الخالق البارئ

بسم الله الرحمن الرحيم  الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الانبياء والمرسلين،وعلى مولاتنا فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين ،وعلى سيدتنا خديجة الكبرى ام المومنين ،وعلى اله وصحبه اجمعين.

موضوعنا حول اسمين من اسمائه تعالى وهما الخالق البارئ 

ورد اسمه تعالى البارئ مرة واحدة في القرءان كله في سورة  الحشر قال تعالى ﴿هُوَ ٱللَّهُ ٱلۡخَٰلِقُ ٱلۡبَارِئُ ٱلۡمُصَوِّرُۖ لَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ  ﴾، وورد اسمه تعالى(ٱلۡخَٰلِقُ) عدة مرات، كلها محذوفة الألف لأن الخلق في القرءان منسوب كذلك لغيرالله، قال تعالى﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ ٱلۡخَٰلِقين ﴾(المؤمنون14)وقال تعالى في سورة العنكبوت(إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا﴾ والعرب تسمي الحذاء أي صانع الاحذية خالقا                                        اما اسمه تعالى  البارئ،من برأ،واصل البرء مأخوذ من تبرئة الشئ من الشئ وخلوصُه منه ، كبرء المريض من المرض ،والمديون من دينه ، قال تعالى في سورة الحديد ﴿ما أَصاب مِن مصِيبةٍ فِي الأْرضِ ولا فِي أَنفُسِكُم إِلاَّفِي كِتَابٍ مِن قَبلِ أَن نَبرأَها﴾ وبرأ الله الشيء أي خلقه،صالحا ومناسبا للمهمة، والغاية التي اوجده لها فليس في كون الله العبث

  فالبارئ اسم خاص بالله،غير مشترك ميز الاشكال بعضها من بعض بعد خلقها. قال موسى عليه السلام لقومه ﴿يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم﴾ولم يقل لخالقكم لأن السامري أخرج لهم﴿عجلا جسدا له خوار﴾وكأنه حقيقي  فـفـتنوا به،ولكن لاروح فيه فأرجعهم الى اسمه تعالى البارئ

   قال تعالى ﴿هُوَ ٱللَّهُ ٱلۡخَٰلِقُ ٱلۡبَارِئُ ٱلۡمُصَوِّرُۖ لَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ  ﴾، ففي هذه الاية تقدير الاشياء  كلها راجع  إلى هذه الأسماء الثلاثة: الخالق البارئ المصور، خلق، وبرأ، وصور:فما من شئ ،شئ،إلا ويرجع إلى هذه الأسماء في صورته واختصاصاته. فمقتضى البارئ يظهر بعد الخالق ، الخالق جعل لكل الحيوانات عينين،وأذنين، وأنف، وأرجل، والبارئ جعل هذا أسرع من هذا،وهذا شمه أقوى من شم هذا،والاخر يسمع مالايسمعه غيره،وبصرهذا ضعيف والآخر له بصر حاد،وكل وصوته الذي يميوه عن غيره  ، والمصور اعطى كل واحد صورة تخصه .فالخالق أعم ﴿ خَٰلِقُ كل شئ﴾والبارئ أخص﴿ربنا الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى)

فالاشياء بعد خروجها من العدم الى الوجود تفتقر الى اسمه تعالى الخالق والى اسمه تعالى الحي لتخرج وفق التقديرات الاولية ،والى البارئ كي يعطيها خصوصياتها ،وإذا تأملنا سائر الكائنات التي سخرها الله لنا سنجد أن الله قد برأ كل كائن و خلقه مناسبا لمهمته، فالنحل  وهبه الله تعالى كيفية هندسة خليته وصنع عسله. و.وتأمل الكيفية العجيبة التي تصنع بها بعض الطيورأعشاشها. وكيف تهندس العنكبوت بيتها. تأمل كيف جعل الله ماء الأذن،مُرا لكي يقتل الحشرات، وجعل ماء العينين مالحاً ليحفظها، فكانت ملوحتها صيانة لها ،وجعل ماء الفـم عذبا ليدرك طعم الأشياء، وليساعد على الهظم.

          قال تعالى﴿أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾فانظر الى الجمل سفينة الصحراء.تجد أذناه : صغيرتان ،والشعر يغطيهما من كل جانب ليقيهما من الرمال .منخراه : يتخذان شكل شقين ضيقين محاطين بالشعر، وحافتهما لحمية،مما يسمح للجمل أن يغلقهما أمام ما تحمله الرياح من  رمال. خفه :عريض يسهل عليه المشي في الرمال   سنامه : يخزن فيه الدهون ليحتمل الجوع أياما .والكرش :يخزن فيه الماء ليحتمل العطش. عظامه : قوية طويلة لحمل الأثقال. قوائمه : تساعده على السير السريع وخفة الحركة.

                    يقول ابن عربي في الفتوحات :أن المهندسين والصناع يستمدون من اسمه تعالى البارئ. وقال تعالى في بني إسرائيل الذين اتخذوا العجل ﴿إِنكَّم ظَلَمتُم أَنفُسكُم بِاتخِّاذِكُم العْجلَ فَتُوبواإِلَى بارِئكِم فَاقْتُلُوا أَنفُسكُم ذَلكِم خير لَكُم عِندبارِئكِم﴾  فأرجعهم الى  اسمع تعالى البارئ دون الخالق،إشارة إلى التمييز والفردانية التي انفردت بها الصورة الادمية ،و فيه إشعاربأنهم بلغوا غاية الجهالة والغباوة حتى تركوا عبادة خالقهم إلى عبادة البقر ،لم يعرفوا حق الخالق البارئ المنعم ،ولذلك أُمِروا بقتل أنفسهم . وتفكيك القالب الرباني الذي خلقوا وبرؤا عليه .

قال تعالى ﴿ هُوَ ٱللَّهُ ٱلۡخَٰلِقُ ٱلۡبَارِئُ ٱلۡمُصَوِّرُۖ لَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ  له الاسماء الحسنى﴾ فالوجود كله تحت مقتضيات  الاسماء الالهية. فَبَعْد الخلق،والبرء،والتصوير يأتي حكم باقي الأسماء وتنتهي “حياة “المخلوق”مع مقتضى اسمه تعالى الـمــمـيـت. فالخالق اسم عام ومشترك لذا قدمه الله تعالى ثم جاء بعده البارئ اسم خاص بالله.

وصلى الله على سيدنا محمد نبي الله ،وعلى الزهراء بَضعة رسول الله ،وعلى اله وصحبه.

672 : عدد الزوار