليه وسلم: “إن الله جميل ويُحبّ الجمال” وليس جماله إلا ما يُشهد من جمال العالَم،وليس للحقّ مَنْزه ولا مَجلى إلا العالَم.. وما قال العارف السبتي: [ الوجود ينفعل بالجود ] إلا لعلمه بأن الوجود من الجود صدَر.. فما في الكون إلا طيّب وكامل، واعوجاج القوس استقامته لما وُجد له.. وقد تأول الشيخ الأكبر قول الغزالي،فقال: [ لأنه ليس أكمل من الصورة التي خُلق عليها الإنسان الكامل. فلو كان،لكان في العالَم من هو أكمل من الصورة التي هي الحضرة الإلهية.. ]. فلكل اسم من الأسماء مرتبة ليست للآخر،ولكل صورة في العالَم رتبة ليست للصورة الأخرى. فالمراتب لا تتناهى،سواء كانت إلهية أو كونية..فالأسماء روح،والمقتضيات جسدها. وهي المسيرة للكون المدبرة لشؤونه،القائمة على استمرارية وجوده،هي الخزائن والموازن،هي ما يفتقر إليه حساً ومعنى،هي العطاء والمنع.. ومن رقائق البحث ما ناقشه الشيخ الأكبر في فتوحاته حول مسألة “السّبب الموجي لوجود العالَم”،وناقش كلاً من الحكماء والمتكلمين،وردّ شبههما بالأدلة العقلية والعرفانية،وخلُص إلى أن: [ العالَم معلول عِلم الله،لا معلول عين الله ] مُفرقاً بين الحق والخلق،ومثبتاً لحدوث العالَم،ونفي قِدَمه.. فالعالَم بُستان الحقّ،والأسماء مُلاّكه بالاشتراك،فكلّ اسم له فيه حصّة. فهذا الذي تعطيه الحقائق. فالكمال للأشياء وصف ذاتيّ لها،والنقص أمر عَرضيّ،وله كمال في ذاته.. هذه شذرات من كلام العارفين حول مضمون القاعدة المباركة،وما أغفلناه كثير لا يحصى. وقد يبدو في بعض ما ورد بُعداً أو خروجاً عن الموضوع،لكن كما يُقال: “الشيء بالشيء يُذكر”. كما أن المسائل مترابطة فيما بينها،مما يدعو إلى إثارتها من باب التنبيه على اتّساع معارف التصوف والعرفان،وأيضاً من باب التحفيز على البحث وتوسيع المدارك والإلمام بمسائل التصوف.. والله وليّ التوفيق. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد نبي الله،وعلى الزهراء بضعة رسول الله. الاستاذ رشيد موعشي

64 : عدد الزوار