مناظرة بين التستري وإبليس

مناظرة بين سهل بن عبد لله التستري وإبليس

يحكي ابن عربي في الفتوحات المكية :باب الحضرة الموسوية   :… قال سهل بن عبد الله عالمنا وإمامنا لقيت إبليس فعرفته وعرف منى أني عرفته فوقعت بيننا مناظرة فقال لي وقلت له وعلا بيننا الكلام وطال النزاع بحيث أن وقفت ووقف، وحرت وحار، فكان من آخر ما قال قال الله عز وجل “رحمتي وسعت كل شئ” فعم ولا يخفى عليك أني شئ بلا شك لأن لفظة كل تقتضي الإحاطة والعمومـ وشئ أنكر النكرات فقد وسعتني رحمته قال سهل فو الله لقد أخرسني وحيرني بلطافة سياقه وظفره بمثل هذه الآية وفهم منها ما لم نفهم وعلم منها ومن دلالتها ما لم نعلم ،فبقيت حائراً متفكراً وأخذت أتلو الآية في نفسي فلما جئت إلى قوله تعالى فيها:” فسأكتبها للذين يتقون” سررت وتخيلت أني قد ظفرت بحجة وظهرت عليه بما يقصم ظهره وقلت له يا ملعون أن الله قد قيدها بنعوت مخصوصة يخرجها من ذلك العموم فقال” فسأكتبها” فتبسم إبليس وقال يا سهيل ما كنت أظن أن يبلغ بك الجهل هذا المبلغ، ولا ظننت أنك ها هنا ألست تعلم يا سهل إن التقييد صفتك لا صفته، قال سهل فرجعت إلى نفسي وغصصت بريقي وإقام الماء في حلقي ووالله ما وجدت جواباً ولا سددت في وجهة باباً ـوعلمت أنه طمع في مطمع وانصرف وانصرفت ،ووالله ما أدري بعد هذا ما يكون فإن الله سبحان ما نص بما يرفع هذا الأشكال فبقى الأمرعندي على المشيئة منه في خلقه لا أحكم عليه في ذلك بأمد ينتهي أو بأمد لا ينتهي.اهــ( الفتوحات المكية) .

قلت:  

قال تعالى” وَرَبُّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ “وابليس شئ ودخل تحت حفظ  الربوبية في الدنيا لاستمرارية الحياة وفق ما قدره الله .وهو مقر بالالوهية وبالربوبية لا ينازعها “إني أخاف الله رب العالمين”فأورد في كلامه الألوهية”الله”واثنى عليها بالربوبية “رب العالمين”.

وقوله تعالى :”لولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان الا قليلا” فالذين شملهم الفضل وعمتهم الرحمة لا يتبعون الشيطان ،فالشيطان لا حظ له في الرحمة.

قال تعالى “رحمتي وسعت كل شئ” وابليس شئ  شملته هذه الرحمة ،لو لم تشملته لأفنته التجليات الجلالية،ولو لم تشمله هذه الرحمة لما خرج من سلالته مسلم يوحد لله، فمن الجن من اسلم،ومنهم من صحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم متصوفة ،الا أنهم لا يتعدون مقام الابدال . وهذه من مظاهر هذه الرحمة التي شملته في الدنيا. وعندما ابى اللعين واستكبر طلب من الله ان يمهله الى يوم يبعثون “قال ربي انظرني الى يوم يبعثون” قال انك من المنظرين”

فهذا الوعد خول له الحرية والعيش الى يوم البعث.

اما في الاخرة فالرحمة في حق ابليس قيدتها الارادة الالهية ، بقوله تعالى” لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ “وقيدتها التقديرات الاولية التي اقتضت “فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ”

 “رحمتي وسعت كل شئ” فَشيِئَّية ابليس اذا دخلت تحت حكم هذه الاية  ففي الدنيا فقط،وهي لفتح المجال لذريته للدخول الى الاسلام  والى استمرارية الحياة حسب ما اراده الله ” قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ” ووفاء بالوعد “انك من المنظرين الى يوم يبعثون” اما في الاخرة فمقيدة بالارادة الالهية” لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ”

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى اله وصحبه

ابن المبارك

1٬215 : عدد الزوار