القاعدة 20 من قواعد التصوف العرفاني

القاعدة عشرون

اعلم أن الألوهية مرتبة للذات لا يستحقها إلا الله ، والمألوه يَطلبها ، وهي تَطلُبه ، والذات غنية عن كل شيء ، وكل وَصف لا يَصل إلا إلى المرتبة ، لا إلى الذات ، فنَزّه الذات .حتى عن التّنزيه


لقد مر بنا الكلام في شرح القواعد السابقة القول بأن اهل الله العارفين لا كلام لهم عن الذات الإلهية، انما خوضهم في مرتبة الالوهية،والتي تحت حكمها باقي الأسماء الإلهية. فاتصف الحق تعالى بالاسم: الله، والرحمن، والرحيم، والجبار والمعطي والمانع ….الى غير ذالك من الأسماء الإلهية التي تبين ان الاتصاف بها جميعها،لا يحق الا للحق سبحانه وتعالى ،فله وحدانية الأفعال والاسماء والصفات،فاسمه تعالى الرزاق يطلب ظهور مقتضاه،وبالتالي يطلب المرزوق، والغفار كذالك يطلب المذنب…وقس على هذا باقي الأسماء الإلهية…فالألوهية تطلب المألوه ،والمألوه يطلبها.والذات الإلهية غنية حتى عن الالسماء والصفات،إذ لوكانت محتاجة إليها لما اتصفت بالغنى. فمن عرف وأدرك أن الصفات ،لاتقع على الذات الإلهية ،وإنما هي مستفادة منها، ومفادة الى بساط الألوهية ،والذي هو ديوان الحضرة الإلهية، وراجعة عليها،من عرف ذلك بلغ تمام المعرفة. فمعرفتها تنزيه مطلق للحق تعالى، فلا يشبه مخلوقاته ولا مخلوقاته تشبهه ،فالصفات الثبوتية (كالكريم ،والمومن ،السميع،البصير،الصبور…..) لا تقع على الذات الالهية اذ تشبهها بالمخلوقات، (تفكروا في ءالاء الله ولا تتفكروا في ذات الله)صدق رسول الله.

فالحق تعالى هو الذي جعل بعض عباده قادرين ،والبعض كرماء،والاخر رحماء.فتسمي قادرا ،وبإفادته الكرم للكرماء سمي كريما،وتسمى رحيما.
يقول الشيخ الأكبر في الباب الخامس ومائتين :هو عين كل شئ في الظهور،ماهو عين الأشياء في ذواتها سبحانه، بل هوهو ،والأشياء أشياء. العبد عبد، والرب رب ،فلا تغالط ولا تخاط ، لأن ماهية الحق،غير ماهية العبد،الحق واجب الوجود والعبد ممكن الوجود.اهـ.
ويقول في موضع اخر من فتوحاته:هو الظاهر في المظاهر،أي ظاهر بأسمائه التي لا حصر لها، بلا حلول ولا وحدة ولا إتحاد. الرب رب، والعبد عبد وان اشتركا في العهد “وأوفوا بعهدي اوفي بعهدكم”اهــ .

فالوجود راجع الى تجليات الأسماء الإلهية ،تجلياتها متعددة ،بتعدد صور الممكنات، فكما تظهر صورتك متعددة في مرايا متعددة، فتبدو في كل مرآة بزاوية خاصة ،ووجه مختلف، تبدو متكثرا، وأنت أنت لم تتعدد، ولم تحل في المرايا، ولم تتحد معها.

التجليات هي التي تحفظ للكون بقاءه .فلا تكرار في الوجود وإن ظهر في الشهود، للوسع الإلهي ،ومن أسماء الله تعالى الواسع. فمن لطف الله بنا أنه يتقرب إلينا،ويتعرف لنا، بأوصافنا، وذلك على سبيل الإيناس المألوف،وهو تعالى “ليس كمثله شئ “.
أما ذاته فمنزهة عن كل وصف يشبهها بالمخلوقات. فهو سبحانه أظهر لهم وجهة خلقية، ليستأنسوا بها وحتى لا يسحقهم الجلال.فوصف نفسه بالهرولة والضحك والاستعزاء…فافهم ،وانشل نفسك من اوحال التوحيد.
فكل ما يخطر ببالك فالحق خلاف ذلك. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

ذ.محمد بن المبارك
وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد نبي الله ،وعلى الزهراء بنت رسول الله.

490 : عدد الزوار