مقام الذل والانكسار في السلوك الصوفي

بسم الله الرحمن الرحيم  الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الانبياء والمرسلين،صلاة تجعلني مُرتدياً الذل والإنكسار والخضوع والإفتقار، وعلى مولاتنا فاطمةَ الزهراء بَضعة النبي المختار،وعلى سيدتنا خديجةَ الكبرى امِّ المومنين الاخيار،وعلى اله وصحبه الابرار.   السلام عليكم ورحمة الله. موضوعنا  حول مقام الذل والانكسار في السلوكالصوفي       

قال الله تعالى:  وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون : أي خلقهم للعبودية وأصل كلمة عبودية هو الذلّ والخُضوع ،يُقال طريق مُعبّد  أي مُذلل بوَطْء الأقدام او غيره  . قال الشيخ أحمد زروق: أوصاف العبودية أربعة وهي:  الفقر،والذلّ،والعَجَز،والضعف ،وتُقابلها أوصاف الربوبية وهي الغنى، والعزّ، والقدرة،والقوة .                                                                                    وجاء في الحكم العطائية:( تحقق بأوصافك يمدك بأوصافه وتحقق بِذُلك يُمدّك بعزته ،وتحقق بعجزك ،يُمدك بقدرته وتحقق بضعفك يمدك بحوله وقوته). فمن أراد أن تُفْتَح له الأبواب في وجهه فعليه بالتخلّق بأوصاف العبودية،ومن أراد أن أن تُغْلَق الأبواب كلها في وجهه فليدعي أوصاف الربوبية.  قال ابو يزيد:-يا إلهى  أقمني في  مقام أتقرب إليك ،لا ينافسنى فيه منافس فقيل له : يا ابا يزيد تقرب اليَّ بما ليس لى الفاقة والفقر .

قال بعضهم.:

تذلل لمن تهوى لتَكْسِب عزة *** فكم عزة قد نالها المرء بالذُلِّ

فالذل ينتج المحبة والقرب،وهو ركن العبادة الأوثق وعمادها المحقق. قال تعالى تِلْكَ الدارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا}أما الانكسار هو انكسار القلب اذا تحقق بخالص العبودية،وبمشاهدة عظمة الربوبية ،فالذل يقابله اسم العزيز والانكسار يقابله اسم القهار “وهو القاهر فوق عباده”ويقابل الذل والانكسار اسمه تعالى الجبار فيجبر القلوب المنكسرة ،..كما يَجبر مقتضى اسمه تعالى القهار فَيَعُمك الجمال من كل ناحية ،وإنكسار القلب،وهو الخشوع والخضوع والسجود وينقل السالك الى مقامات القرب. قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:(أقْرَب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد)قال تعالى(فاسجد واقترب) ،

قال بعض اهل الله : (والله ما وجدنا العزّ حقاً إلا في الذلّ .. ومن اسماء الله المتكبر والعلي والجبار هي من جملة صفات الربوبية التي تخص الحق تعالى ،ونَهانا عن التّحلّي والظهور بها،حالاًومقالاً..ورد في الحديث القدسي،قال الله عز وجل : (الكبرياء ردائي والعظمة إزاري،فمن نازعني واحداً منهما قَصَمتُه)..فإن إدّعيت ما ليس لَكَ سَلَبك ما مَلّكَك،وإذا تحقّقت بوصفك وسَلّمت له وصفه،مَنَحك ما لم يكن عندك.فكلما نَزلت بنفسك أرضاً،سَما قلبُك سماءً.. تواضع لله يرفعك .. سُئل الجنيد عن التواضع فقال: هو خَفْض الجناح،وكَسْر الجانب. وقال التُّستُري: (أَلْزموا أنفسكم التواضع تَسْلموا من الدّعوى.

وقال أبو مدين الغوث: لا ينفع مع الكِبْرِ عمل،ولا يَضُرّ مع التواضع بَطالة : لأن المقصود من  الطاعة هو الخضوع والخشوع والإنقياد والتذلّل والإنكسار ..إذ لا عِبْرة بصورة الطاعة ولا بصورة المعصية، وإنما العِبْرة بما  يَنْتُج عنها. وقال إنكسار العاصي خير من صَوْلة المُطيع .                                     

وفي هذا السياق يقول إبن عطاء الله في حِكَمه: (رُبّ معصية أوْرَثت ذُلاً وإفتقاراً، خير من طاعة أورثت عزّاً وإستكباراً)..فما أقْرَب الجَبْر من هذا القلب المكسور، وما أدْنى النّصر والرحمة والرزق منه. وذرّة من هذا ونَفَس منه أحَبّ إلى الله من طاعات أمثال الجبال من المُعجَبين بأعمالهم وعلومهم وأحوالهم.  وأحَبّ القلوب إلى الله تعالى: قلب قد تمكّنت منه هذه الكَسْرة،ومَلَكته هذه الذلّة.   فهو  ساجد السجود المُراد منه: سجود القلب..

ففي المنهاج الصوفي اذا لم يتصف السالك بالتواضع والافتقار،وبالذل الانكسار، ويبقى ملتفتا لماله،أولعلمه،أو لنسبه،أولشرفه يظل واقفا في مكانه مسجونا في أهوائه. قال ساداتنا الصوفية ملتفت لا يصل.

ونختم  بدعاء للنبي صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ الذي يقول فيه ” اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين”،والمتبادر للذهن عندما نسمع مسكيناً هوالمسكين الذي لا يجد كفايته،لكن المسكنة هنا هي الرجوع الى الله في كل شئ واظهار الفاقة والاحتياج ،وهو الخشوع ،والتذلل لله تعالى، هي مسكنة القلوب  وصلى الله على سيدنا محمد نبي الله ،وعلى الزهراء بَضعة رسول الله ،وعلى اله وصحبه.

812 : عدد الزوار