الكشف عند ابن عربي

كشوفات حاتمية في الحقيقة المحمدية :  الفتوحات( ج1 ص 113)
“يقول الشيخ الاكبر قدس الله سره .
………فنقول إن الله تعالى لما أوجد الكلمة المعبر عنها بالروح الكلي إيجاد إبداع أوجدها في مقام الجهل ومحل السلب ،أي أعماه عن رؤية نفسه، فبقي لا يعرف من أين صدر ولا كيف صدر، وكان الغذاء فيه الذي هو سبب حياته وبقائه وهو لا يعلم فحرّك الله همته لطلب ما عنده ،وهو لا يدري أنه عنده، فأخذ في الرحلة بهمته فاشهده الحق تعالى ذاته (أي ذاته المحمدبة)فسكن وعرف أن الذي طلب لم يزل موصوفاً.

 قال إبراهيم بن مسعود الألبيري:
قد يرحل المرء لمطلوبه … والسبب المطلوب في الراحل

وعلم ما أودع الله فيه من الأسرار والحكم ،وتحقق عنده حدوثه وعرف ذاته معرفة إحاطية فكانت تلك المعرفة له غذاء معيناً يتقوّت به وتدوم حياته إلى غير نهاية فقال له عند ذلك التجلي الأقدس ،ما أسمي عندك ؟ فقال أنت ربي، فلم يعرفه إلا في حضرة الربوبية (1) وتفرد القديم بالألوهية ،فإنه لا يعرفه إلا هو .

فقال له سبحانه أنت مربوبي، وأنا ربك أعطيتك أسمائي وصفاتي(2) فمن رآك رآني(3) ومن أطاعك أطاعني، ومن علمك علمني ،ومن جهلك جهلني (4) فغاية من دونك أن يتوصلوا إلى معرفة نفوسهم منك، وغاية معرفتهم بك العلم بوجودك لا بكيفيتك (5) كذلك أنت معي، لا تتعدى معرفة نفسك ولا ترى غيرك ولا يحصل لك العلم بي إلا من حيث الوجود،ولو أحطت علماً بي لكنت أنت أنا ولكنت محاطاً لك ،وكانت أنيتي أنيتك وليست أنيتك أنيتي ( 6) فأَمُدك بالأسرار الإلهية وأُرَبِّيك بها فتجدها في ذاتك ، فتعرفها وقد حجبتك عن معرفة كيفية إمدادي لك بها، إذ لا طاقة لك بحمل مشاهدتها، إذ لو عرفتها لإتحدت الأنية واتحاد الأنية(7) محال

 فمشاهدتك لذلك محال هل ترجع أنية المركب أنية البسيط لا سبيل إلى قلب الحقائق. فاعلم أن من دونك في حكم التبعية لك ، كما أنت في حكم التبعية(8) لي فأنت ثوبي وأنت ردائي وأنت غطائي (9) فقال له الروح ربي سمعتك تذكران لي مُلكاً فأين هو(10) ….انتهى كشف ابن عربي..

توضيحات لهذا الكشف  الحاتمي:

1=    يقول ابن عربي في (ج3 ص 173): الحقيقة المحمدية هي أول مخلوق لم تعرف الله تعالى الى في حضرة الربوبية،وتفرد القديم بالالوهية فلا يعرف الله الا الله . فإن التجلي الإلهي لا يكون إلا لله والرب ،ولا يكون للذات الإلهية أبداً فإن لها الغني.إنتهى.

يعني ابن عربي بكلامه  ان النبوة المحمدية لا تعرف الذات الالهية ،و يقصد بالربوبية  بساط  اسم الجلالة “الله’ و 98  اسم التي تحت حيطته. والألوهية يقصد بها الذات الالهية ،فلا ظهور للذات الإلهية في الصور إنما الظهور لمرتبة الربوبية و إلى دائرة الاسم ” الله “.ولا يعرف الذات الإلهية إلا الله فهي غنية عن معرفة من رام معرفتها.

2=   الحقيقة المحمدية تحلت بجميع الاسماء والصفات الالهية .قال تعالى “إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله “فأقامه مقامه وأنابه منابه.


3=   لا تقع الرؤية الا على احقيقة المحمدية ” من رآني فقد راى الحق ” الحديث) .فما شاهد العارفون الا إيها وما خاطبتهم إلا هي .عرف ذلك من عرفه وجهله من جهله .ومن قال انه رآى الله فليس بمحقق،والأمر لُبِّس عليه.


4=   معرفتنا لاتصل الا للحقيقة المحمدية ،و معرفة الله هي معرفة اسمائه وصفاته وكلامه ،ومعرفة نبيه، كل عارف على قدر قامته . والذات الالهية وراء ذلك لاتعرف ولا تشهد ،فالعارف بالله هو العارف بأسمائه وصفاته وعارف بدور نبيه.


5=     ستبقى سمة الجهل بالحقيقة المحمدية هي الغالبة على العارفين الى أن يرث الله الارض ومن عليها “ما عرفني حقيقة غير ربي” لا علم لنا بكنهها اذ هي من نور الله. فكم من شيخ يدعي معرفة الله، وهو لايعرف محمدا الذي هو مخلوق مثله.؟

6=   الحقيقة المحمدية لا تعرف الذات الالهية.ولا تحيط علما بالله .

7=   وقال :”لإتحدت الأنية” أي لَصِرت أنت أنا, فهذا محال .فكما ترى ابن عربي ينفي عن كون النبي هو الله. وأصحاب وحدة الوجود يجعلون الله عين الأشياء.

8=    النبوة المحمدية عبد من عباد الله تابع لإرادة الله،ونحن تابعون لها. أشار أحد العارفين إلى هذه التبعية ،قال،قال تعالى “أنك ميت وإنهم ميتون” أي إنك يا  محمد لا تصل الى منتهى رحمة الله، ونحن عاجزون عن الوصول الى منتهى معرفتك .هو صلى الله عليه وسلم سدرة منتهى الجميع فكل المقامات تنتهي عند  أميته .مقامات الملائكة والانبياء والاولياء والمومنين وباقي الخلائق.


9=   هو صلى الله عليه وسلم حجاب الله الاعظم.”  وحجابك الاعظم القائم لك بين يديك” كما قال ابن مشيش رحمه الله.


10=  المُلك المشار إليه هو  الخلافة الكلية للحقيقة المحمدية على الكون الالهي.

اعرف نبيك فالتصوف هو معرفة النبي                                                      ابن المبارك 2008

1٬300 : عدد الزوار